فيما بدا أنه الإنجاز الوحيد لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمنطقة، قدم رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو اعتذاراً لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن هجوم قواته في 31.05.2010 على سفينة مرمرة الزرقاء في عرض البحر، نازلاً عند شروط تركيا لإعادة العلاقات بين البلدين، ومنهياً بذلك فترة القطيعة شبه الكاملة على المستوى الدبلوماسي بين الحليفين السابقين.
في اتصال هاتفي من صالة كبار الزوار في المطار، وقبل مغادرة الرئيس الأمريكي بقليل، اعتذر نتنياهو لنظيره التركي بوضوح عن أي خطأ صدر عن قواته و”ربّما” تسبب في مقتل النشطاء الأتراك التسعة، وتعهد بتعويض عائلات الضحايا، فيما أكد أنه قد رفع الحظر على دخول البضائع إلى غزة والضفة. لكن هذا الاعتذار، مثل غيره من الأحداث السياسية في هذه البقعة الجغرافية من العالم، لم يلفت الأنظارَ بقدر ما فعل التوقيت.
فذلك الاعتذار الذي تأخر ما يقرب من ثلاث سنوات عجاف، أتى اليوم في ختام زيارة أوباما لشريكه الاستيراتيجي، وعلى مشارف مصالحة تركية داخلية تاريخية، وفي ظلال وضع سوري متأزم منفتح على كل الاحتمالات، وبعد نشر بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية – السورية، وبالتزامن مع استقالة الحكومة اللبنانية، واستمرار الحديث عن توجيه ضربة استباقية لإيران.
تلك الأمواج المضطربة في غير بلد مجاور، إضافة للتطورات الداخلية التركية، تجعل التريّب إزاء خطوة نتنياهو المتأخرة سيدَ الموقف. فعلى مشارف نهاية الأزمة السورية، وربما على مقربة من مهاجمة إيران، لا تريد الولايات المتحدة لأكبر حليفين لها في المنطقة أن يكونا على خصام.
لكنه من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الاعتذار ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لعملية طويلة المدى، تشمل الإتفاق على تعويضات عائلات الضحايا، وسحب القضايا المرفوعة على قيادات الجيش “الإسرائيلي”، وإعادة العلاقات الدبلوماسية..الخ. وتلك عملية محفوفة بالمخاطر واحتمالات عدم الإيفاء بالوعود والمفاجآت غير المتوقعة. يضاف إلى ذلك أن الحكومة التركية ستكون أمام امتحان قدرتها على الضغط على هيئة الإغاثة الإنسانية (İ.H.H.) لسحب القضايا التي رفعتها، حيث عبرت المؤسسة الخيرية الكبيرة في مؤتمرها الصحافي عن سعادتها بالاعتذار الذي يمثل من وجهة نظرها “اعترافاً” بالجرم و”دعماً” لموقفها القانوني في تلك القضايا.
ولا يمكننا أن نغفل أن العامل الشعبي سيكون مؤثراً جداً، فعودة العلاقات السياسية بين البلدين لا تعني بالضرورة رضى الشارع، ولنا في الدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع “إسرائيل” وعملية التطبيع المتعثرة هناك خير نموذج. فالدم الذي أسالته المؤسسة العسكرية الصهيونية لا يمكن إزالة آثاره بمجرد الاعتذار والتعويض، حيث يبقى الاتجاه العام لدى الشعب التركي هو عدم الرضى عن الدولة المعتدية ورفض التعاطي معها بطريقة طبيعية. فإذا ما أضفنا إلى ذلك الريبة والشك اللتين ستسودان العلاقات الثنائية بعد سنوات القطيعة، نستطيع أن نقول بشكل واضح أنها (أي العلاقات) لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً بحال من الأحوال.
لذلك كله، ولأسباب أخرى كثيرة، لا يجب المبالغة في توقع إرهاصات ومآلات هذه الخطوة في هذا التوقيت الحساس، فتركيا كانت قد اشترطت شروطاً التزمت بها الآن الدولة المعتدية، فلم يكن أمام تركيا إلا القبول. وبالتالي نستطيع أن نقول أن هذه الخطوة تعتبر انتصاراً معنوياً مهماً (ولو متاخراً) للدبلوماسية التركية وسياساتها الخارجية. خطوة يجب تقييمها بعيداً عن الأحلام الرومانسية وبعيداً عن نظريات المؤامرة، بل في ظل واقعية سياسية تستند إلى المصالح وفن الممكن، في انتظار ما تحمله الأيام من تطورات إثر هذا الاعتذار التاريخي.