ورقة: الانتخابات التركية: تحالفات الضرورة في مواجهة حاسمة

ورقة: الانتخابات التركية: تحالفات الضرورة في مواجهة حاسمة

المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات1/5/2023

 

مقدمة

تشكل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في تركيا في 14 أيار/ مايو 2023 التحدي الأصعب الذي يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية منذ تأسيسه. وبسبب حالة الاستقطاب القائمة في البلاد، فقد تحول الاستحقاق إلى ما يشبه الاستفتاء على أردوغان والنظام الرئاسي المطبق في البلاد؛ إذ تعِدُ المعارضة بإعادة البلاد إلى النظام البرلماني في حال فوزها. وقد فرضت الأوضاع الداخلية في البلاد، وقانون الانتخاب، وتقارب الحظوظ بين المتنافسين، تحالفات انتخابية أكثر وضوحًا من سابقتها.

تبحث هذه الورقة في خريطة التنافس في الانتخابات التركية، سواء بين المرشحين الرئاسيين أو الأحزاب السياسية التي انخرط معظمها في شبكة تحالفات فرضها تعديل قانون الانتخاب عام 2022، وكذلك حالة التنافس القائمة. وتناقش الورقة العوامل المؤثرة في التصويت ومدى مساهمتها في بلورة النتائج المتوقعة، والآليات المتبعة لتجييرها من جانب المتنافسين، وخصوصًا تحالف “الجمهور” الحاكم ومرشحه أردوغان وتحالف “الأمة” المعارض ومرشحه كليجدار أوغلو[1].

وتجادل الورقة بصعوبة الجزم بنتائج الانتخابات على صعيد الرئاسة والبرلمان على حد سواء، وتتوقع عدم حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وتقول بعدم إمكانية الثقة باستطلاعات الرأي في هذا الإطار؛ ما يضفي على الحملة الانتخابية خلال الفترة المتبقية حتى يوم الاقتراع أهمية إضافية في كسب الناخبين.

أهمية الانتخابات القادمة

خاض حزب العدالة والتنمية، منذ تأسيسه عام 2001، ست عشرة منافسة انتخابية بقيادة رجب طيب أردوغان، فاز فيها جميعًا بدرجات متفاوتة، ما بين انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية/ محلية واستفتاءات شعبية على تعديلات دستورية (علمًا أن حزب العدالة والتنمية خسر بلديات مدن كبرى في انتخابات عام 2019 بما فيها إسطنبول وأنقرة). لكن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة مختلفة عن سابقاتها، وهي الأصعب على الحزب ورئيسه.

في 14 أيار/ مايو 2023، سيتوجه زهاء 61 مليون ناخب إلى أكثر من 190 ألف صندوق اقتراع في 86 دائرة انتخابية داخل تركيا، وسيكون سبقهم (بدءًا من 27 نيسان/ أبريل 2023) نحو 3.25 ملايين ناخب إلى زهاء 5 آلاف صندوق خارج البلاد[2]، لاختيار رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان الـبالغ عددهم 600.

يتنافس في الانتخابات الرئاسية 4 مرشحين هم رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية ومرشح تحالف الجمهور الحاكم، وكمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الأمة المعارض، ومحرم إينجه رئيس حزب البلد ومرشحه، وسنان أوغان مرشح تحالف “أتا” أو الأجداد اليميني المعادي للاجئين. كما أقرت الهيئة العليا للانتخابات مشاركة 36 حزبًا سياسيًا في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يتراجع العدد، مع انسحاب بعضها، إلى 24[3]؛ توزع معظمها على خمسة تحالفات رئيسة تدعمها بعض الأحزاب الأخرى من دون الانتساب إليها رسميًا، مع بقاء بعض الأحزاب خارج منظومة التحالفات بالكامل وفي مقدمتها حزب البلد المنشق عن حزب الشعب الجمهوري. وفي 9 نيسان/ أبريل 2023، قدّمت الأحزاب السياسية قوائم بمرشحيها للانتخابات البرلمانية للهيئة العليا للانتخابات، والتي أعلن عن صيغتها الرسمية النهائية في 19 نيسان/ أبريل.

فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2014 أمام المرشح التوافقي لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، أكمل الدين إحسان أوغلو، من الجولة الأولى، وفاز في الانتخابات الرئاسية عام 2018 أمام عدد من مرشحي المعارضة من الجولة الأولى كذلك. لكن الانتخابات المقبلة تبدو أصعب، ولا يُرجّح أن يحسمها أردوغان في جولتها الأولى. تحمل هذه الانتخابات رمزية كبيرة؛ لتزامنها مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وحديث بعض الأوساط المحسوبة على حزب العدالة والتنمية عن “الجمهورية الثانية”، مقابل سعي حزب الشعب الجمهوري والمعارضة للعودة إلى السلطة.

أبعد من الرمزية، تبدو الانتخابات المقبلة بمنزلة استفتاء على النظام الرئاسي المطبق في البلاد؛ فهي الانتخابات الثانية منذ سريانه. وهي كذلك استفتاء ضمني على حكم حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان المستمر منذ عقدين، وفي ظل حالة استقطاب غير مسبوقة.

وتأتي هذه الانتخابات في ظل أوضاع اقتصادية متراجعة؛ بفعل تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والحرب الروسية – الأوكرانية وغيرها من العوامل التي فاقمت من المشكلات البنيوية في الاقتصاد التركي[4]. وتأتي أيضًا بعد زلزال مدمر ضرب جنوب البلاد، وتسبب في وفاة أكثر من خمسين ألف شخص[5] وخسائر اقتصادية قدرت بعشرات مليارات الدولارات وتأثر بها ملايين المواطنين[6].

الأهم أن الانتخابات المقبلة سوف تجرى في ظل منظومة تحالفات مختلفة هذه المرة وشاملة لأهم الأحزاب المعروفة، ويواجه حزب العدالة والتنمية لأول مرة أحزابًا تشبهه سياسيًا وفكريًا وأيديولوجيًا ويرأسها قيادات سابقة فيه وفي حكوماته، ونعني تحديدًا حزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء ورئيس الحزب الأسبق أحمد داود أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان.

خريطة التحالفات

يخوض الانتخابات البرلمانية 24 حزبًا سياسيًا، وينتظم معظم هذه الأحزاب في خمسة تحالفات رئيسة. يضم تحالف الجمهور الحاكم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه الجديد، وتدعمه بعض الأحزاب من خارجه. ويضم تحالف الأمة المعارض أحزاب الطاولة السداسية، وهي الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطية والتقدم، والمستقبل، والديمقراطي. ويضم تحالف العمل والحرية أحزابًا يسارية يقودها حزب الشعوب الديمقراطي. ويضم تحالف “أتا” أو الأجداد أحزابًا يمينية يقودها حزب النصر المعادي للاجئين. في حين يضم تحالف اتحاد القوى الاشتراكية بعض الأحزاب اليسارية والاشتراكية.

تشكّل التحالفات الانتخابية أحد أهم معالم الانتخابات المقبلة، وأحد أكثر العوامل تأثيرًا في نتائجها المتوقعة. بيد أن تعديل قانون الانتخاب في عام 2022 قلل من فائدة التحالفات بالنسبة إلى الأحزاب الأضعف حضورًا (الأحزاب الصغيرة). فرغم أن التعديل خفض العتبة الانتخابية المطلوبة من الأحزاب و/ أو التحالفات لدخول البرلمان من 10 إلى 7 في المئة من مجمل الأصوات في تركيا، فإن حساب الفائزين في كل دائرة انتخابية لكل حزب على حدة وليس ضمن تحالف جعل استفادة الأحزاب الصغيرة في حدها الأدنى[7].

لهذا السبب، فضلت الأحزاب الأربعة الأصغر في تحالف الأمة عدم الترشح بصفة مستقلة، واختارت أن تقدم مرشحيها في قائمة مشتركة تحت اسم الشعب الجمهوري وشعاره؛ رغبة في تجنب تشتت الأصوات لكسب أكبر عدد ممكن من النواب[8]. كما أن الحزبين الأكبر في التحالف، الشعب الجمهوري والجيد، اتفقا على آلية تنسيق بينهما في زهاء 16 محافظة بحيث يدعم الأضعف منهما مرشحي الأقوى في كل محافظة من دون أن يقدم قائمة مرشحين له فيها[9].

