العدالة والتنمية: ماذا بقي وماذا تغير منذ التأسيس؟
الجزيرة نت
3/9/2023
احتفل حزب العدالة والتنمية التركي قبل أيام بذكرى تأسيسه الثانية والعشرين، وقد كانت الاحتفالية فرصة لتقييم ما مضى من سنوات حكمه لتركيا والنظر للمستقبل ولا سيما الانتخابات المحلية المقبلة. بيد أنه من المهم النظر في مسيرة الحزب نفسه وما طرأ عليها وعليه من متغيرات منذ لحظة التأسيس وحتى اليوم.
ظاهرة سياسية
تأسس حزب العدالة والتنمية في الـ 14 من آب/أغسطس 2001، وفاز في أول انتخابات تشريعية يخوضها في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، واستمر في حكم تركيا حتى اللحظة وفق النظام البرلماني السابق ثم الرئاسي الذي بدأ تطبيقه في 2018، وهو بهذا المعنى استثناء وظاهرة سياسية لم تشهدها الجمهورية التركية قبلاً.
في كلمته خلال الفعالية، قال الرئيس التركي ورئيس الحزب رجب طيب أردوغان إن العدالة والتنمية “كان شمساً أشرقت على تركيا” في 2001 بعد عهد من الظلام واليأس، وبات أملاً للشعب التركي الذي خرج من صفوفه. وعدّد الرئيس التركي إنجازات الحزب في مختلف المجالات وفي مقدمتها الانتصارات الانتخابية، فقد فاز الحزب بـ 17 مناسبة انتخابية متتالية ما بين تشريعية ورئاسية ومحلية واستفتاء شعبي دون أن يخسر استحقاقاً واحداً منها، رغم التذبذب في مستوى تأييده أحياناً والتراجع مؤخراً.
كما ذكّر أردوغان بالمحطات الصعبة والتحديات التي مر بها الحزب، وخصوصاً محاولات حظره وإسقاطه مثل الاحتجاجات على ترشيح عبد الله غل للرئاسة وإنذار المؤسسة العسكرية أو ما سمي بالانقلاب الالكتروني في 2007، وقضية حظر الحزب في 2008، ومظاهرات حديقة جزي ثم ما سمي بالانقلاب القضائي من جماعة كولن في 2013، وصولاً للانقلاب الدموي الفاشل في 2016، وما بينها وبعدها من تحديات اقتصادية وغيرها.
وبتأكيده على أهمية الفوز في الانتخابات الأخيرة، جدد أردوغان انتقاد المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري، مؤكداً على عزم حزبه على تأسيس “قرن تركيا” في مختلف المجالات، وعلى أهمية الانتخابات المحلية المقبلة كإحدى محطات هذا التأسيس.
شكل حزب العدالة والتنمية ظاهرة فريدة في الحياة السياسية التركية وترك عليها بصمته وصبغها بصبغته على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ليس فقط لأنه فاز في الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها – على أهميتها – ولكن أيضاً بالإنجازات والإصلاحات والتغييرات التي أحدثها.
فقد أعاد الحزب التوازن للحياة السياسية التركية وألغى أو خفف الكثير من المظالم، وتعامل مع العديد من الملفات الشائكة وفككها، وحطم نظم الوصاية التي كانت قائمة قبله على الحياة السياسية. فخلال مدد حكمه المتتالية، وخصوصاً على المدى المتوسط، ألغى الحزب حظر الحجاب في البلاد، وأعاد التوازن للعلاقات المدنية – العسكرية بعدما قلل من تدخل الجيش في الحياة السياسية وعمل الحكومة، وحقق خطوات مهمة في المسألة الكردية وخاض عملية تسوية مع حزب العمال الكردستاني لم تصل لنهايتها.
داخلياً، نفذ الحزب عدداً من الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسية، وعزز عوامل القوة الذاتية لتركيا وفي مقدمتها القوة العسكرية حيث تميزت الأخيرة في العقدين الأخيرين بنجاح بارز في مجال الصناعات الدفاعية ودخلت نادي الدول المصدرة للسلاح وخصوصاً الطائرات بدون طيار التي أضحت علامة مسجلة لها.
وفي السياسة الخارجية جعل الحزب تركيا دولة ذات مكانة في الإقليم والعالم، تلعب أدواراً مهمة وذات نفوذ ملموس في عدة قضايا ومناطق ونزاعات، من سوريا للعراق ومن قبرص لليبيا ومن شرق المتوسط للبحر الأسود ومن حرب جنوب القوقاز للحرب الروسية – الأوكرانية. وقد سعت تركيا تحت حكمه وبقيادة أردوغان لسياسة خارجية مستقلة ومتوازنة قدر الإمكان وإن تعذر ذلك أحياناً.
