هل ترمب جاد في إسقاط الأسد؟

 

 

هل ترمب جاد في إسقاط الأسد؟

 

المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

منذ اللحظة الأولى لتنفيذ نظام الأسد لمجزرة خان شيخون باستخدام الأسلحة الكيماوية كانت المواقف الدولية الحادة وسقف الخطاب الأمريكي العالي لافتين جداً للأنظار. كان هناك شيء مختلف عن كل ما سبق في التعامل مع الأسد سيما في الأشهر القليلة الماضية التي شهدت تسريع العملية السياسية وتقدم النظام الميداني وحتى تصريحات أمريكية بأن إسقاط الأسد لم يعد من مهامها أو أولويتها.

في هذا الإطار، يأتي قصف الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص بـ 59 صاروخ توماهوك كأبرز دليل على اختلاف الحالة اليوم عن سابقاتها. لكن هل يعني كل ذلك أن المجتمع الدولي بقيادة واشنطن قد اتخذ قرار الإطاحة بالأسد؟

بادئ ذي بدء، من المفيد التذكير بأن ما حرك ويحرك الولايات المتحدة ليس إجرام الأسد ولا معاناة الشعب السوري وإلا لحصل التدخل منذ سنوات طويلة، فضلاً عن التذكير بمواقف ترمب من القضية السورية ومن الأسد تحديداً خلال الحملة الانتخابية. إلا أن النقطة الفارقة هنا هي استخدام السلاح الكيميائي لما يحمله من معاني الإخلال بموازين القوى في المنطقة خاصة ما يتعلق بالعدو الصهيوني، ولذلك كان ثمن مجزرة الكيماوي في الغوطة 2013 “صفقة” تسليم الأسد لهذا السلاح وليس ضربه أو إسقاطه، وهو ما حصل إسمياً، ويبدو أنه لم يسلم كل ما لديه كما كان متوقعاً.

ثمة سياقات ساهمت في تشكيل القرار الأمريكي بقصف القاعدة الجوية لا ينبغي إغفالها في أي تحليل، أهمها:

أولاً، أن أي حل سياسي للأزمة السورية عبر جنيف أو غيرها لا بد وأن يتضمن الحد الأدنى مما يمكن للمعارضة السورية أن تقبل به، وهو تغييب الأسد عن مستقبل سوريا. هذا أمر بديهي ومنطقي وما سواه ليس سوى تضييع عبثي للوقت، ولكن يبقى السؤال دائماً عن التوقيت والكيفية، وهو أمر متعلق في نهاية المطاف بالتفاهمات الأمريكية – الروسية وبمدى تواجد/إيجاد البديل. ولذا، فإن فكرة استهداف النظام ليست مستبعدة من ناحية مبدئية إذا ما وجدت الإدارة الأمريكية أنها تخدم هذا الهدف في توقيتها وسياقها وتفاصيلها.

ثانياً، ثمة رغبة لدى ساكن البيت الأبيض الجديد في إثبات اختلافه عن سلفه أوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والقضية السورية تحديداً، رغم أنه خلال الحملة الانتخابية أكد مراراً على خطأ التدخل في سوريا وعلى أن “الأسد ليس المشكلة الكبرى في سوريا”.

ثالثاً، أتت الضربة بعدما تسلم ترمب من البنتاغون الخطط التي طلب رسمها بخصوص تنظيم الدولة – داعش ومعركة الرقة وسوريا بشكل عام، وهي الخطط التي لم تعلن تفاصيلها بكشل واف.

رابعاً، عودة الدور الريادي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط من ضمن ما يدعو له ترمب، بعد أن أدت سياسات أوباما المتعلقة بالانكفاء والانسحاب التكيتيكي من الشرق الأوسط والقيادة من الخلف إلى ترك سوريا لروسيا بشكل كامل مؤخراً.

خامساً، ضربة كهذه ستغطي بشكل كبير جداً على الاتهامات التي طالت عدداً من مساعدي ترمب وأركان إدارته بخصوص العلاقة مع روسيا أو تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية، وتؤدي رسالة مفادها أن الرئيس الأمريكي جاد في “مواجهة” موسكو وأنه صاحب اليد العليا في العلاقة معها. كما أن الضربة أتت بعد يومين من تصريحات سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هالي بأن إسقاط الأسد لم يعد من أولويات بلادها، وهو التصريح الذي تسبب بانتقادات واسعة لها ورُبِط كثيراً بينه وبين تجرؤ الأسد على القصف بغاز السارين.

سادساً، حساسية الإدارة الأمريكية لاستخدام الأسلحة الكيماوية كما سبق ذكره، سيما بخصوص تطمين دولة الاحتلال الإسرائيلي.

حسناً، هل تكفي هذه السياقات للقول بأن ترمب قد اتخذ القرار فعلاً بإسقاط نظام الأسد؟ أعتقد أن تفسيراً كهذا سيكون مبالغاً به جداً مفتقداً للقرائن المنطقية المقنعة.

إن ردة الفعل الأمريكية والدولية وتصريحات قادة الكيان الصهيوني والضربة الأمريكية للقاعدة الجوية السورية كلها توحي بمرحلة جديدة بل وبتهيؤ مسبق لما حصل. ربما يوحي ذلك حتى بنظرية المؤامرة وتوريط الأسد عبر الهجوم الكيماوي من طرف أحد أركان نظامه كما يرى البعض باعتبار أنه لا مصلحة له ولا دافع منطقياً وراء المجزرة التي ارتكبها، لكن هذا نقاش يبدو تفصيلياً على هامش الحدث الأهم والتطورات اللاحقة سيما وأننا لسنا قادرين على إثبات هذا الإدعاء أو نفيه. وسيان، أفتعلت واشنطن الحدث لكي تبادر للفعل أو استثمرت الحدث بالشكل الأمثل بالنسبة لها فالنتيجة واحدة في نهاية المطاف.

