ما الذي يخيف دولاً بالمنطقة من تحالفات تركيا الإقليمية؟
الخليج أون لاين – تقرير
ما إن أعلن الرئيس السوداني، عمر البشير، قبول عرضٍ من نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، لترميم جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر، ووضعها تحت السيادة التركية مدة غير معينة، حتى فزعت دولٌ في المنطقة من ذلك وسارعت بالتحذير من تداعيات تلك الخطوة.
اللافت أن أنقرة لا تمسك عليها دول المنطقة أطماعاً عدوانية كحال إيران، التي غزت أربع دول عربية مهمة؛ سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتهدد أمن الدول الأخرى، لا سيما السعودية؛ بل تنتهج سياسة التقارب والتعاون مع من يمد يده إليها.
فهل السبب يكمن في متلازمة “الخوف من الناجح”، التي تعني عدم تمنِّي الغارق في فشله نجاح من هو قريب منه؛ حتى لا يعيَّر به، خاصة أن الدول التي تهاجم تركيا دون ما سواها من الملاحظ أنها غارقة في قضايا عسكرية وأزمات سياسية واقتصادية، بيد القادر وحده حلها؟
في المقابل، فإن تركيا استطاعت النجاة من الأزمات التي تحاصرها؛ فهي اليوم قد أبعدت تنظيم داعش عن حدودها الجنوبية في عملية “درع الفرات” عام 2016، كما أوقفت تمدُّد الإنفصاليين الأكراد تجاه حدودها من ناحية سوريا والعراق.
فضلاً عن ذلك، تمتلك عدة قواعد عسكرية في مواقع استراتيجية على الخليج العربي بقطر، وعلى مضيق باب المندب في الصومال، ودخلت البحر الأحمر من بوابة السودان وترميم جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر، والواقعة بالجهة المقابلة لمدينة جدة السعودية.
داخلياً، تعيش تركيا حالة من الاستقرار الاقتصادي وتسارُع في نسب النمو، مسجلةً تعافياً سريعاً من محاولة الانقلاب الفاشل التي شهدتها البلاد في يوليو 2016، وحققت نمواً بنسبة 7.4% في الأشهر التسعة الأولى من 2017.
– هجمات إعلامية جنونية
صحيفة “عكاظ” السعودية الرسمية، وبالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم إلى الرياض، في 27 ديسمبر الماضي، نشرت خبراً بعنوان “الخرطوم تمنح أنقرة (سواكن).. السودان إلى الحضن التركي”، منسوباً لوكالتي رويترز والفرنسية، وهو ما أعادت نشره وسائل أخرى.
وابتدأت الخبر بالحديث عن “أطماع تركية” في أفريقيا، بـ”التمدد والتوسع على طريقة الملالي”، وأشارت إلى الانتقادات المصرية للاتفاق السوداني-التركي حول “سواكن”.
اللافت أن السفارة السودانية بالرياض نفت في اليوم نفسه، وبشدة، كلام الصحيفة السعودية، حتى إن الوزير المفوض مسؤول القسم الإعلامي بالسفارة، المعتز أحمد إبراهيم، أكد أنه راجع بنفسه متن الخبر في “رويترز” و”فرانس برس”، ولم يقف على أية إشارة إلى كلمة “أطماع” ولا على ما يمكن أن يمثل “تهديداً” للأمن القومي العربي.
وأشار إبراهيم في البيان إلى أن خبر صحيفة “عكاظ” السعودية يشكّل “إساءة واضحة إلى السودان وسيادته وحقه الطبيعي، في إنشاء علاقات مع مختلف دول العالم”.
كما فتح الإعلام المصري؛ الحكومي والخاص، المقرب من الحكومة، النار على الاتفاقية السودانية-التركية، ووصفوا ما جرى بـ”استعمار تركي للسودان”، ما حدا بوزير الخارجية السوداني شخصياً، إبراهيم غندور، إلى التعبير عن أسفه واستغرابه لما نُشر، وقال في مؤتمر صحفي: “لا نأخذ كل الشعب المصري بجريرة بعضه، ولكن البعض الذين لا يفهمون كيف تدار العلاقات بين الدول، وأنا متأكد مَن أثار هذه الأمور.. لو لم تكن الزيارة ناجحة جداً ومهمة جداً لما أثاروا تلك النقاط”، خاتماً كلامه بالقول: “فليمت بغيظه من يمت، وليفرح بسعدنا من يفرح”.
– لا مبرر للانتقاد
الدكتور أحمد أويصال، الباحث التركي ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، ذكر في حديث لـ “الخليج أونلاين”، أنه “ليس هناك ما يبرر انتقاد بعض الدول علاقات تركيا الطيبة”، مبيناً أن بلاده “على علاقات جيدة مع الدول الإسلامية، وخاصة الإخوة العرب”.
وعن قلق بعض الدول من تحوُّل الجزيرة لقاعدة عسكرية، لفت أويصال إلى أن هذه “الجزيرة ستكون للنشاطات السياحية والتجارية؛ لكونها أصغر من أن تكون قاعدة عسكرية”.
وفسر أويصال حالة العداء لتركيا، خصوصاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، أنه رداً على موقف تركيا خلال الأزمة الخليجية بمدّ يد العون لقطر ضد دول الحصار، مشدداً في الوقت نفسه على أن “الخلافات والصراعات بين العرب والدول الإسلامية، لا تخدم سوى الصلاحيات والصلاحيات الأخرى”.