وفي حين قدمت التحالفات الأخرى قوائم مشتركة كذلك، لم تتفق أحزاب تحالف الجمهور على قائمة مشتركة، بل تقدمت بقوائم منفردة لكل منها، باستثناء حزب العدالة والتنمية الذي قدم على لوائحه سبعة مرشحين من حزبي الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي اللذين أعلنا عن دعمهما لأردوغان من دون الانضمام إلى التحالف[10].

على صعيد الانتخابات الرئاسية، تدور المنافسة الأشرس بين أردوغان مرشح تحالف الجمهور وكليجدار أوغلو مرشح تحالف الأمة، بينما يملك إينجه مرشح حزب البلد وأوغان مرشح تحالف أتا فرصًا أقل بحسب أحجام الأحزاب التي تدعمهما واستطلاعات الرأي التي أجريت.

العوامل المؤثرة في الانتخابات

تعدُّ الأيديولوجيا مدخلًا مهمًا لفهم توجهات الناخبين الأتراك؛ ذلك أن معظم الأحزاب السياسية في البلاد هي أحزاب مؤدلجة تمتلك قواعد صلبة في المقام الأول، وهو ما يشجع على التصويت الهوياتي إلى حد بعيد. لكن الأيديولوجيا وما يرتبط بها من انتماء حزبي وسجال هوياتي لا تكفي وحدها لفهم المشهد الانتخابي؛ إذ يتداخل مع الأخير عدد من العوامل المؤثرة في النتيجة، ويأتي الاقتصاد في مقدمتها، فهو يعدّ من جهة أحد أهم منجزات حزب العدالة والتنمية في سنوات صعوده الأولى، وهو من جهة أخرى صار مؤخرًا باعث الانتقاد الأبرز له من المعارضة وشرائح في المجتمع. فقد عانت البلاد في السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة التضخم وتراجع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية وغلاء الأسعار، وفي حين ربطتها الحكومة بالتطورات الخارجية ولا سيما تأثيرات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد عَزَتها المعارضة إلى سوء إدارة الحكومة.

وقد انتهجت الحكومة في الشهور القليلة الماضية “اقتصاد الانتخابات”، حيث جرى رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الإعفاءات الضريبية وزيادة الانفاق الحكومي وتسهيل القروض ومشاريع الإٍسكان وغيرها، في محاولة لتخفيف وطأة الأوضاع الاقتصادية على الحياة اليومية للمواطنين[11].

وتحتل تداعيات الزلزال موقعًا مهمًا بين العوامل المؤثرة في الانتخابات المقبلة؛ بسبب تكلفته البشرية والاجتماعية والاقتصادية الباهظة من جهة، وتحميل المعارضة الحكومة مسؤولية التخبط في مواجهة الكارثة خلال الأيام الأولى[12]، ولومها على إقرار قانون التسوية العقارية الذي أصدر عفوًا عن مبان مخالفة للشروط من جهة أخرى[13]. لكن الرئيس أردوغان نجح على ما يبدو في تحويل النقاش من “من المسؤول؟” إلى “من يستطيع المعالجة؟”، ووعد بإعادة إعمار المحافظات المتضررة خلال عام واحد، مذكرًا بأن الحكومة فعلت ذلك في حوادث زلزال سابقة، وسارع إلى تسليم بعض المنازل قبل موعد الانتخابات[14].

ورغم تراجع ملف اللاجئين والأجانب في تركيا نسبيًا في الآونة الأخيرة، فإنه يبقى على أجندة الانتخابات؛ إذ تكرر المعارضة تعهدها بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال سنتين في حال فوزها، ومع دخول حزب النصر المعادي للاجئين السباق الانتخابي متحالفًا مع أحزاب أخرى. وسعيًا لسحب هذه الذريعة من يد المعارضة، أعلنت الحكومة عن مشروع إعادة مليون سوري إلى بلادهم[15]، وزادت من إجراءات تقنين وجودهم على الأراضي التركية[16].

أما الوعود والبرامج الانتخابية فلا تبدو ذات تأثير بالغ؛ إذ قلة فقط في العادة من يطلعون عليها بالتفصيل فضلًا عن أن يتخذوا قراراتهم بالتصويت بناء عليها. وفي المقابل، كما في كل استحقاق انتخابي، ستكون أصوات المترددين والشباب الذين يصوتون للمرة الأولى – ويقدر عددهم بستة ملايين – حاسمة في تحديد الفائز. وأخيرًا، فإن التحالفات الانتخابية وما يتعلق بها في مقدمة العوامل المؤثرة في تحديد نتائج الانتخابات المقبلة، على صعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حد سواء.

