ملف اللاجئين يوتر العلاقات التركية – الإيرانية
عربي 21
لطالما كان ملف اللجوء عاملاً مهماً في صياغة وتأطير العلاقات التركية – الأوروبية سلباً وإيجاباً، سيما بعد اتفاق إعادة اللاجئين الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا في آذار/مارس من العام الفائت ثم تعثره وعدم الالتزام الأوروبي بتحرير تأشيرة شينغن على المواطنين الأتراك وتهديد أنقرة في المقابل بإلغائه تماماً في أكثر من مناسبة.
بيد أن هذا الملف اليوم يلعب على وتر العلاقات التركية – الإيرانية المشدود أصلاً منذ فترة. فقد صرح نائب رئيس الوزراء التركي ويسي كايناك بأن ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ معظم من الأفغان متكدسون على الحدود الإيرانية – التركية بانتظار دخول تركيا والعبور منها إلى أوروبا. وكان اللافت في حديث الوزير التركي إشارته إلى “إشاعة” ما سرت بين الأفغان حول فتح أوروبا باب الهجرة لهم وما تضمنته من معنى “تعمد” توجيه اللاجئين بهذا العدد الكبير نحو الحدود التركية، فضلاً عن اتهامه للسلطات الإيرانية “بغض البصر” عن الأمر وعدم منعه أو حله.
الرد الإيراني على هذه التصريحات أتى هذه المرة من وزارة الخارجية وببيان مكتوب، وصف كلام الوزير بأنه “غريب وغير ذي علاقة”. لكن البيان تطرق أيضاً إلى تصريحات الرئيس التركي عن إيران واعتبرها “غير مقبولة” وأنها تهدف “لتبرير سياسات تركيا التوسعية في دول الجوار”. وكان اردوغان قد حذر مؤخراً من “تصاعد التوتر المذهبي” في العراق واعتبر أن الأحداث في العراق “عنصرية قومية تستمد دينامياتها من التوتر المذهبي”، موجهاً سهام نقده لإيران التي “طورت عنصريتها القادمة من التاريخ عبر سياساتها التوسعية في المنطقة” على حد تعبيره.
ويبدو ملف اللاجئين في السياق مجرد محطة جديدة في سلسلة من المحطات التصعيدية على مستوى الخطاب بين الطرفين وعلاقاتها المتدهورة. فقد باب من المعتاد أن يتطرق الساسة الأتراك “للسياسات الطائفية والمذهبية” لطهران ونسب “الميليشيات الشيعية” المقاتلة في سوريا إليها وتحميلها مسؤولية جرائم هذه الأخيرة هناك، بينما حذر أكثر من مسؤول إيراني مؤخراً من أن “صبر إيران ليس بلا حدود” داعياً تركيا إلى الكف عن “التدخل في شؤون دول المنطقة”.
أرضية الخلافات بين أنقرة وطهران قديمة متجددة، وترتبط بعدة سياقات في مقدمتها:
أولاً، سياسات إيران التوسعية في المنطقة واستخدامها القوة الخشنة لفرض رؤيتها سيما في كل من سوريا والعراق بما يهدد الاستقرار الإقليمي.
ثانياً، اعتماد طهران على عدد كبير من الميلشيات الدائرة في فلكها، وهي منظمات جمعت بين اللغة/الشعارات الطائفية من جهة والممارسات الميدانية التي اتهمت أحياناً بالتطهير العرقي أو المذهبي من جهة أخرى. وهي سياسة تنذر بمواجهات طائفية/مذهبية في المنطقة لطالما حذرت أنقرة من أن أنها إن اشتعلت فلن تبقي ولن تذر وستضر بكافة الأطراف في المنطقة.
ثالثاً، حالة التنافس في الإقليم. فكل تقدم لإيران يأتي بدرجة أو بأخرى على حساب دور تركيا ومصالحها، في ظل عدم تكافؤ الفرص القائم بين سياسة تركيا الناعمة حتى وقت قريب (لحظة درع الفرات) وسياسة إيران الصلبة/الخشنة.
ومما يزيد من تأثير هذه السياقات على أوتار العلاقة المشدودة بين طهران وأنقرة التقاربُ الأخير بين تركيا والسعودية من جهة وخطاب ترامب الحاد ضد إيران من جهة أخرى، الأمر الذي قد يفسر حدة الخطاب التركي ضد إيران قبيل زيارة اردوغان لدول الخليج كما قد يفسر أيضاً الردود الإيرانية المتشجنة مؤخراً إزاء تركيا.
وعلى عكس المتوقع وملامح السياسة الخارجية لكلا البلدين، يبدو أن التوتر قد أثر أيضاً على التعاون الاقتصادي بينهما، إذ تراجع حجم التبادل التجاري بينهما من 21 مليار دولار عام 2012 إلى 9.7 مليار دولار عامي 2015 و2016. كما أن حالة من التنافس تسود البلدين على نقل نفط العراق إلى الخارج، حيث وقع وزير النفط الإيراني مع نظيره العراقي الشهر المنصرم مذكرة تفاهم لدراسة إنشاء خط أنابيب لتصدير النفط من حقول كركوك عبر إيران بما يعني الاستغناء مستقبلاً عن إقليم شمال العراق وتركيا.
بيد أن ذلك لا يعني أن الطرفين دخلا أو قد يدخلان قريباً في مواجهة مفتوحة، فهما قد قررا منذ فترة طويلة أن يتجنبا ذلك قدر الإمكان أولاً لانعكاساته السلبية على اقتصاديهما وثانياً – وهو الأهم – للأضرار الكبيرة المباشرة التي سيتسبب بها صراع مباشر كهذا. إضافة إلى ذلك، ثمة مصالح كثيرة وكبيرة تجمع الطرفين وفي مقدمتها المصالح التجارية ومواجهة المشروع السياسي الكردي في سوريا والمنطقة، وبالتالي فهما معنيان بتهدئة المشهد الميداني السوري على المدى البعيد وإن اختلفا في التفاصيل الحالية.
يمكن إذن وضع الخطاب التركي عالي السقف وحاد المصطلحات في إطار الضغط على طهران ومحاولة إنتاج حالة من التوازن النسبي معها في المنطقة، بينما ليس من المتوقع ولا المنطقي أن يتحول ذلك الخطاب إلى مواجهة مباشرة وعلنية وفق المعطيات الحالية. الأكثر احتمالاً هو العكس، أي أن تلعب تركيا دور الوسيط بين الرياض وطهران لما تملكه من علاقات جيدة مع كليهما، ولئن كان ذلك مستبعداً اليوم إلا أنه قد يصبح ممكناً على المدى المتوسط أو البعيد خصوصاً إن قدر للمسار السياسي أن يقطع شوطاً مهماً على صعيد تهدئة الأوضاع في سوريا وحلحلة المعضلات المتراكمة في العراق.