وبقدر أهمية السياقات السابقة على القصف الأمريكي والمتزامنة معه، فإن تفاصيل الهجمة نفسها تبدو ذات دلالات مهمة. فقصف قاعدة الشعيرات ذو دلالة رمزية تشير إلى “رد” على قصف خان شيخون أكثر مما يحيل إلى “مواجهة” أكبر من ذلك. من جهة أخرى، قال البنتاغون في بيان له بأن القصف استهدف “طائرات وملاجئ الطائرات ومستودعات للوقود والدعم اللوجستي ومستودعات الذخائر ونظم الدفاع الجوي وأجهزة الرادار” تابعة للنظام السوري بينما تجنب إصابة المستشارين الروس أو أي معدات روسية موجودة في القاعدة.

من جهة أخرى، أكدت المصادر الأمريكية إبلاغها موسكو بالضربة الجوية قبل القيام بها، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ليست معنية – الآن على الأقل – بانفلات الأمور تماماً. إشعار روسيا بالضربة قبل تنفيذها يعني أيضاً إشعار نظام الأسد بها ضمنياً عبر الروس، الأمر الذي يقلل من الخسائر في حال كان الوقت كافياً للنظام للقيام ببعض الإجراءات (فضلاً عن لغة التهديد الأمريكية منذ أيام والتي أدت لإجراءات احترازية بطبيعة الحال)، وهو ما يفيد معنى “الرسالة” في القصف أكثر من معنى “المواجهة” أو الإسقاط.

هذه الدلالة المتعلقة بإيصال رسالة لنظام الأسد وروسيا (وإيران) متضمَّنة أيضاً في بيان البنتاغون حول اكتفاء واشنطن حالياً بقصف الشعيرات، وتصريح البيت الأبيض بأنها الإجراء الوحيد حالياً “حتى إشعار آخر”. فما الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه الضربة وما الأهداف التي تتوخاها واشنطن من خلفها؟

الهدف الأول والجلي هو الضغط على روسيا لتعديل موقفها ومسار الأزمة في سوريا ميدانياً وسياسياً لكسر تصلب النظام وتسهيل عملية الانتقال إلى الحل السياسي عبر جنيف أو أي مسار آخر، والتأكيد على عدم تفرد موسكو في القرار المتعلق بسوريا. وهناك هدف آخر لا يقل أهمية وهو تسليم الأسد – هذه المرة – أسلحته الكيميائية بشكل كامل ونهائي.

الهدف الثاني المحتمل هو تحقيق فكرة ترمب بإنشاء مناطق آمنة في سوريا عبر حظر الطيران على النظام السوري، بيد أن هذا الهدف ما زال يفتقد إلى التفاصيل حول عدد هذه المناطق ومواقعها ومساحاتها وما إلى ذلك، فضلاً عن أنه يتطلب بكل الأحوال إما قراراً دولياً وإما التنسيق مع روسيا وإما كليهما.

الهدف الثالث المحتمل نظرياً، والذي أراه ضئيل الفرص، هو أن يكون ترمب قد اتخذ فعلاً قراره بإسقاط الأسد وتفعيل مسار الحل بدونه (ولكن بهيكلة النظام والحفاظ عليه) وبالتالي تكون هجمة صباح اليوم مجرد المقدمة، وهنا يصبح لكلام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حول “تشكيل تحالف دولي ضد الدكتاتور الأسد” معنى مهماً.

بطبيعة الحال، قد تكون تتداخل هذه الأهداف بل ويمكن أن تخدم بعضها البعض، بحيث يؤدي الضغط على روسيا لتراجعها وتسليم الأسد أسلحته أو يساهم حظر الطيران – في حال فرض – في تراجع النظام الميداني وإسقاطه لاحقاً بما يتيحه للمعارضة من إمكانات وفرص. بيد أن حاجة واشنطن للتنسيق الكامل مع موسكو قبل أي حظر طيران أو تفعيل لفكرة المناطق الآمنة (وبغض النظر عن وجود قرار أممي من عدمه) يحيل إلى فكرة الضغط والرسالة أكثر من أي شيء آخر، على الأقل تجنباً لمواجهة عسكرية مع موسكو لا يرغب بها الطرفان ولا سواهما.

في المحصلة، حققت واشنطن بمجرد القصف الصاروخي عدة نقاط مهمة في مقدمتها كسر احتكار روسيا للقرار في سوريا والإعلان عن عودتها إلى الشرق الأوسط، فضلاً عما تفتحه من آفاق مستقبلية محتملة. هذه الفكرة كفيلة بإثبات إلى أي مدى كانت التقديرات المتعلقة بتراجع أوباما وقوة روسيا وفوات الفرصة على واشنطن للتأثير في القضية السورية متسرعة وغير موضوعية، ودعم صوابية معنى التقدم الروسي المسموح به أمريكياً لعدة أسباب.

بكل الأحوال، ضربت واشنطن ضربتها وأرسلت رسالتها، وتبدو الخطوة منضبطة ومعروفة الحدود ولا يبدو أن تطورات متسارعة ستتلاحق بشكل فوري أو تلقائي في سوريا، بينما ستحدد مواقف الأطراف المختلفة سيما روسيا مسار الأحداث والحل في القضية السورية، والتي من الصعب – في غياب أي مفاجآت – أن تخرج عن المرسوم لها حتى الآن أي المسار السياسي والمرحلة الانتقالية وتأهيل النظام مع غياب/تغييب الأسد عن مستقبل سوريا.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

القمة العربية إذ تختار السقوط

المقالة التالية

من سيحسم نتيجة الاستفتاء في تركيا؟

المنشورات ذات الصلة