ما الذي يحمله حزب أكشنار لتركيا؟
المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية
بعد شهور من الإعداد والتجهيز، أعلنت ميرال أكشنار في الـ 25 من تشرين الأول/أكتوبر الحالي تأسيس حزبها المنتظر. الحزب، الذي يرفع شعار “تركيا ستكون بخير” وما زال يبحث عن ترجمة متفق عليها في اللغة العربية بين “الحزب الجيد” أو “حزب الخير” أو “الحزب الحسن” أو غيرها بسبب رمزية اسمه التركي وقصره (İYİLİK PARTİ)، يثير الجدل في تركيا بسبب أسماء مؤسسيه وخلفياتهم.
الرئيس المؤسس للحزب، ميرال أكشنار، سياسية مخضرمة من مواليد 1956، وقد بدأت حياتها السياسية في تسعينات القرن الماضي مع حزب الطريق القويم (DYP)، وكانت أول امرأة في تاريخ تركيا والوحيدة حتى الآن التي تشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة الائتلافية بين حزبي الرفاه بقيادة أربكان والطريق القويم بقيادة تشيللر.
وقد نجحت أكشنار في دخول البرلمان في الانتخابات البرلمانية 1995 و1999 عن حزب الطريق القويم (الذي استقالت منه عام 2001) وانتخابات 2007 و2011 وحزيران/يونيو 2015 عن حزب الحركة القومية (MHP)، وكانت نائب رئيس البرلمان في دورتين تشريعيتين، لكن حزبها لم يرشحها في انتخابات الإعادة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بسبب حالة الجدل الداخلية.
حالة الجدل هذه دفعت عدداً من قيادات الحزب وكوادره للتمرد على رئيسه دولت بهجلي وطلب عقد مؤتمر استثنائي أعلنت أكشنار أنها سترشح نفسها فيه لرئاسة الحزب. لكن الكثير من التطورات وأهمها المحاولة الانقلابية الفاشلة دفعت الأمور بالاتجاه الآخر داخل الحزب، الأمر الذي انتهى بإخراجها مع عدد من القيادات من الحزب بقرار تنظيمي منه، وهو ما دفعهم لتأسيس حزب جديد. وثمة محطة غير معروفة جداً عن أكشنار وهي أنها استقالت عام 2001 من حزبها لتنضم لمجموعة “الإصلاحيين” التي خرجت من حزب الفضيلة بقيادة اردوغان بعهدف تأسيس العدالة والتنمية، لكن ذلك لم يدم إلا أسابيع معدودة قبل أن تتركهم وتنضم لحزب الحركة القومية.
الأعضاء المؤسسون، وعددهم 200، مصنفون في معظمهم على يمين الوسط والقوميين والمحافظين وبينهم نواب حاليون ونواب ووزراء سابقون، وتشكل النساء حوالي ربعهم.
الخطوط الثمانية التي تحيط بالشمس في شعار الحزب تشير إلى المبادئ الثمانية التي يتبناها، وهي الأمل والإصرار والعدالة والمستقبل والعلم والغنى والشجاعة والمدنية. وفي نظامه الأساسي، يسطر الحزب أهدافه الرئيسة من فصل بين السلطات وعدل في القضاء وعدالة في توزيع الثروات وتمكين للشباب وخفض لنسبة البطالة وأهداف اقتصادية وأخرى تتعلق بمكانة تركيا دولياً، لكن الأبرز بينها هو العزم على صياغة دستور جديد للبلاد يعيدها للنظام البرلماني.
وبالنظر لهذه الخلفيات، يرى الكثيرون أن الحزب الجديد لن يكون مجرد رقم يقترب بعدد الأحزاب التركية من المئة، وإنما يمثل مشروعاً جديداً في تركيا ويمكن أن يلعب دوراً في الحياة السياسية التركية. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن مجموعة المؤسسين تضم أربعة من النواب المستقيلين من حزب الحركة القومية، انضمت لهم خامسة استقالت من حزب الشعب الجمهوري المعارض، فهو بالتالي حزب حاضر بدرجة أو بأخرى في الحياة السياسية اليوم.
هذه وغيرها من الإشارات تخدم الرسالة التي يود الحزب إيصالها للناخب التركي بأنه يمثل مختلف الأطياف في تركيا وليس فقط القوميين الذي يمثلون حالياً عموده الفقاري، وقد بدا ذلك واضحاً في كلمة أكشنار نفسها حين ترحّمت في كلمتها على سياسيين وقادة من مختلف التيارات السياسية والفكرية، في مقدمتهم مصطفى كمال أتاتورك ومؤسس الحركة القومية ألب أرسلان توركيش وعدنان مندريس وتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان.
