ما تأثير التسريبات المحتملة لزعيم المعارضة التركية على الانتخابات؟

ما تأثير التسريبات المحتملة لزعيم المعارضة التركية على الانتخابات؟

نون بوست

مع اقتراب موعد الاقتراع في الانتخابات الأعمق استقطابًا والأصعب فرصًا والموصوفة بالحاسمة والمصيرية في تركيا، يمكن أن يكون أي خطأ أو زلة كبيرة أمرًا يصعب تداركه وتعويضه، وفي ظل تقارب الفرص بين التحالفين الرئيسين يصبح استثمار أخطاء الطرف الآخر فرصة لا تعوض.

من هذه الزاوية حظيت تصريحات المسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان في الأيام الأخيرة بشأن تسريبات محتملة لتحالف الشعب المعارض ومرشحه للرئاسة كمال كليجدار أوغلو بأهمية كبيرة وباتت أحد العناوين البارزة في التداول السياسي والإعلامي بالبلاد.

في تغريدة مطولة، قال الرئيس التركي “قد بدأ يتكشف ما يفعله كمال (كليجدارأوغلو) مع من، وما وعد به قتلة الأطفال، وما تعهد به لسفراء أوروبيين”، قبل ذلك بساعات كان وزير الداخلية سليمان صويلو يؤكد في برنامج تليفزيوني أن الطاولة السداسية المعارضة (تحالف الشعب) أرسلت وفدًا رسميًا باتفاقها المكتوب المشترك بعد توقيعه من رؤساء الأحزاب الست إلى سفير إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وأنه استمع لتسجيل صوتي بذلك.

كليجدار أوغلو، من جهته، كان قد حذر سابقًا وأعاد التحذير من أن الحكومة ستستهدفه في الأيام العشر الأخيرة قبل يوم الاقتراع بتسريبات مفبركة بطريقة Deep Fake لتؤثر على فرصه في الفوز، كما أن الرئيس التشاركي الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي “الكردي” صلاح الدين دميرطاش غرد من سجنه داعيًا إلى “عدم تصديق أو تداول أي تسجيلات أو تسريبات منسوبة للسيد كمال”.

درجة تداول المعارضة لموضوع التسريبات المحتملة منحها مصداقية كبيرة، ويتعامل الكثيرون على أنها حدث مرتقب، وبات النقاش يدور حول ماهية التسريبات التي ستصدر وليس ما إذا كانت ستنشر أصلًا، لا سيما أنه لم يصدر عن كليجدار أوغلو أو أحد قيادات حزبه وتحالفه تكذيب أو تعليق مباشر على ادعاء وزير الداخلية.

ثمة احتمالات ثلاث رئيسة للتسجيلات المفترضة، قد تكون إحداها أو اثنين منها أو كلها معًا، أولها أن تكون تتعلق بالساعات الثمانية التي اختفى فيها كليجدار أوغلو عن أعين الصحافة عند زيارته مؤخرًا للولايات المتحدة الأمريكية، التي أوحت مصادر مقربة من الحكومة أنه قد يكون التقى خلالها زعيم التنظيم الموازي فتح الله كولن أو شخصيات أمريكية بخصوص الانتخابات.

الاحتمال الثاني أن تكون التسجيلات مرتبطة بلقاءات مع سفراء دول أوروبية، واحدة أو أكثر، لاطلاعهم على مستجدات نقاشات الطاولة السداسية المعارضة وتفاهماتها، بما يوحي بتدخل خارجي مباشر في العملية الانتخابية الداخلية من زاوية دعم المعارضة.

والاحتمال الثالث أن يكون الأمر مرتبطًا بتعهدات قدمها كليجدار أوغلو لحزب الشعوب الديمقراطي لضمان تأييده له في الانتخابات المقبلة، لا سيما إذا كانت تتعلق بحزب العمال وزعيمه المعتقل عبد الله أوجلان.

وعليه، فإن الأسئلة المطروحة ليست فقط ما هي التسجيلات، لكن كذلك من سينشرها ومتى، فضلًا عن مدى تأثيرها في نتائج الانتخابات المقبلة.