النتائج المتوقعة


الجدول (1)
 توقعات شركات استطلاع الرأي للانتخابات الرئاسية

 

شركة الاستطلاع التاريخ أردوغان كليجدار أوغلو إينجه أوغان
AKSOY آذار/ مارس 43.2 56.8 ؟ ؟
AREDA SURVEY 28 آذار/ مارس–1 نيسان/ أبريل 50.6 41.8 5.5 2.1
AVRASYA نيسان/ أبريل 42.3 50.9 4.8 2
METROPOLL نيسان/ أبريل 41.1 42.6 5.0 2.2
GEZİCİ 2-1 نيسان/ أبريل 43.2 53.4 2.1 1.3
OPTİMAR 7-1 نيسان/ أبريل 45.9 43.9 8.3 1.7
ORC 11-7 نيسان/ أبريل 41.5 48.9 7.2 2.4
SONAR 16-10 نيسان/ أبريل 46.1 44.1 7.7 2.1
YÖNEYLEM 16-14 نيسان/ أبريل 43.0 48.6 5.6 2.8
AREDA SURVEY 20-15 نيسان/ أبريل 51.4 41.8 4.6 2.2

المصدر

: من إعداد الباحث من عدة مصادر، مع مراعاة تنوع شركات استطلاع الرأي من حيث الخلفية السياسية والعلاقات مع الأحزاب.


الجدول (2)

توقعات شركات استطلاع الرأي للانتخابات البرلمانية

 

شركة الاستطلاع تاريخ الاستطلاع العدالة والتنمية الشعب الجمهوري

الشعوب الديمقراطي [17]

الجيد الحركة القومية البلد
GENAR آذار/ مارس 40.7 23.1 10.8 7 7.6 4.7
SAROS آذار/ مارس 36.7 26.5 12.3 10.5 6.1 3
AKSOY آذار/ مارس 31.9 27.8 10.1 11.4 6.9 ?
AVRASYA نيسان/ أبريل 34.4 33.3 9.5 9.2 6.8 3.6
ARG نيسان/ أبريل 31.1 29.8 10.7 13.6 6.7 2.1
ORC 11-7 نيسان/ أبريل 31.6 28.5 8.8 14.3 6.2 4.1
SONAR 16-10 نيسان/ أبريل 36.2 24.2 10.1 13.4 7.1 4.1
YÖNEYLEM 16-14 نيسان/ أبريل 35.8 30.4 10.3 9.2 7.4 2.6
AREDA SURVEY 20-15نيسان/ أبريل 41.1 25.4 10.1 6.9 8.8 3.3

المصدر

: من إعداد الباحث من عدة مصادر، مع مراعاة تنوع شركات استطلاع الرأي من حيث الخلفية السياسية والعلاقات مع الأحزاب.

يتضمن الجدولان (1) و(2) نتائج عدة استطلاعات رأي نظمتها عدة مراكز تتنوع خلفياتها الفكرية والسياسية وعلاقاتها بمختلف الأحزاب المتنافسة. ورغم أن الاستطلاعات أجريت في أوقات متقاربة، فإنها تظهر تفاوتًا ملحوظًا في النتائج. يمثّل ذلك قرينة إضافية على كون أغلب شركات استطلاع الرأي في تركيا مسيّس وبعضها غير مهني[18]. وهو ما يجعل هذه الاستطلاعات أبعد ما تكون عن توقع نتائج الانتخابات المقبلة بدرجة معقولة من اليقين، ولا سيما مع المنافسة الشديدة والاستقطاب العميق وحساسية العملية الانتخابية وتبعات النتائج على تركيا داخليًا وخارجيًا.

تُحكم تركيا وفق النظام الرئاسي بصلاحيات واسعة للرئيس؛ ما يجعل الانتخابات الرئاسية أهم بكثير من البرلمانية. لكن عزم المعارضة حال فوزها العودة بالبلاد إلى النظام البرلماني يضفي على الانتخابات البرلمانية أهمية استثنائية في الاستحقاق المقبل؛ ذلك أن المعارضة تحتاج إلى كسب ثلثي مقاعد البرلمان لإقراره مباشرة أو على أقل تقدير إلى نسبة 60 في المئة لعرضه على استفتاء شعبي.