ولفت إلى أن “تركيا ترى الصراع في المنطقة بين من يؤيدون الاستقلال والحرية، ومن يريدون إبقاء أنظمة الاستبداد”، مشيراً إلى أن “أنقرة تريد تحسين العلاقات مع كل من يقفون بجانب خيار الاستقلال. وبطبيعة الحال، هذا يزعج من يدعمون الاستبداد مثل الإمارات العربية المتحدة، والعمل كبديل من القوى الكبرى”.
يُذكر أن وزير السياحة السوداني، محمد أبو زيد مصطفى، أكد في حديث صحفي الثلاثاء 9 ديسمبر، أن بلاده عرضت على الإمارات الاستثمار في “سواكن”، لكنها لم تتلقَّ أي رد.
– نتائج معاكسة
هذا الفزع لم يُولد مع الاتفاق الذي أبرمته تركيا في السودان؛ بل جاء قبل أشهر من الآن، خاصة مع إطلاق الصحافة المصرية والسعودية مصطلح “التحالف التركي- الإيراني- القطري”، وهو ما نفاه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مؤكداً أن بلاده تنظر إلى الدول الإسلامية كافة نظرة متساوية، وذلك عقب اجتماع عسكري ضم رؤساء أركان تركيا وقطر والسودان في الخرطوم.
وأكد جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السوداني، إبراهيم غندور، الشهر الماضي، أن بلاده “هي رئيسة الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي تنظر إلى البلدان الإسلامية كافةً نظرة متساوية، وتقول لمن ارتكب خطأ إنك مخطئ”.
وأوضح أن بلاده من أكثر الدول التي انتقدت إيران فيما يخص الأزمتين السورية والعراقية، مشدداً على ضرورة عدم تفسير التقارب بين الدول على أنه تشكيل محور أو تحالف.
وضرب جاويش أوغلو مثالاً، بقوله: “نحن الآن لدينا تقارب مع السودان، فهل يعني هذا وجود محور أو تحالف تركي-سوداني؟ لذا، يجب عدم الانجرار وراء مثل هذه الفتن”.
واللافت أيضاً، أن أنقرة والرياض تتطابقان، بحسب المواقف المعلنة، في العديد من الملفات، لا سيما بسوريا والعراق، الأمر الذي طرح تساؤلاً عن سر هذا الهجوم غير المبرر.
الدكتور سعيد الحاج الباحث في الشأن التركي، ذكر أنه رغم المواقف التركية الجيدة تجاه السعودية، فإنه كان هناك تحشيد ضد تركيا، وكان هناك دعم للانفصاليين الأكراد في العراق وسوريا وتركيا؛ لإقامة كيانات لهم، لافتاً إلى أن “تركيا ما زالت حريصة على العمل مع السعودية رغم أن محاولات التحالف معها لم تنتج شيئاً على أرض الواقع”.
وتابع الحاج حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن أحد أسباب التحشيد ضد تركيا، “يأتي ضمن سياق التصنيف الجاري في المنطقة حول الانحياز إلى الثورات والثورات المضادة، كدولة الإمارات التي تنظر بعين الريبة للثورات”.
وبيَّن أن “تركيا أجْرت مراجعة لسياستها بعد 2015 بعنوان تقليل الأعداء وزيادة الأصدقاء، ومن ضمن ذلك كانت عودة السفير الإماراتي إلى أنقرة”، موضحاً أن “أبوظبي رغم ذلك، ما زالت تنظر بسلبية إلى الدور التركي، وما زالت العديد من التقارير تتحدث عن دور للإمارات في أحداث كانت تهدف إلى الإطاحة بالحكومة، كمحاولة الانقلاب في 2016”.
وعن تداعيات زيارة أردوغان إلى السودان الشهر الماضي، والتحشيد الإعلامي ضدها، لفت الحاج إلى أنها “مرتبطة بالأزمة الخليجية والموقف من قطر”، مضيفاً: “صحيح أن أنقرة لم تستعدِ الرياض وأبوظبي، لكنها وقفت إلى جانب قطر وسرّعت موضوع القاعدة العسكرية؛ ومن ثم وقفت في وجه دول الحصار التي حاولت إسقاط قطر”، مبيناً أن “إطلال تركيا على البحر الأحمر، بالإضافة إلى القواعد العسكرية في قطر والصومال، بات يُعتبر تهديداً لهم”.
اللافت أن زيارة أردوغان إلى العالم العربي ركزت على الجانب الأفريقي منه، لا سيما الدول المستقرة كالسودان وتونس، ما أوحى بأن أنقرة ربما تحاول إنشاء محور جديد مع الدول الأفريقية؛ للوقوف في وجه الدول العربية التي تصعد ضدها.
لكن الحاج رأى أن هذا غير منطقي حالياً، “لكن تركيا تحاول البحث دائماً عن شراكات وتحالفات؛ ففي فترة سابقة كان هناك رهان على مصر، لكنه انتهى بالانقلاب العسكري عام 2013، كما أن قطر لم تستطع إمكاناتها صنع محور جديد، كما كان هناك رهان على الرياض والدوحة كمحور ثلاثي، أيضاً لم ينجح”.
ولفت إلى أن “تركيا تسعى لنفوذ ومكانة في الإقليم على مبدأ “الربح للجميع وليس على حساب أحد”، مبيناً أن “السياسات غير المحسوبة في المنطقة أدت إلى اصطفافات معاكسة لما هدفت له، كحصار قطر الذي أُريد منه إسقاطها وإبعادها عن إيران، أدى إلى نتائج معاكسة”، محذراً من أن “هذه السياسات، إن استمرت فستؤدي إلى اصطفافاتٍ عكس المرجوِّ منها”.