تقع قضية الأسرى في القلب من القضية الفلسطينية، ويعاني منها ويهتم لها تقريباً كل بيت في فلسطين وخارجها، فليس ثمة عائلة ليس لها ابن أو قريب أو جار أو أحد معارفها قد غيبته السجون الصهيونية مدة من الزمن، لأنه قرر أن يعيش كريماً رافضاً ذل الاحتلال وسياساته التعسفية، وأحياناً فقط لأنه فلسطيني المولد والهوى والهوية.
السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، يوم الأسير الفلسطيني، يوم تتذكر فيه جموع الشعب أبطالهم المغيبين خلف القضبان، لكنه هذا العام سيأتي بنكهة جديدة ومعنى أعمق ومواكبة أفضل. الذكرى هذا العام يميزها حدثان مهمان (ومرتبطان ببعضهما البعض) على صعيد قضية الأسرى:
الأول أنه الذكرى الأولى بعد صفقة “الوفاء للأحرار” التي أثبتت علو يد المقاومة ووفاءها لأسراها، تلك الصفقة التي حررت 1050 أو يزيد قليلاً من قيادات وكوادر مختلف الفصائل الفلسطينية، لتضخ في الوعي المجتمعي المعاناة الحقيقية لمن هم داخل الزنازين، ولتعير عنها ألسنة وأفئدة وعقول طالما عانت نفس المحن والظروف الصعبة. خروج هذه الكوكبة من الأسرى أعطت وستعطي لقضية الأسرى زخماً أفضل وصوتاً أعلى، ولعلنا لاحظنا ذلك منذ الصفقة، ونتوقع له أن يزداد مع الوقت، ابتداءً بالاهتمام الإعلامي المتزايد، مروراً بالتفاعل الشعبي المتعاظم، وليس انتهاءً بتعيين رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية اثنين من قيادات الأسرى مستشارَيْن له طافا معه العديد من البلدان العربية والإسلامية لعرض القضية بلسان أبنائها.
الثاني هو الإضراب الجماعي عن الطعام الذي ينوي ما يقرب من 1600 أسير البدء به تزامناً مع يوم الأسير هذا العام. فالصفقة ثم نجاح الأسير الشيخ خضر عدنان والأسيرة هناء شلبي في انتزاع تنازلات من قيادة السجون الصهيونية عبر إضرابهما عن الطعام، شجعا الأسرى على اتخاذ هذا القرار التصعيدي الشجاع، لتثبيت كرامة وحقوق الأسرى، في انتظار موعدهم مع الحرية.
الذكرى الأولى بعد الصفقة المشرّفة، ومعركة الأمعاء الخاوية المصممة على الانتصار، سترافقهما تغطية إعلامية كبيرة طالما افتقدتها الذكرى وطالب بها الأسرى، وستدعمهما فعاليات شعبية ورسمية في مختلف مناظق التواجد الفلسطيني عبر دول العالم أجمع، بينما سيكون الأسرى المحررون المبعدون خير من يمثل القضية ويعبر عنها ويجذب الأنظار والأفئدة والتركيز عليها، بعد أن غفل عنها البعض وتناساها البعض الآخر.
عادت قضية الأسرى لتحتل الصدارة والمكان الذي تستحقه من الاهتمام والتفاعل رسمياً وشعبياً وإعلامياً ونخبوياً (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دعا لصيام يوم غد دعماً للأسرى الأبطال في إضرابهم)، وكلنا أمل وثقة أن الموعد مع الحرية قد اقترب أكثر من أي يوم مضى، فوراء القضبان أسود أخذت على عاتقها انتزاع حقوقها بتقديم الأرواح، وخارجها رجال أخذوا على عاتقهم أن لا يبقى أسير واحد يعاني ذل الأسر، وقد خبرنا وشهدنا على صدقهم وكفاءتهم.