يحتاج أي مرشح رئاسي لكسب نسبة تفوق 50 في المئة للفوز بالانتخابات الرئاسية؛ ما يجعله في حاجة إلى كل صوت، ويدفع إلى توسيع التحالفات. فتحالف الجمهور الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير، إضافة إلى حزب الرفاه الجديد، ضمن دعم أحزاب مثل الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي. وفي المقابل، فإن تحالف الأمة الذي كان يضم سابقًا أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي ضم الحزبين المنشقَّيْن عن حزب العدالة والتنمية، ثم حصل ضمنًا على دعم حزب الشعوب الديمقراطي (ثالث أكبر أحزاب البرلمان الحالي) لمرشحه الرئاسي.

الأمور أكثر تعقيدًا فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، التي يشارك فيها خمسة تحالفات رئيسة وبعض الأحزاب المنفردة. يحتاج كل تحالف أو حزب إلى تجاوز نسبة 7 في المئة من الأصوات في عموم تركيا وإلا فإنه يفقد التمثيل في البرلمان المقبل، ثم يُحدد عدد نوابه الفائزين بحسب نتائجه في كل دائرة انتخابية على حدة.

وفقًا لما سبق، ستكون المنافسة الرئيسة بين أردوغان مرشح تحالف الجمهور وكليجدار أوغلو مرشح تحالف الأمة في الانتخابات الرئاسية، وإلى حد بعيد بين التحالفين المذكورين وتحالف العمل والحرية في الانتخابات البرلمانية. في حين يُتوقع أن ينسحب عدد من الأحزاب الصغيرة غير المنضوية إلى أحد التحالفات من السباق الانتخابي وإعلان دعمها لأحدها.

يجعل كل ذلك التحالفاتِ ضرورةً، لا سيما بالنسبة إلى الأحزاب الصغيرة والحديثة التأسيس، ويمنح أفضلية واضحة للقوائم المشتركة للتحالفات؛ بحيث تصب أصوات الأحزاب كافة لصالح قائمة واحدة فتحول دون التنافس البينِيِّ داخل التحالف، وكذلك خسارة مقاعد في البرلمان للتحالف المنافس. وهذا ما فعلته تحالفات المعارضة الأربعة، وخصوصًا الأمة الذي قدم قائمتين إحداهما للحزب الجيد والأخرى لحزب الشعب الجمهوري الذي ضمت قوائمه مرشحي الأحزاب الأربعة الأخرى (الأصغر) في التحالف. ونسق حزبا الشعب الجمهوري والجيد أيضًا قوائمهما في عدة محافظات، بحيث يرفعان فرصهما إلى الحد الأقصى من دون تنافس بينيٍّ[19].

في المقابل، قدمت أحزاب تحالف الجمهور الحاكم قوائمها كل على حدة، مع ترشيح حزب العدالة والتنمية بعض الشخصيات القيادية من الأحزاب التي دعمت التحالف من خارجه؛ ما يرجّح حصول تنافس بينِيٍّ داخل التحالف وكذلك خسارة بعض المقاعد للتحالفات الأخرى.

مؤدى ذلك أن فرص تحالف الأمة أفضل، نظريًا، من تحالف الجمهور، ومع إضافة حزب الشعوب الديمقراطي الذي يخوض الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر وتحالف العمل والحرية، تكون المعارضة ككل أقرب إلى الفوز بأغلبية البرلمان المقبل.

عمليًا، قد لا يحصل ذلك؛ إذ يستفيد حزب العدالة والتنمية من ثلاثة أمور. الأول دخول حزب البلد المنشق عن حزب الشعب الجمهوري الانتخابات منفردًا؛ ما يعني سحبه من رصيد الأخير الذي يتطابق معه سياسيًا وأيديولوجيًا. والثاني تراجع الحزب الجيد بعد أزمة انسحابه من الطاولة السداسية والعودة إليها وما تبع ذلك من استقالات منه؛ ما يصب في صالح عدة أحزاب من بينها حزب العدالة والتنمية. والثالث أن عدم خوض الأحزاب المحافظة في تحالف الأمة، السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم، الانتخابات بأسمائها وشعاراتها واكتفائها بتقديم مرشحيها في قوائم خصمها التقليدي الشعب الجمهوري قد يؤثر في نسب التصويت لهذه القوائم؛ ذلك أن بعض الناخبين من الجهتين سيعزفون عن التصويت لقوائم فيها “خصوم” أيديولوجيون تقليديون، فضلًا عن فقدان هذه الأحزاب التأثير في الشريحة المحافظة الباحثة عن بديل من حزب العدالة والتنمية. ويضيف إلى أثر هذا العامل انضمامُ حزب الرفاه الجديد إلى التحالف الحاكم، بحيث يمكنه سحب أصوات من هذه الأحزاب في هذه الحالة كذلك.

