عام حافل في انتظار الاقتصاد التركي

تبدو نهاية كل عام فرصة مناسبة للقيام بمراجعات وتقييمات للإنجازات والإخفاقات في العام الذي سلف، واستشراف العام الوليد بما يحمله من فرص تساهم في تحقيق الخطة الموضوعة، وينطبق ذلك على الأفراد كما ينطبق على المؤسسات والدول. في تركيا، تحتل الأجندة الاقتصادية المنتظرة في عام 2015 حيزاً مهماً من حديث وسائل الإعلام والمحللين السياسيين والاقتصاديين.

ومن المهم الإشارة إلى أن الاقتصاد هو أحد الدعامات الأساسية في التجربة التركية الماثلة منذ 2002 مع العدالة والتنمية، الذي لا ينفك يذكر بإنجازاته الاقتصادية، وعلى رأسها رفع الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد 3 أضعاف، إضافة إلى خفض سعر الفائدة على القروض من مستوى %62.7 إلى حدود %7.5 خلال 12 عاماً فقط، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الواضحة.

كما أن عام 2014 لم يكن عاماً سيئاً لتركيا، فرغم مجيئه عقب أزمة سياسية كبيرة (ملف ادعاءات الفساد)، وشهوده مناسبتين انتخابيتين (الانتخابات المحلية ثم الرئاسية) بما يمثله ذلك من مخاوف الاستقرار وتحفظ رأس المال، ورغم الأزمات المتعاقبة والمتدحرجة على الحدود في كل من سوريا والعراق، فقد أظهرت أرقام الربع الأخير من العام نتائج جيدة يهمنا منها في هذا السياق اثنتان:

الأولى هي تحقيق الاقتصاد التركي في 2014 نسبة نمو %4  – وفق تقرير مركز سيتا للأبحاث – في استمرار لوتيرة النمو المستمرة منذ 2009 (على مدى عشرين تقرير ربع سنوي)، وهي وإن كانت أقل من “المرجو” لكنها كانت أعلى من “المخطط له” ضمن الخطة متوسطة الأجل التي وضعتها الحكومة. والثانية عبارة عن رقم قياسي جديد في الصادرات التي ازدادت بنسبة 4.09% لتصل إلى 157 مليار و762 مليون دولار، وفق أرقام وزارة التجارة والجمارك.

ومن المنتظر أن يكون العام 2015 حافلاً ومزدحماً في تركيا فيما يتعلق بالملف الاقتصادي لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها ترؤس تركيا لمجموعة “العشرين” الاقتصادية واستضافتها لقمتها خلال هذا العام.

وتكمن أهمية هذه الخطوة في الثقل النوعي الذي تمثله “مجموعة العشرين” وهي أكبر منبر اقتصادي في العالم يمثل %80 من حجم التجارة العالمية وحوالي ثلثي سكان العالم، حيث يضم 19 دولة من أكبر اقتصادات العالم إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، كما يحمل في طياته توجهاً للتمدد خارج حدود المشاكل الاقتصادية لمناقشة المشاكل السياسية والاجتماعية العالمية.

وتعبيراً عن تصاعد أهمية ومحورية هذا المنبر، فقد بدأت اجتماعات القمة فيها تنظم على مستوى رؤساء الدول منذ عام 2008، وباتت قمته السنوية محط أنظار العالم، وعليه فاستضافة تركيا لقمة العام 2015 (في تشرين ثاني/نوفمبر أو كانون أول/ديسمبر) يعطيها فرصاً أفضل في التأثير في اتجاهات الاقتصاد العالمي، إضافة لما يمثله من فوائد مادية (اقتصادية) ومعنوية (بريستيج) لها ولدورها.