ليس من المتوقع أن تنشر الحكومة أو حزب العدالة والتنمية التسجيلات المفترضة بشكل رسمي، إذ يمكن أن تكون الارتدادات سلبية، فضلًا عن طرح أسئلة عن كيفية التسجيل والجهة التي قامت به، لذلك، يمكن أن تنشر التسجيلات في الإعلام عبر وسائط وأسماء غير معروفة، لا سيما إذا كان فيها ما يقدح بالمرشح المعارض ويؤثر في فرصه بالفوز، مثل تهديد السيادة الوطنية أو الاستقواء بالخارج أو التنسيق مع العمال الكردستاني، فأوائل من يمكن أن يتأثروا بها كوادر وأنصار الحزب الجيد حليف كليجدار أوغلو والشعب الجمهوري والحزب الثاني من حيث الحجم والتأثير في تحالف الشعب المعارض (الطاولة السداسية).

حتى كتابة هذه السطور، يمكننا القول إن احتمالية نشر التسريبات المشار لها ليست مرتفعة، وإن الهدف منها في المرحلة الحاليّة ممارسة الضغط على كليجدار أوغلو والتحالف المعارض وحشرهما في موقف دفاعي خلال الأيام القليلة المتبقية على الحملة الانتخابية.

أما سؤال التوقيت فمن الصعب الجزم به بالنظر لما سبق تفصيله، لكن إن كانت هذه التسريبات ستجد طريقها للنشر فربما كانت الأيام والساعات الأخيرة قبل يوم الاقتراع خيارًا مرجحًا، إذ ستضيق المساحة الزمنية المتاحة للرد والتفنيد بالنسبة لكليجدار أوغلو وسيكون تأثيرها على حظوظه الانتخابية كبيرًا، لا سيما إذا كانت الاتهامات كبيرة ومصداقية التسريبات عالية.

أما الاحتمال الثاني فهو الفترة الزمنية بين الجولة الأولى وجولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في حال لم تحسم الأخيرة في الجولة الأولى الاعتيادية، فجولة الإعادة ستكون أصعب بكثير من الأولى وستكون محكومة بعوامل عديدة من الصعب التحكم بها جميعها.

أما احتمالية نشرها مباشرة الآن فمتعلقة بتقدير سلبي للرئاسة و/أو الحزب الحاكم لفرص الفوز في الانتخابات المقبلة، وهو ما لا تبدو عليها مؤشرات قوية حتى لحظة كتابة هذه السطور، فرغم ضبابية الموقف وصعوبة الجزم بالنتائج، فإن فرص أردوغان – وبدرجة أقل العدالة والتنمية – أفضل اليوم مما كانت عليه قبل انطلاق الحملة الانتخابية بزخمها الكبير.

أما تأثير التسجيلات حال وجدت طريقها للنشر، فمحكوم إلى حد كبير بمضمونها ومدى مصداقيتها وتوقيت نشرها وردات الفعل الأولية عليها ومدى قدرة الطرف الآخر على تفنيدها، لكن يمكن القول بشكل مبدئي إن فكرة التواصل مع سفارات أوروبية ستكون محدودة التأثير على فرص كليجدار أوغلو، بينما يمكن لأي لقاء أو تعهدات تتعلق بالعمال الكردستاني أن يكون لها تأثير مباشر وملموس على فرص الأخير لارتباطها بالأمن القومي التركي بشكل مباشر وحساسية شرائح في الشعب التركي للأمر وفي مقدمته الشريحة القومية التي يعوّل الرجل على مساندتها وأصواتها.

وعليه، سيبقى الجميع متيقظًا ومترقبًا لهذه الاحتمالية حتى يوم الاقتراع، ثم يوم الإعادة إن كانت هناك جولة إعادة، وسيبقى الأمر متداولًا في الأوساط السياسية والإعلامية، لا سيما على ألسنة الرئيس التركي وقيادات حزبه وتحالف الجمهور الحاكم خلال الأيام المتبقية على الحملة الانتخابية.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

هل تعود تركيا للنظام البرلماني بعد الانتخابات؟

المقالة التالية

القضية الفلسطينية في الانتخابات التركية المقبلة

المنشورات ذات الصلة