الاقتصاد التركي في مواجهة التصعيد بين أنقرة وواشنطن
تقرير – وكالة الأنباء العراقية
يسود التصعيد مسارات الأزمة التركية – الأميركية على وقع مواقف واشنطن وأنقرة ومن آخرها رد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على تهديدات نظيره الأميركي دونالد ترامب بقوله إن “هناك من يهددنا بالاقتصاد، والعقوبات، وأسعار الصرف، والفائدة، والتضخم، ونحن نقول لهم إننا كشفنا مؤامرتكم ونتحداكم. تركيا لم ولن ترضخ لأولئك الذين يتظاهرون بأنهم شركاء استراتيجيون لها ويحاولون جعلها هدفا استراتيجيا”.
وكان ترامب وعد بـ”خنق تركيا” إذا لم تطلق سراح القس الأميركي اندرو برانسون الذي يحاكم في تركيا بتهم تجسس ودعم تنظيمات إرهابية شاركت في محاولة الانقلاب العسكري عام 2016.
المسارات الخارجية للأزمة ومخاوف التصعيد
ويستبعد أستاذ العلاقات الدولية في اسطنبول الدكتور سمير صالحة، ، انتهاء الأزمة سريعا مبيننا ان “كل المؤشرات الواردة من البلدين تؤكد أن هذه الأزمة ستستمر وتتواصل وتتفاقم وتتشابك أكثر فأكثر.
ويتسائل صالحة “هل سيكون هناك اصطفاف إقليمي ودولي في المرحلة المقبلة من هذه الأزمة بين الدول وخصوصا الغربية؟”. ويجيب بأن “الكثير من العواصم الغربية قالت إما إنها على الحياد أو إنها تفهمت الموقف التركي، ومنها برلين وروما وباريس”، مستدركا “لكن الولايات المتحدة الأميركية كلاعب دولي أساسي قادرة بشكل أو بآخر على التأثير وفرض الكثير من قراراتها ومواقفها”.
ويعيب خبير العلاقات الدولية على الولايات المتحدة بأنها لا تتابع الداخل التركي جيدا. ويستدل بأن “هذه الأزمة شهدت اصطفافا كبيرا شعبيا سياسيا حزبيا وإعلاميا إلى جانب حكومة العدالة والتنمية. هذا يعني أن هناك توحدا في الموقف التركي بشكل عام ضد الأسلوب الأميركي”.
من جانبه حمل رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو حمل إردوغان مسؤولية تدهور الاقتصاد التركي، قبل هذه الأزمة، متهما إياه باستثمار الأزمة للتغطية على “المشكلة الاقتصادية”.
وفي ظل التصعيد زار كل من وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات التركية العاصمة الروسية موسكو وسط تنامي الحديث عن محور تركي – روسي – إيراني.
وينفي صالحة وجود مؤشرات على رغبة تركيا بتغيير تحالفاتها الاستراتيجية الغربية، ولكنه ينوه بأن “استمرار الأزمة الحالية وتفاعلها قد يفتح الكثير من الاحتمالات للنقاش”. ويلفت إلى أن “علينا أن نقبل حقيقة أخرى هي تنسيق أنقرة منذ أكثر من عامين مع موسكو وطهران تحت سقف الاستانة في الملف السوري، وهذه نقطة بحد ذاتها تغضب الإدارة الأميركية وتقلقها وتزعجها لذلك تضغط بشكل أو بآخر على الحكومة التركية للتراجع عن مواقف من هذا النوع”.
السياقات الداخلية للأزمة ومخاوف التأثير
ويجاور الشق السياسي الخارجي للأزمة التركية – الأميركية شق اقتصادي داخلي يلامس كلا من الشارع التركي والحكومة.
ويذهب الباحث السياسي المتخصص بالشؤون التركية الدكتور سعيد الحاج، ، إلى أن “قضية القس الأميركي ذريعة لخلافات كبيرة جدا في السياسات الخارجية بين تركيا والولايات المتحدة، في حين يرتبط الشق الاقتصادي الداخلي للأزمة بزيادة الدين، والعجز في الميزان التجاري للحساب الجاري، وأمور أخرى جعلت الاقتصاد يمكن أن يُضغط عليه بهذه الطريقة التي شهدت تراجع الليرة”.
