الآن، وبعد أن هدأت “زوبعة” المصافحة في “فنجان” الواقع والمنطق والحقائق، نستطيع أن نضع بعض الكلمات، علها تفيد في مواقف مستقبلية او أحداث مشابهة.
لا شك أننا انتقدنا حادثة مصافحة النائبين عن حركة حماس للمجند الصهيوني وأكدنا أن التفسير لا يكفي بل يحتاج إلى اعتذار واضح لا لبس فيه. وليس ذلك شكاً او تشكيكاً في وطنية النائبين، فهما أعلى من ذلك وأجلّ (النائب أحمد عطون يخوض حرباً ضد إبعاده من القدس، والنائب محمود الرمحي يتنقل من سجن لسجن)، ولكن الاعتذار يسد الباب على المصطادين في الماء العكر، ويحصن ضد أي تطورات أو تنازلات لاحقة من أيٍّ كان.
هذا الموقف المبدئي لا يعني أن نقبل المزايدات والحملة المنظمة التي تعرض لها النائبان الكريمان لتشويه صورتهما وصورة حركتهما المجاهدة، خاصة أن القائمين عليها (الحملة) قد غمرتهم مياه التنسيق الأمني مع الصهاينة من رؤوسهم حتى أخامص أقدامهم، عن سابق تصور وتصميم.
إنَّ رفضَنا للمصافحة من حيث المبدأ لا يعني أبداً أن نضخم حادثاً فردياً على باب سجن في انتظار الإفراج عن نائب آخر من حماس (للمفارقة)، ونجعله “تنسيقاً أمنياً” مع قوات الاحتلال. من أراد التنسيق مع الاحتلال لا ينسق مع جندي صغير على باب سجن أمام كاميرات الصحافة وجموع الفلسطينيين. من يقوم بالتنسيق الامني (الاسم الإعلامي المحسّن للعمالة للاحتلال) يفتخر بذلك على الملأ وأمام الإعلام ويسوقه على أنه مصلحة وطنية وواجب مهني.
لكن الحدث يسلط الضوء على سياسة ينتهجها الكثيرون: تشويه الخصم ومحاولة مساواته بهم. يحاول الخصوم/ الأعداء/ المتنافسون في كثير من الأحداث أي يساووا خصمهم/ عدوهم/ منافسهم بأنفسهم في عين الغير. هم لا يستطيعون الارتقاء بأنفسهم إلى مستواه، فيلجؤون إلى محاولة إنزاله إلى مستواهم، حقيقة ً إن استطاعوا، أو كذباً وافتراءً إن عجزوا.
حاول الكيان الصهيوني ذلك على مدى السنين، وكان أكثر من سعيد في كل عدوان خرج على إثره قرار من المنظمات الدولية المختلفة يدين “العنف المتبادل” أو يدعو “الطرفين” لضبط النفس وعدم التعرض للمدنيين. لأن هذا النوع من القرارات الدولية كان يساوي بين الضحية والجلاد في وسائل الإعلام و- تبعاً لذلك – لدى الرأي العام العالمي.
أيضاً، منذ بداية التحركات الشعبية الاحتجاجية في سوريا دأب النظام على الحديث عن “التسلح” و”الأصوليين” و”المجموعات المسلحة”، حتى أكاد أجزم أنه سمح بتسليح البعض قاصداً (في البدايات) لتحقيق هذا الغرض ودفع – عبر مجازره وفظائعه المختلفة – الناس دفعاً إلى حمل السلاح، حتى وصلنا إلى مرحلة يتكلم فيها خصوم النظام السوري في الساحة الدولية قبل حلفائه عن “طرفي الصراع المسلح” في سوريا. خرج الأمر بذلك عن إطار قمع نظام ما لاحتجاجات شعبية سلمية من مواطني دولته، ليصبح نزاعاً مسلحاً بين فريقين مطالبّيْن بضبط النفس والاتفاق وملامّيْن على الانتهاكات والمجازر التي يقومان بها (وربما يتطور الأمر لاحقاً ليصبح توصيف المشكلة: مجموعات مسلحة قامت ضد نظام الحكم).
وفي الحالة الفلسطينية تحديداً، دأبت بعض الاطراف في السلطة الفلسطينية على تخوين حركة المقاومة السلامية – حماس واتهامها بالعمالة للاحتلال، مستعينين دائماً بقرائن واهية، وكلَّ ما يتمنونه أن يجدوا من يصدقهم أو يلقي لتشكيكهم بالاً. غاية ما يهدفون إليه هو أن يرسخوا في نظر البعض أنه لا فضل لأحد على أحد، وان الكل مستو ٍ في السوء، في محاولة لرفع الحرج عن أنفسهم (إن كانوا يشعرون بالحرج) وتقليل اللوم الموجه لهم. يريدون للناس أن يروا القذى في عين حماس، وينسوا الجذع في أعينهم هم.
قديماً قالوا: من أشبه أباه فما ظلم. ولكنْ يبدو أننا، في ضوء هذه الأحداث نحتاج أن نقول: من أشبه عدوه/ خصمه فقد ظُلِم وظَلَم.