أليس في ثورة ليبيا عبرة للسوريين؟؟

فوارق جوهرية ومهمة سجلناها – كمراقبين – بين ثورتي تونس ومصر من جهة والثورة في ليبيا من جهة أخرى. التحرك الشامل والتنسيق الواسع والشعارات الوحدوية والتنظيم العالي والاتزام التام بسلمية المظاهرات والاحتجاجات والرفض القاطع للتدخل الخارجي كانت السمات البارزة لثورتي الشعبين التونسي والمصري مؤدية إلى حسم سريع نسبياً هناك، في حين سقط الثوار الليبيون في خطأين فادحين ما زالوا يدفعون ثمنهما حتى الآن: اللجوء إلى السلاح وقبول التدخل الخارجي.

أعلم أن “أهل مكة أدرى بشعابها” وأن ظروفاً عصيبة في مقدمتها التعامل الوحشي من قبل “العقيد” مع شعبه دفعت الثوار دفعاً لهذين الخطأين الكبيرين، لكننا يجب ايضاً ألا ننكر أن بعض الثوار اغتر بالأسلحة التي حصل عليها وركن إليها شيئاً قليلاً، وسعد الكثيرون منهم بتدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصالحهم وظنوا أنه يستطيع المساعدة على حسم المعركة سريعاً.

لست هنا لأنظّر لقادة الثورة الليبية، لكننا لو نظرنا إلى ما آلت إليه الأمور، لوجدنا خسراناً مبيناً. بعد عدة أشهر من المعارك، لم يستطع الثوار أو حلف الناتو (أو لم يرد) أن يحسم المعركة، واعتبرت بعض الدول الوضع “حرباً أهلية” بين الليبيين لا ثورة على الظلم، حتى ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات التي تنادي بحل سلمي وأحياناً ببقاء القذافي داخل ليبيا كمنطلق لحل الأزمة.

ما دفعني لكتابة هذه السطور هو المجموعة التي ظهرت على شاشات الفضائيات مسمية نفسها “حركة الضباط الأحرار”، والتي قالت أنها “ستعمل على حماية المتظاهرين” من الجيبش السوري والشبيحة. لا يختلف اثنان على التمجيد والاحتفاء بمواقف هؤلاء الضباط والجنود الشرفاء الذين يرفضون قتل أهلهم وشعبهم، وينشقون عن جيش فقد كل معاني الشرف والوطنية والإنسانية، لكنه يبقى من واجبنا التنبيه والتحذير من خطورة هذا الكلام. إذ لا يخفى على أحد أن النظام في سوريا يحاول اللعب على عدة أوتار لإجهاض الثورة الشعبية: ثالوث البطش والطائفية والعسكرة.

يضغط النظام بجيشه وفرقه الأمنية و”شبيحته”، فيقتل بلا هوادة، ويحاول من جهة أخرى إثارة النعرات الطائفية بهدف استفزاز الشعب لحمل السلاح للدفاع عن نفسه، حتى يتمكن من استغلال الحجة التي يرفعها منذ بدء الاحتجاجات دون دليل عليها: المسلحون والمخربون.

يريد النظام أن يصل بالأمور إلى دولة تحارب مسلحين خارجين عن القانون، حتى يتسنى له الاستفراد بالمتظاهرين وإعمال آلات بطشه وقتله أكثر في الشعب بلا حسيب أو معترض، ولا شك أن هذا تعبير عن إفلاسه وقلة حيلته أمام الغضبة الشعبية المباركة لأهلنا في ربوع الشام كلها. لذلك ينبغي التعقل والحكمة والتروي والصبر، فالهبة الشعبية في ازدياد جغرافي وعددي وتأثيرها آخذ في الارتفاع والنمو داخلياً وخارجياً ، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من هز عرش الظالم المرتوي من دماء شعبه.

الصبر والإصرار على شعبية وسلمية التحركات الشعبية الرافضة لحكم بشار الأسد، بغض النظر عن درجة بطشه وسفكه للدماء، إضافة إلى الرفض الحاسم (بشكل لا يدع مجالاً لمتشكك أو متصيد) للتدخل الغربي الخارجي كفيلون بإنجاح الثورة السورية ونيل الشعب السوري حريته ومطالبه.

الشعب أبقى من نظام حاكم  ..  إن لم تصدق فاسألن شآما

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

من منهما يمثل فلسطين؟؟

المقالة التالية

تركيا والاختبار الصعب

المنشورات ذات الصلة