فعلى هامش القمة وأعمال المجموعة، ستكون تركيا محط الأنظار ومحجاً لرؤساء هذه الدول وممثلي المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، ويتوقع أن تستضيف أنقرة على هامشها 150 اجتماعاً ومؤتمراً وندوة في جميع المجالات (وليس فقط الاقتصاد)، وهو ما سينعكس بالتأكيد على الاقتصاد التركي، إضافة لمحاولات تركيا الاستفادة منه في مجالات أخرى لها علاقة بالمشاكل الإقليمية والعالمية والنظام الدولي الحالي.

وإلى جانب استعداد المؤسسات الاقتصادية التركية – مثل اتحاد رجال الأعمال والمصنعين الأتراك (توسياد)، واتحاد رجال الأعمال والمصنعين المستقلين (الموسياد)، واتحاد الغرف والبورصات التركية، ومؤسسة العلاقات الاقتصادية الخارجية – للعام المنتظر، فإن الحكومة التركية أيضاً تسعى لأفضل استثمار للعام الحَدَث. ولذلك فإنها ستجعل من العام 2015 محطة لإطلاق الحزمة الثالثة من التعديلات الاقتصادية ضمن خطة استراتيجية تتضمن – وفق المصادر الحكومية – “1500 خطة إجرائية في 25 عنواناً أو موضوعاً مختلفاً، وتنسق بين 35 وزارة ومؤسسة أو منظمة ذات علاقة”، وتهدف إلى “زيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على الاستيراد وزيادة الادخار وضبط النفقات الحكومية وتأسيس يد عاملة نوعية وتطوير المنتجات التقنية وزيادة فاعلية الطاقة” وغيرها من الأهداف.

وإضافة إلى هذه الفرصة الاستثنائية التي تسعى تركيا للاستفادة منها للحد الأقصى وخصوصاً في جذب الاستثمارات الخارجية، فإن العام 2015 قد يحمل للأخيرة  أخباراً جيدة في مجال الطاقة أيضاً. فعلى هامش الخلاف بين روسيا  والاتحاد الأوروبي بسبب الملف الأوكراني، يبدو أن الدب الروسي – بحثاً عن البديل أو ضغطاً على الغرب – يتجه لتعميق التعاون في مجال الطاقة مع تركيا، عبر إعلانه عن وقف “ساوث ستريم” لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا واقتراح ما أسماه مشروع “تيركيش ستريم” عبر وصلة جديدة يتوقع – وفق موقع شركة جازبروم الروسية – أن تنقل 14 مليار متر مكعب سنوياً إلى السوق التركية و49 مليار متر مكعب أخرى إلى أوروبا عبر محور جديد على الحدود التركية اليونانية، بعد اتفاق مبدئي بين بوتين واردوغان تم على هامش زيارته الأخيرة لتركيا.

وتعتبر هذه  – إن تمت – فرصة ذهبية أخرى لتركيا التي تعتمد في مجال الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) على الاستيراد من الخارج بشكل كبير جداً، والتي تبيع رغم ذلك الغاز الطبيعي للمواطن بأقل من تكلفة استيراده عليها (ثاني أرخص غاز بين دول الاتحاد الأوروبي بعد رومانيا)، والتي تسعى لدور أكبر من مجرد “ممر” للطاقة، حيث تريد أن تصبح “مركزاً للطاقة” في المنطقة، حسب تعبير وزير الطاقة تانر يلدز.

ودون الغوص في ملفات أخرى مثل السياحة والمواصلات والعمران وغيرها، إلا أن هذه التطورات والأجندة المنتظرة تظهر بوضوح أن عام 2015 يمكن أن يحمل الكثير لتركيا، التي تضع اقتصادها كأحد أهم معايير “تركيا الجديدة” التي يبشر بها الحزب الحاكم ويعد بها جمهور ناخبيه والشعبَ التركي بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، حيث يبرز “الاقتصاد العاشر عالمياً” كهدف واضح وعالي السقف ضمن هذه الرؤية، ويبدو أن 2015 ستكون إحدى محطاته.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

قراءة في خطاب اردوغان في مؤتمر الموصياد

المقالة التالية

الانتحار والإلحاد والعنف .. ثلاثية مترابطة

المنشورات ذات الصلة