يضاف إلى ما سبق، بسبب قانون الانتخاب والتباينات القائمة بين مختلف الدوائر الانتخابية، أن الحصول على أغلبية البرلمان لا يشترط بالضرورة الفوز بنسبة 50 في المئة من التصويت في الانتخابات، بل يمكن أن يحصل ذلك بنسبة أقل.

وبناء عليه، إضافة إلى الاستئناس بنتائج استطلاعات الرأي المجراة حتى اللحظة، لا يمكن الجزم بفوز أي من الأطراف؛ إذ تبدو الفرص متقاربة. ومن المرجّح ألا تُحسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، ومن ثمّ الاحتكام إلى جولة إعادة بعد أسبوعين من يوم الاقتراع. كما يُتوقع أن تكون نتائج الانتخابات البرلمانية متقاربة، وعدم قدرة أي من التحالفين الرئيسين على كسب أغلبية ساحقة في البرلمان المقبل.

يفترض كل ما سبق من تقدير عدم حصول أي مفاجآت كبيرة غير متوقعة، مثل هزة اقتصادية يمكن أن تدعم فرص المعارضة أو توتّر في السياسة الخارجية مثل عملية في سورية أو تصعيد مع اليونان يمكن أن يدعم فرص التحاف الحاكم وأردوغان، لكن تبقى احتمالات تطورات من هذا النوع ضعيفة جدًا.

ولذلك، سيكون للحملات الانتخابية تأثير مباشر في نتائج الانتخابات المقبلة. ذلك أن من شأنها المساهمة في حسم جزء من الشريحة المترددة قرارَها في الأيام الأخيرة قبل يوم الاقتراع. ونظرًا إلى أن هذه الشريحة تقدر بزهاء 10 في المئة من الناخبين، وأن أكثر من 6 ملايين شاب من الجنسين سيصوتون للمرة الأولى، فضلًا عن التقارب الملحوظ في فرص المتنافسين، سيكون لأي تغير على صعيد هذه الشريحة تأثير مباشر في نتائج الانتخابات، من دون إمكانية الجزم باتجاهاته ونتيجته النهائية.

خاتمة

يتجه الناخبون الأتراك في 14 أيار/ مايو 2023 للإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية وبرلمانية، تبدو الأصعب على الرئيس التركي وحزبه منذ استلامه الحكم في عام 2002، وستحدد هذه الانتخابات أيضًا مصير بعض الأحزاب ورؤسائها.

وبسبب احتدام المنافسة وانعدام إمكانية الحسم الواضح، اتجهت القوى والأحزاب السياسية إلى إنشاء تحالفات انتخابية واسعة، مع بقاء بضعة أحزاب صغيرة فقط خارج خريطة التحالفات يُرجّح أن ينسحب بعضها من السباق. ويُستبعد أن يحقق أي من المرشحين الرئاسيين فوزًا مريحًا في الجولة الأولى؛ وهو ما يرجح الحاجة إلى جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية. ويعدّ الاقتصاد وتداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد في شباط/ فبراير 2023، واللاجئون، أبرز القضايا الانتخابية. ونتيجةً للفرص المتقاربة للتحالفَيْن الانتخابيين الرئيسين ومرشحيهما، أردوغان وكليجدار أوغلو، سيكون للحضور الإعلامي ومهارات التواصل الجماهيري والأخطاء المحتملة التي قد يقع فيها المرشحان والأحزاب تأثير بالغ في قرار شريحة المترددين التي سيكون لها دور كبير في حسم نتيجة المعركة الانتخابية.


[1] الترجمتان لاسم تحالف المعارضة مستخدمتان في المصادر العربية. بل إن اسم كل من التحالفين الرئيسين cumhur و millet يعني “شعب” بدلالات مختلفة، وكذلك “أمة” هي من مرادفات الشعب في الاستخدام التركي للمصطلح. ولذلك جرى اختيار استخدام “جمهور” للتحالف الحاكم و”أمة” لتحالف المعارضة الرئيس في بقية الورقة، تجنبًا للفهم الخاطئ.

