الوجهات المحتملة للعملية التركية في سوريا

 

الوجهات المحتملة للعملية التركية في سوريا

 

المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

عندما أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في 30 من آذار/مارس الفائت نهاية عملية درع الفرات، احتفظ لبلاده بالحق في القيام بعمليات عسكرية أخرى تحت مسميات جديدة لمواجهة المنظمات التي تصنفها تركيا على قوائم الإرهاب. وكان يقصد حينها بالطبع حزب الاتحاد الديمقراطي، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وأذرعه العسكرية مثل وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية فضلاً عن تنظيم الدولة – داعش بدرجة أقل.

في حزيران/يونيو الفائت، وإثر مناوشات عسكرية متكررة بين الميليشيات الكردية المتمركز في عفرين والقوات التركية في مناطق درع الفرات، حشدت أنقرة قواتها على الحدود مع سوريا في إشارة لعملية عسكرية مرتقبة في عفرين أسمتها وسائل الإعلام حينها “سيف الفرات”. بيد أن زيارة كل من وزير الدفاع الروسي وموفد الولايات المتحدة للتحالف الدولي إلى أنقرة أجلتا ساعة الصفر فيما يبدو لحرص أنقرة على التفاهم مع العاصمتين قبل أي خطوة مماثلة.

تصريحات الرئيس التركي قبل أيام حول “خطوات جديدة وهامة قريباً جداً” في سوريا لمواجهة “المنظمات الإرهابية” تشير إلى تفعيل أنقرة، مرة أخرى، الخيار العسكري في مواجهة المنظمات الكردية المسلحة في سوريا، بغض النظر عن التسمية وهل هي استكمال لدرع الفرات أم عملية جديدة. ويبدو القرار مرتبطاً بازدياد الدعم الأمريكي العسكري المقدم للمنظمات الكردية ومتزامناً مع ثلاثة تطورات هامة؛ الأول محلي ذو علاقة بترتيب المؤسسة العسكرية بعد اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى، والثاني سوري وهو نية حزب الاتحاد تنظيم انتخابات في المناطق التي يسيطر عليها، والثالث إقليمي – دولي سبق اجتماع الإطار الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في طهران مؤخراً.

من الناحية النظرية، ثمة مناطق عدة قد تكون هدف العملية التركية التي يصعب الجزم منذ الآن بسقفها ومداها.

هناك أولاً تل أبيض التي كانت ذات اهمية استثنائية بالنسبة لأنقرة قبل بدء معركة الرقة لتدعيم مقترحاتها لواشنطن، بيد أن تفضيل الأخيرة الذهاب للرقة رفقة المنظمات الكردية يقلل من أهمية تل أبيض وتقلل من فرصها.

وهناك ثانياً منبج التي أخرجت قواتُ سوريا الديمقراطية داعشَ منها ثم بقيت فيها خلافاً للتعهدات الأمريكية لأنقرة، بل وتمركزت فيها وحولها قوات أمريكية لحمايتها، الأمر الذي يعني أن أي خطة تركية بخصوصها لا يمكن أن تتم بلا قبول واشنطن أو المواجهة معها، وهو ما يستبعدها من قائمة الأولويات.

وهناك ثالثاً عفرين، الكانتون الذي أعلن فيه الاتحاد الديمقراطي إدارة ذاتية في 2014، والذي تتمركز فيه في المقام الأول قوات روسية. وتبدو عفرين أولوية تركية باعتبارها معقلاً رئيساً للمنظمة الكردية ولغياب الثقل العسكري الأمريكي الكبير وبسبب تكرار المناوشات والاستفزازات منها تجاه مناطق درع الفرات، خصوصاً مارع.

وهناك رابعاً وأخيراً محيط تل رفعت ومطار منغ الذي سيطر عليه حزب الاتحاد في المراحل الأخيرة من درع الفرات بدعم روسي، وتبدو تلك المناطق ذات أهمية استثنائية لجهة ربط ريفي حلب وإدلب، الأمر الذي توليه أنقرة أهمية خاصة.

وبالنظر لحاجة روسيا لتركيا في مسار خفض التصعيد المشار إليه، وفي ظل معارضة كل من طهران ونظام الأسد (حلفاء موسكو) لخطط الأكراد في شمال سوريا، يمكن توقع ضوء أخضر روسي لعملية تركية محدودة. وهو الأمر الذي تدعمه تصريحات سفير موسكو في أنقرة حول “تفهم” روسيا لمخاوف تركيا من مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي مع “اختلافها” معها حول تصنيفه منظمة إرهابية.

وبالتالي فالمتوقع لأي عملية عسكرية تركية مفترضة في سوريا أن تبدأ في محيط مطار منغ وتل رفعت كمرحلة أولى، ثم تتوغل في محيط عفرين دون الوصول لمركزها إلا في إطار عملية موسعة تبدو مستبعدة وفق المعطيات الحالية.

ذلك أن العقبة الرئيسة أمام تركيا في عمليتها المفترضة أنها لا تحظى بقبول الاطراف المهمة في المعادلة السورية كما كانت درع الفرات التي رفعت لافتة مكافحة داعش، بينما لا تتفق موسكو وواشنطن معها في توصيف حزب الاتحاد إرهابياً، وبالتالي ينبغي على أي عملية مفترضة أن تكون دفاعية في منطلقاتها وسريعة في إنجازاتها قدر الإمكان لتجنب الضغوط.

فضلاً عن أنها قد لا تنطلق أبداً بل تبقى في إطار ممارسة أنقرة للضغوط على مختلف الأطراف لتحسين شروطها التفاوضية في الإطار الثلاثي وفي مسار حل الأزمة السورية ككل، اللهم إلا إذا رأت أن التطورات الميدانية تفرض عليها حماية أمنها القومي بغض النظر عن رأي الأطراف الأخرى وموافقتها، وساعتها سيكون أمامها خيار وحيد ستضطر إليه وإلى تحمل تبعاته.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

اردوغان يصوّب خطأ تاريخياً بحق العرب

المقالة التالية

في ذكرى تأسيسه: 16 عاماً من تجربة العدالة والتنمية

المنشورات ذات الصلة