متغيرات
مر حزب العدالة والتنمية عبر هذه المسيرة الطويلة بمحطات مختلفة وواجه تحديات متنوعة وأزمات عديدة، ورغم ذلك استمر في البقاء في سدة الحكم في البلاد، لا سيما في غياب معارضة حقيقية وقوية تنافسه. على مدى الـ 22 سنة من تأسيسه، مر الحزب في عدة متغيرات وتطورات وتحولات بدّلت الكثير بخصوصه بالمقارنة مع البدايات وسنواته الأولى. بعض منتقدي الحزب يتندرون بأن مستوى التغييرات كبير جداً في الحزب لدرجة أن ما بقي منه اليوم اسمه من جهة ورئيسه أردوغان من جهة ثانية، لا سيما في ظل غياب و/أو تغييب عدد كبير جداً من الأسماء الكبيرة والقيادية والمؤسِّسة للحزب عن المشهد الحالي بما في ذلك قيادات باتت خارجه وأسست أحزاباً تعارضه.
فعلى مستوى الأفكار والرؤى، انتقل الحزب خلال هذه السنوات في عدة مراحل حيث بدأ كحزب إصلاحي خدماتي هدفه الرئيس لتركيا إنقاذ الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، لينتقل عام 2011 إلى الحديث عن الأمة والجغرافيا العثمانية مركزاً على المنطقة ونظامها الإقليمي المستجد بعد الثورات العربية، ثم ليتحول إلى خطاب “الوطني والمحلي” ما بعد الانقلاب الفاشل في 2016.
وعلى صعيد الخطاب والسياسات، تحول الحزب جزئياً من هويته كحزب إصلاحي وديمقراطي محافظ ليقترب من حدود الأحزاب اليمينية القومية، متأثراً بتحالفه مع حزب الحركة القومية، وتنامي التيار القومي في البلاد عموماً ورغبته في كسب أصواته، والأزمات الداخلية والخارجية التي تعرض وتعرضت لها تركيا، وتعزز التيار القومي داخله هو كذلك.
يمتدح أنصار الحزب ما يرون أنه قدرة فائقة منه على التكيف مع الأوضاع المتغيرة في داخل تركيا وخارجها وهو ما ساعده على البقاء في الحكم طول هذه المدة، بينما يرى منتقدوه أنه يبالغ في البراغماتية لدرجة أنه يقوم بتغييرات جذرية وقفزات غير متوقعة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الخارجية وغيرها من المجالات.
ولكن في كل الأحوال، يمكن القول إن العدالة والتنمية 2023 يختلف بشكل واضح وملحوظ ومن عدة زوايا عن العدالة والتنمية 2001. فقد بات الحزب في السنوات الأخيرة حزباً حاكماً بالمعنى التقليدي، بما في ذلك تراجع أجندته الإصلاحية لصالح سياسات تثبيت الأمر الواقع، واقترابه كثيراً من تصورات الدولة التقليدية في عدد من الملفات ولا سيما ما يرتبط بالأمن القومي والقضية القبرصية والمسألة الكردية وغير ذلك.
أحد أهم المتغيرات الحاصلة لحزب العدالة والتنمية هي تراجع شعبيته وتأييد الشارع له في السنوات الأخيرة، فقد تراجع في انتخابات 2018 التشريعية نسبة %7.5 من الأصوات عن انتخابات 2015، وكذلك %7 في انتخابات 2023 عن انتخابات 2018. وهو تراجع لا شك أن من بين أهم أسبابه ما يعتري الأحزاب التي تمكث طويلاً في الحكم من مشاكل كالترهل وتراجع وتيرة الإنجاز، ولكن أيضاً لتحفظ شريحة من مؤيديه السابقين على بعض أفكاره وخطابه وسياساته وتحالفاته بما في ذلك تراجع أدائه بخصوص شعار التأسيس وهو “محاربة الفقر والفساد والحظر”.
يستعد حزب العدالة والتنمية لمؤتمر عام استثنائي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، والذي سيكون بدوره محطة إعدادية للانتخابات المحلية المقبلة في آذار/مارس 2024. لكن المستقبل على المدى المتوسط سيكون على رأس جدول أعمال الحزب وقيادته فيما بعد الانتخابات، ذلك أنها المدة الرئاسية الأخيرة لأردوغان حتى عام 2028، ما يعني أن السؤال الذي سيكون الأكثر إلحاحاً عليه هو من سيخلف أردوغان في رئاسة الحزب والمسيرة السياسية في البلاد، لكننا وفي ظل ما سبق تفصيله نعتقد أن التحدي الأكبر أصلاً سيكون مصير الحزب ما بعد أردوغان، من حيث القوة والحضور وكذلك الوحدة والتماسك والاستمرارية.