منذ الثلاثين من حزيران/يونيو 2013، يتسيد عبد الفتاح السيسي المشهد السياسي المصري ويتفرد به، وتم تضخيم حجمه ودوره وحضوره حتى وصل لحد نسج الأساطير حوله، وقدم للشعب المصري على أنه منقذه وأمل مستقبله القادم. وخلال كل هذه المرحلة تم تلميع الرجل وسُوِّق على أنه مرشح المواطن ذو الشعبية الكاسحة والرئيس القادم لمصر بلا شك وبدون منافس، حتى أن بعض من ألمحوا لإمكانية ترشحهم تعرضوا لحملات إعلامية مدروسة وموجهة اضطرتهم في النهاية إلى التراجع عن الترشح والوقوف خلفه ودعمه.
هكذا، ظهر قائد الانقلاب على أنه قائد المرحلة، ومرشح الجيش، وحبيب الملايين بلا منازع. فهل هو فعلاً الإجابة الوحيدة على كل أسئلة المرحلة الحرجة التي تواجه الثورة والانقلاب؟ وهل هو منذ الآن رئيس مصر مع وقف التنفيذ في انتظار الإعلان الرسمي الشكلي عن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
من نافلة القول أن الرجل قائد المرحلة منذ الانقلاب حتى الآن (على الأقل فيما يبدو)، وتتعاون معه مؤسسات الدولة، ويعمل له الإعلام بشكل واضح، وقدمته المؤسسة العسكرية كمرشح لها في هذه الانتخابات، ولذلك فإن المؤشرات المعلنة والواضحة ترفع كثيراً من إمكانات فوزه حتى من دون تزوير الانتخابات، فما بالنا بعملية انتخابية محددة الطريق موجهة الوسائل والنتائج؟!!
لكن الظروف التي تعيشها مصر منذ الانقلاب، من شارع ثائر، ومظاهرات مستمرة، وأزمات اقتصادية، وفشل حكومي، وظلم مستشر، وفوضى عارمة، وشلل إداري، وغياب الاعتراف الدولي الواضح حتى الآن، وتوقع استمرار ذلك أو حتى استفحاله وتدهوره إثر انتخاب السيسي المتوقع للرئاسة، كل ذلك يجب أن يقودنا إلى السؤال التالي: هل يكون الحل في صباحي وليس السيسي؟ خصوصاً إذا لحظنا أن السيسي ليس الوحيد في “خلفية” المشهد (المخطط والمنفذ للانقلاب) وإن كان الوحيد “أمام” الشاشات؟.
هنا، قد يبدو المرشح صباحي، في لحظة من اللحظات، حلاً لكل هذه المشاكل للأسباب المنطقية والسياقات المتعددة والاحتمالات المختلفة التالية:
أولاً، إن فوز صباحي في الانتخابات سيزيد من احتمالات (إن لم يضمن) الاعتراف الدولي بالنظام السياسي المصري، على اعتبار أن الحياة الديمقراطية تم استئنافها.
ثانياً، إن فوز المرشح “المدني” سيدعم فكرة أن الانقلاب العسكري انتهى، وأن القوى المدنية هي التي تحكم، الأمر الذي سيرفع الحرج عن باقي القوى المدنية والليبرالية ويدعوها لدعمه.
ثالثاً، سيقدم صباحي مقاربة تفيد بانتصار الثورة – باعتباره مرشحها – بما يؤدي إلى ترك بعض قوى الثورة للمظاهرات ومناهضة الانقلاب، بل وربما مشاركتها في المشهد السياسي/الحكومي، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى هدوء أكبر في الشارع.
رابعاً، لا يشكل صباحي شخصية مستقلة يُخشى منها، ولا يعرض مصالح أي طرف للخطر، وسيضمن للقادة العسكريين والأمنيين عدم المحاسبة أو الملاحقة القضائية، بل ربما سيكون دمية بيدهم أكثر من عدلي منصور نفسه.
خامساً، لا يشكل حمدين أي اختلاف جوهري عن السيسي في التوجهات والعناوين الكبرى للمرحلة، فهو يعمل تحت سقف الانقلاب، ومترشح على أساس المحددات السياسية الحالية، وأعلن مثل منافسه عن رفضه عودة الإخوان للمشهد السياسي.
سادساً، لم تتم مهاجمة حمدين بنفس الضراوة التي تمت مع غيره من المرشحين الذين قد يشكلوا فعلاً منافسة حقيقية للسيسي، مثل أبو الفتوح وعنان.
سابعاً، أن من يدير المشهد من قوى دولية وإقليمية قد يفضل المرشح الأضعف لسهولة التحكم به وتوجيهه، وقد يكون الالتفات نحو حمدين في لحظة ما وارداً، خاصة بعد أن بان للعيان طموح السيسي الجامح.
ثامناً، أن السيسي ليس شخصية قيادية، ولم يكن – فيما يبدو لي – “قائد” الانقلاب المخطط له، بل المنفذ لخطوات قد رسمت له.
تاسعاً، أن شعبية السيسي في تدهور مستمر، وسخط الشارع عليه في ازدياد، مما يصعب – من الناحية النظرية – فرص نجاحه بلا تزوير، وقد لا يكون التزوير الفج قرار المرحلة الحالية.
عاشراً، أن فترة بقاء السيسي في قيادة الجيش لم تكن كافية له ليمسك بكل الأوراق، في ظل التكهنات المنطقية بوجود تيارات أو مجموعات ليست بالضرورة منسجمة ومتفاهمة داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولذلك فتعيينه لأصهاره ومن يثق بهم في المراكز الحساسة (المخابرات الحربية ورئاسة الأركان) ليست بالضرورة تعبيراً عن قدرته على التحكم، بل ربما تكون إشارة على خوفه وقلقه من أي تحركات ضده في الفترة المقبلة.
أحد عشر، ليس الظهور الإعلامي المتكرر للسيسي بالضرورة تلميعاً له، بل ربما يكون “حرقاً” لورقته أمام الكاميرات، سيما وأن أداءه سيء ومليء بالأخطاء الماثلة للعيان، وما لقاؤه بابراهيم عيسى ولميس الحديدي عنا ببعيد.
لهذه الأسباب والسياقات والاحتمالات كلها، ورغم أن فوز السيسي ما زال هو المرجح بنسبة طاغية، إلا أننا يجب ألا نغفل أن حمدين ورقة أخرى من داخل نفس المنظومة، وقد يتم اللجوء إليها، بل ربما يشكل صباحي بالنسبة لمنظومة الانقلاب المحلية والإقليمية والدولية خياراً أفضل وأهدأ للفترة المقبلة. ليس هذا مبالغة وغوصاً في نظرية المؤامرة، لكنه محاولة لتلمس خيار استخباراتي وارد وورقة احتياطية قد يُحتاج إليها.
وبناءً على ذلك، ورغم قناعتنا ودعواتنا الدائمة لفهم التقاطعات والتناقضات في تفاصيل المشهد السياسي لاقتناصها والاستفادة منها، فإنه من الأهمية بمكان أن نشير إلى خطورة النظر إلى حمدين صباحي كخيار مسقط للانقلاب أو إلى دعمه كمناورة سياسية مفيدة، فضلاً عن أن يعتبر البعض فوزه – بنجاح مستحق أو تزوير متعمد – نصراً للثورة المصرية.