يمكن تقييم الأثر الذي سيحدثه الحزب الجديد في مستويين: خاص على مستوى حزب الحركة القومية الذي انشق عنه، وعام على مستوى تركيا ومنافسة العدالة والتنمية.
بدت أكشنار مهتمة بإظهار صفة “القومية” أو “الوطنية” لحزبها من خلال الشعارات والرموز وبعض أسماء المؤسسين، وإن كانت لم تقدمه كحزب “قومي”. ويملك الحزب الجديد فرصة لا بأس بها – وإن كان من الصعب توقع نسبتها – في منافسة الحركة القومية، خصوصاً وأنه يأتي بعد جدل وصراع داخليين على مدى السنتين الأخيرتين، وبعد أصوات معارضة لبهجلي داخل الحزب، وبعد تصويت نسبة كبيرة من ناخبي الحزب ضد قرار رئيسه في الاستفتاء الشعبي، ولعل تقدّم بهجلي نفسه في السن من العوامل التي تراهن عليها أكشنار ورفاقها.
بيد أن رهان الحزب الأهم هو طرح نفسه بديلاً للعدالة والتنمية لقيادة تركيا، ويبدو ذلك واضحاً وجلياً في كثير من التفاصيل التي حاول فيها التشبه به أو تقليده، منها اسمه (غير المؤدلج) وشعاره الذي يحوي الشمس (مقابل “لمبة” العدالة والتنمية) وتمثيله لمختلف التيارات، والأهم من كل ذلك طرح نفسه “حلاً” لمشاكل تركيا و”فشل الحكم” فيها كما فعل العدالة والتنمية لدى تأسيسه. ويبدو أن الحزب الجديد يراهن على كسب الطيف الذي لم يؤيد التعديل الدستوري داخل أطر العدالة والتنمية، والمستقلين والغاضبين من أحزابهم.
بيد، ثمة فوارق كبيرة جداً لا يمكن إغفالها بين فترة تأسيس العدالة والتنمية واليوم. فقد أتى العدالة والتنمية بعد انقلاب 1997 على حكومة أربكان وما تلاها من حكومات ائتلافية فشلت وانهارت وانسداد سياسي وأزمات اقتصادية واستدانة من صندوق النقد الدولي، أدت في محصلتها لكفر المواطن التركي بالأحزاب القائمة وبحثه عن البديل الذي قدمه اردوغان ورفاقه من خلال أسماء مشهود لها بالخدمة ونظافة اليد. وأما اليوم، فمع كل المشاكل الداخلية وأزمات السياسة الخارجية، إلا أن المشهد مختلف، إذ ثمة حزب حاكم صاحب إنجازات ومستمر في الحكم، ورئيس/قائد مجمع عليه من نصف الشعب، وليس ثمة انسداد كامل في الحياة السياسية ولا أزمة اقتصادية خانقة.
أكثر من ذلك، تصعّب هوية الحزب وأسماؤه المؤسِّسة من إمكانية جذبه نسبة مهمة من ناخبي الشعب الجمهوري، ويبدو حصوله على أصوات الأكراد شبه مستحيل في ظل الخلفية القومية لهم، فتبقى كتلته المستهدفة أنصار حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية وبعض الأحزاب اليمينية. وفي ظل ما سبق شرحه من الأوضاع في تركيا، من الصعوبة بمكان للحزب أن يشكل تهديداً حقيقياً للعدالة والتنمية وفق المعطيات الحالية، سيما وأنه أثيرت شبهات حول علاقة الحزب وأكشنار نفسها بجماعة كولن.
لكن، في الختام، من المهم الإشارة إلى أن أكشنار باعتبارها سيدة وبخلفيتها وبرنامجها قد تمثل مشروعاً يقنع بعض الأطراف – سيما الخارجية – بالاستثمار بحزبها. كما أنه ما زال أمامنا عامان كاملان قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتزامنة، وبالتالي فالتطورات والأحداث و”المفاجآت” التي قد تحدث خلالهما ستكون محدِّدة جداً في توجه الناخب التركي وحظوظ الحزب الجديد، خصوصاً تقييم كوادر العدالة والتنمية والشارع التركي لعملية التغيير والتجديد الواسعة التي يقودها اردوغان في مختلف مستويات الحزب الحاكم، والتي تبدو حتى الآن مغامرة لم تستكمل أو تظهر نتائجها بعد.