وأخيراً نزل السيد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، عن شجرة تمنعه عن التفاوض مع الطرف الصهيوني إلا إن أوقف الاستيطان. نعم نزل عن الشجرة التي أصعده إليها موقف أوباما عالي السقف من الاستيطان، لكنه لم ينزل على سلم مده إليه شريكه في المفاوضات، ولا حتى من يرعاها بلا نزاهة، بل اضطر للقفز عنها وعن كل مواقفه ووعوده وعنترياته السابقة.
فبعد انقطاع طويل عن المفاوضات، بشرط معلن هو تجميد (مجرد تجميد، لا وقف ولا هدم) الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، عاد الطرف الفلسطيني إلى الطاولة المستديرة والحلقة المفرغة بوساطة أمريكية، على أساس ثلاث مبادئ أعلنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري:
- حق الشعب الفلسطيني بدولة متصلة ذات سيادة.
- احترام الاحتياجات الأمنية للطرفين.
- يجب أن “ترتكز” الحدود بين الدولتين إلى خطوط 67، مع “تعديلات متفق عليها”.
المفاوضات التي ستبدأ يوم غد الثلاثاء في واشنطن، ستشارك فيها الولايات المتحدة بشخص الوزير كيري أو شخصية أخرى تنتدب للمهمة، ويخطط لها أن تستمر لفترة زمنية تتراوح بين 6-9 أشهر.
على هامش هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، تستوقفنا مجموعة من المتناقضات/الأحداث التي تبدو أكثر جذباً لأنظار المراقبين من المفاوضات نفسها:
الأولى: أن نتنياهو يذهب لهذه الجولة متباطئاً ومتمنعاً تحت ضغط الأحزاب الأخرى في حكومته، بينما يهرول إليها السيد عباس وسط معارضة أغلب الفصائل الفلسطينية.
الثانية: أن نتنياهو أعلن أن أي اتفاق سيصل إليه مع الفلسطينيين سيتم عرضه في استفتاء عام على “الشعب الإسرائيلي”، فيما فضت قوى الأمن في الضفة بالقوة مظاهرة للجبهة الشعبية رافضة للمفاوضات، قيل أن النائب في المجلس التشريعي عن الجبهة السيدة خالدة جرار شاركت بها.
الثالثة: تسويق استعداد حكومة العدو للإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين كإنجاز للسلطة، بينما الحقيقة أنها ورقة ضغط في يد نتنياهو الذي أعلن ان الإفراج سيكون على دفعات وفق سير المفاوضات (حسب أداء وتنازلات السلطة فيما أفهم).
الرابعة: عودة الطرف الفلسطيني للمفاوضات دون تلبية شروطه بعد أكثر من 22 عاماً من خض الماء مع الطرف الصهيوني، فيما يعلن عباس ورجاله صراحة أن الرابع عشر من الشهر القادم سيكون “آخر فرصة” لحماس لتنفيذ المصالحة (المصالحة التي أوقفها هو، ويريد الآن أن ينفذها وفق رؤيته وبعيداً عن المتفق عليه).
وسواء كانت هذه جولة عادية كغيرها مما سبقها من جولات، أو كانت – كما يرى الكثيرون – حلقة في إطار خطة واسعة لإعادة تشكيل المنطقة (الانقلاب في مصر، تغيير الحكم في قطر، تطورات الأحداث في تونس، مراوحة القضية السورية) وتسوية القضية الفلسطينية بتنازلات كبيرة، فإن الملاحظة الأبرز هي عدم تعويل الشعب الفلسطيني عليها، وزهده في متابعتها، وعدم انتظاره شيئاً ملموساً من نتائجها وما يمكن أن تسفر عنه، من نجاح أو فشل.