وينفي الحاج المقيم في اسطنبول، عبر حديث لمراسل “واع” هناك، وصول تأثير خسائر الليرة إلى الشارع التركي حتى الآن. ويوضح أن “انعكاس غلاء بعض الأسعار على بعض المواد المشتراة من الخارج بالدولار سوف يأخذ وقتا معينا. ما زالت الناس تتعامل بالسلع والخدمات الموجودة في الأسواق أو المخازن والمستودعات، وبالتالي لم تصل درجة التأثير بشكل كبير حتى الآن إلى الشارع التركي”، متوقعا في الوقت نفسه أن “ينعكس جزءا منها على المواطن خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة”.
وفي الإطار السياسي؛ ينحّي الحاج أيضا فرضية أن تشكل الأزمة قلاقل أو اضطرابات أو مشاكل للحكومة التركية. ويبين أن “الوزراء في الحكومة التركية وإردوغان وضعوا الأمر في سياق الضغط الخارجي على تركيا، ومحاولة النيل من السيادة التركية، والسياسة الخارجية التركية واستقلاليتها، وبالتالي وجدنا تلاحما واضحا جدا إن كان على مستوى الشعب أو حتى على مستوى أحزاب المعارضة التي أعلنت رغم اعتراضها على قرارات سياسية واتجاهات اقتصادية معينة للحكومة أعلنت تضامنها مع الحكومة والوقوف إلى جانبها في مواجهة الضغوط الخارجية، ورفضت العنجهية وطريقة الخطاب الأميركية التي فيها نوع من الاشتراطات والإملاءات” ويعتقد أنه “في ظل توقعات ضبط الوضع قريبا ليس هناك من تأثيرات كبيرة جدا على الداخل التركي”.
ويشخص الباحث السياسي أن “الحكومة التركية تعمل في سياقين لمواجهة الأزمة؛ سياق آني سريع يتعلق بتدهور الليرة، وهو سياق لا تبدو فيه مستعجلة جدا، لكنها أعطت تطمينات واضحة للبنوك والمستثمرين ولسوق المال وضخت بعض الأموال في هذه السوق، وبالتالي تحاول قدر الإمكان إبقاء سعر صرف الليرة في مستويات معقولة”.
ويعبر الحاج عن اعتقاده بأن “الاقتصاد التركي ليس في أزمة. هناك تفريق بين سعر صرف الليرة والاقتصاد. الليرة تتراجع نعم، لكن مؤشرات أخرى كثيرة في الاقتصاد تشير إلى سلامته وصحته وتماسكه، مثل الدخل القومي، ونسبة النمو، وازدهار السياحة، وبالتالي ليس هناك خوف كبير على الاقتصاد كاقتصاد”.
غير أن الحاج ينبه، في الوقت نفسه، إلى إشارات تفيد بأن أن “البحبوحة التي عاشتها تركيا والدول ذات الاقتصادات النامية في الفترة السابقة قد انتهت الآن، وأن الخطة المتوسطة أو البعيدة المدى ستتطلب إجراءات صارمة نوعا ما في السياسات المالية والنقدية، وأن جزءا منها يتعلق لا أريد أن أقول بتقشف وإنما بتوفير أو اقتصاد حكومي معين في بعض الخدمات، وكأن الحكومة التركية تحضر الشعب التركي لفترة فيها بعض الصعوبات حتى تخرج تركيا من هذه الأزمة”.
وينتهي الحاج إلى فهم “أن الخطاب التعبوي الذي يحشد الشعب التركي الآن في مواجهة الضعوط الخارجية يضع الأزمة في إطار الاستقلال وكرامة الدولة، ومعه تحتاج الحكومة لتأييد الشعب وصبره ودعمه للسياسات التي سوف تأتي وسيكون فيها بعض التضييق المالي على الشعب”.