العنوان الذي قرأتموه ليس هتافاً أو شعاراً أو مطلعاً لأغنية شعبية تدعم الإخوان أو تشد من أزرهم وتشجعهم، بل دعوة واضحة ونصيحة صادقة لأقوى التيارات الإسلامية والسياسية في الوطن العربي في “هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا”.
العبارة الأخيرة تحديداً، والتي لطالما استعملت واحتجَّ بها لمنع التغيير أو تأخيره، أو كانت الأنظمة المختلفة (رجاءً لا تقرؤوها المتخلّفة) تتعلل بها لتزيد البطش والتضييق والقمع، آن لها أن تكون الدافع للتغيير الإيجابي المطلوب من الجميع، حكاماً ومحكومين، مواطنين ونخباً، وعلى رأسهم القوى السياسية الفاعلة التي تتقدمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
منذ تأسيسها في عام 1928، عاشت “الحركة الإسلامية الأم” الأوسع انتشاراً والأقوى تأثيراً فترات متعاقبة من المد والجزر، لكنها بقيت في معظم سنيّها محظورة وملاحّقة، ولذلك لطالما اضطرت لرفع الشعار المعروف “جهرية الدعوة وسرية التنظيم”، ولطالما شابَ عملها السياسي وتخطيطها شيءٌ من السرَية والتخوَف والترقب.
في سنوات الضعف والملاحَقة تلك، كانت المحنة والسجن والقتل والتعذيب والتشويه مما يعوّل عليه في رص الصفوف والحفاظ على التنظيم وانضباط العناصر. فترة يرى الكثيرون أنها ولت إلى غير رجعة، مع ثورة ال25 من يناير وما تبعها من تغيرات سياسية يصعب ويتعذر (إن لم نقل يستحيل) على أي أحد أن يعيد الجماعة بعدها إلى تلك الشرنقة مرة أخرى.
الآن، في هذا الجو الجديد من الحرية ومساحات العمل السياسي الرحبة، وفي ظل تغير الكثير من المفاهيم القديمة والقوالب السابقة لدى الشعب والنخب، بات من الملح – برأيي – القيام بثلاثة تغييرات رئيسة:
الأول: الخروج من “نفسية” وفلسفة وطريقة عمل الفترة السرية السابقة وكل تجلياتها، والبدء بسياسة انفتاح حقيقية بذورها موجودة أصلاً وأثبتها الإخوان في غير مرة، والسعي الجدّي – لكن أيضاً الهادئ، الثابت، المتدرج والحذر- لترسيم وتأطير عمل الجماعة بشكل علني وشفاف. أمر كهذا سيكون له مردود جيد، مع عوامل كثيرة أخرى، على تطور عمل الجماعة وإزالة المخاوف والتشويه والتشويش التي كانت ولمدة طويلة عنواناً غير أصيل وغير واقعي لفهم كثيرين للجماعة وعملها.
الثاني: تخفيف حدة المركزية في عمل الجماعة، والاعتماد على العمل اللامركزي والتخصصي، بحيث يكون كل قسم مخولاً ضمن مجال عمله ومفوضاً باتخاذ القرار، ويأتي في إطار ذلك التمييز (وليس الفصل) بين الدعوي والسياسي، والعمل الهادف لاستقلال الحزب عن الجماعة (حسب خطة زمنية متدرجة)، وإراحة “مكتب الإرشاد” من ثقل المسؤوليات المختلفة دعوياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ..الخ. طريقة العمل هذه تفتح آفاقاً أوسع للعمل، وتزيد من فرص النجاح والإبداع.
الثالث: يرتبط بالتغيير الثاني ويتفرع عنه، وهو إشراك أكبر وأكثر لقطاع الشباب في الجماعة، في التفكير والتخطيط، وفي العمل والتنفيذ، وفي المراقبة والمحاسبة. فهذا الشباب الذي أثبت غير مرة حبه الشديد لوطنه، وتفانيه في خدمة الثورة، وسداد رؤيته السياسية، وانضباطه (رغم المطبات السياسية الكثيرة) بقرار جماعته، يستحق أن يكون فاعل الدور في الجماعة على جميع المستويات، فهو يملك الرؤية والإرادة والمصداقية والكفاءة، وقد أثبت جدارته.
لم أكن يوماً مع الدعوات غير البريئة التي كانت تطالب الإخوان بانتخابات جديدة وعاجلة لأطرها القيادية بعد الثورة وإخراج كل ما لديها للعلن، ولكني بالتأكيد لست مع الإبقاء على السياسات الاضطرارية السابقة في الجماعة، فديناميكية العمل السياسي الحالية واتساع نطاق الحريات يضطران كل القوى السياسية والاجتماعية لمجاراتهما، وهنا لربما تكون الجماعة مدعوة قريباً لإعادة النظر في برامجها السياسية ونظامها الداخلي.
الحقيقة الكبرى الماثلة أمامنا اليوم أن جماعة المسلمين بانتشارها الواسع وتنظيمها المتقن وعملها المتفاني، قد حَمَتِ الثورة في مفارق مهمة، لكنها ارتكبت أيضاً أخطاءً سياسية في مفارق مهمة أخرى، وتمثل الآن فرصة لمصر، وللعالم العربي، وللمشروع الإسلامي كي يحققوا نهضتهم المنشودة والتي طال انتظار الشعوب لها، وبذلك تتحمل الجماعة مسؤولية تاريخية، لم يعد هناك مجال لتأجيلها أكثر من هذا.
فهل تعي الجماعة، التي تقود هذه المرحلة الدقيقة الآن في مصر، أهمية وخطورة هذه المرحلة ومفرداتها، فتقوم بمسؤوليتها التاريخية ؟؟ هو سؤال كبير ربما تحتاج الإجابة عليه لسنين طويلة، لكن تبقى النية والجاهزية والعزم إشارات على الطريق، التي كلنا أمل أن تخطوها الجماعة ومعها كل القوى السياسية بكل ثبات وتصميم.