[2] جابر عمر، “أكثر من 64 مليون ناخب تركي يدلون بأصواتهم في الانتخابات المقبلة”، العربي الجديد، 24/3/2023، شوهد في 15/4/2023، في: 

[3] عمر كايد، “سلم 26 حزبًا تركيًا قوائم المشاركة في الانتخابات البرلمانية”، الميادين، 10/4/2023، شوهد في 15/4/2023، في: 

[4] أحمد ذكر الله، “الاقتصاد التركي في خضم الانتخابات المبكرة”، العربي الجديد، 31/1/2023، شوهد في 15/4/2023، في:

[5] “ارتفاع حصيلة ضحايا الزلازل في تركيا إلى 50500 شخصًا”، ديلي صباح، 14/4/2023، شوهد في 15/4/2023، في:

[6] “الحكومة التركية تقدر قيمة الأضرار المادية جراء الزلزال .. مبلغ هائل”، عربي 21، 17/3/2023، شوهد في 15/4/2023، في:

[7] سعيد الحاج، “التحالفات الانتخابية في تركيا .. الدوافع والتأثير على النتائج”، الجزيرة نت، 20/3/2023، شوهد في 15/4/2023، في:

[8] عماد أبو الروس، “حزبا باباجان وداود أوغلو ضمن قوائم ’الشعب الجمهوري‘ بالانتخابات .. ما تأثير ذلك؟”، عربي 21، 7/4/2023، شوهد في 16/4/2023، في:

[9] “CHP’nin milletvekili aday listesi belli oldu; İYİ parti’yle 16 ilde ortak aday çıkarıldı,” Euronews, 10/4/2023, accessed on 16/4/2023, at:

[10] ضياء عودة، “الانتخابات التركية .. ’عاملان‘ يجذبان بوصلة المنافسة نحو البرلمان”، الحرة، 10/4/2023، شوهد في 16/4/2023، في: https://arbne.ws/43ERknA

[11] Sahra Atila, “13 maddede Erdoğan’ın seçim ekonomisi hamleleri,” medyaskope, 11/10/2023, accessed on 16/4/2023, at: https://bit.ly/3mwT1Df

[12]” زلزال تركيا وسوريا: أردوغان يطلب الصفح عن التأخر في إغاثة المنكوبين”، بي بي سي عربي، 27/2/2023، شوهد في 16/4/2023، في: https://bbc.in/3A3LaQz

[13] عماد أبو الروس، “تبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة في تركيا بشأن زلزال كهرمان مرعش”، عربي 21، 19/2/2023، شوهد في 16/4/2023، في: https://bit.ly/40fhgDF

[14] “أردوغان يسلم 1432 منزلًا و17 متجرًا لأصحابها في ديار بكر”، وكالة الأناضول، 14/4/2023، شوهد في 16/4/2023، في: https://bit.ly/40lLtB6

[15]” أردوغان: نحضر لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري”، وكالة الأناضول، 3/5/2022، شوهد في 16/4/2023، في:

https://bit.ly/3UI5EYx

[16]” الهجرة التركية تعلن عن قرارات جديدة تخص الأجانب”، نداء بوست، 10/8/2022، شوهد في 16/4/2023، في: https://bit.ly/3UGc5LK

[17] يخوض حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات المقبلة تحت اسم حزب اليسار الديمقراطي.

[18] إسلام حلايقة، “استطلاعات الرأي في تركيا: التأثيرات الأيديولوجية والتوظيف السياسي”، مركز الجزيرة للدراسات، 27/1/2016، شوهد في 16/4/2023، في:https://bit.ly/3ogafoS

[19] سعيد الحاج، “تركيا: ما الذي تقوله قوائم المرشحين للبرلمان؟”، الجزيرة نت، 16/4/2023، شوهد في 16/4/2023، في: https://bit.ly/3MM95vm

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

من المدافع إلى المقاتلات النفاثة.. ما تأثير الصناعات الدفاعية التركية على الانتخابات؟

المقالة التالية

العرب والانتخابات التركية: الواجب والمحذور

المنشورات ذات الصلة