فجأة، ودون سابق إنذار، أعلن التحالف العشري نهاية الأعمال العسكرية المتعلقة بعملية “عاصفة الحزم” في اليمن مؤكداً نجاحها في تحقيق أهدافها، كما أعلن عن بداية ما أسماه عملية “إعادة الأمل” كمرحلة لاحقة عليها. ولئن كان التحالف لم يعلن ابتداءً عن أهداف واضحة ومحددة للعملية، بما يجعلنا قادرين على تقييمها من الناحيتين العسكرية والسياسية، إلا أن ثمة الكثير من الدروس المستفادة من العملية حتى اللحظة، بعيداً عن احتمالاتها المستقبلية.
فقد أثبتت العملية أولاً أننا شعوب عاطفية بامتياز و”نعوم على شبر مية” كما يقولون. إذ فجأة تنتقل الدول والقيادات في وعينا من العداء إلى التحالف، ومن التآمر للحرص على المصالح. وكما وجد السيسي من يؤيده بغض النظر عما يفعل وكيف، وكما وجدت “داعش” من يهيم في هواها فقط لأنها تحمل السلاح بغض النظر عما تفعله به، كذلك وجدت عاصفة الحزم من يراها حصن العرب وقلعة “أهل السنة” دون أدنى دليل على ذلك، وهكذا يبدو فعلاً أننا “كلنا في الهم شرق”.
وأرتنا العملية – ثانياً – أن كثيراً من النخب ليست على شيء من العمق والوعي والموضوعية. إذ قد يُعذر العامة في المبالغات، لكن كيف يمكن تفسير تفجر القرائح الشعرية والكتابية والدراسية لدى كثير من العلماء والوعاظ وأصحاب الرأي والمحللين، الذي اتخذوا الأماني وسيلة للتحليل، واعتمدوا على سياسة المديح للتأثير على صاحب القرار السياسي.
ثالثاً، قد يكون الدرس الأكبر فيما حصل أن الحروب فعل سياسي عالي الصوت والسقف، وبالتالي فأهدافه سياسية بالدرجة الأولى، أما الشعارات والأيديولوجيات فليست سوى “فيتامينات” تقوية الدعم الشعبي له. لم يقل التحالف العشري ولا قالت السعودية إن هدف العملية القضاء على الحوثيين أو هزيمة إيران أو نصرة “أهل السنة”، لكن الكثيرين للأسف رددوا لذلك.
رابعاً، من المهم لدى تقييم الأحداث والتطورات المختلفة التسلح بعدد من أدوات التحليل المفيدة، مثل الوعي التاريخي وفهم أبجديات السياسة ومنطق علم الجيوبوليتيك وتشابكات العلاقات الإقليمية والدولية. إذ بهذه الرؤية لم يكن ممكناً تفسير ما حصل على أنه حلف سني في مواجهة الحلف الشيعي، ولا كان مقبولاً أن تـُظهر العملية على أنها حرب صفرية ستنتهي بالقضاء على أحد الأطراف. بدأت العملية حين هُددت الحدود السعودية وبات عمقها في خطر، وتوقفت حين زال هذا الخطر وتأمنت الحدود ولو بشكل نسبي.
خامساً، تبدأ الحروب أو العمليات العسكرية لأسباب سياسية، وتنتهي باتفاقات ثنائية أو جماعية، وفي الحالة المقصودة كان الهدف – كما كتبنا منذ اللحظات الأولى – تأمين حدود المملكة وإعادة التوازن لليمن بعد أن تخطى الحوثيون الدور المرسوم لهم والخطوط الحمراء المسموح بها سعودياً، وإعادة الجميع لطاولة الحوار الوطني، وهذا ربما ما سيكون بعد أن تتضح بنود الاتفاق الذي أبرم خلف الكواليس بعيداً عن عيون الإعلام.
نعم، لا شك أن عاصفة الحزم كانت حدثاً مهماً ومفصلياً في المنطقة، ولا شك أنها كبّرت من الدور السعودي الإقليمي وصغّرت دولاً أخرى، ولا ريب أنها ستكون له تبعات وارددادات مستقبلية، ونعرف أن الأمر لم ينته عند هذا الحد بل ربما يستمر أو يتطور أو يتدحرج بأي اتجاه، بل ربما يفشل الاتفاق ويعود الحلف لنقطة البداية مرة أخرى.
هذه كلها احتمالات واردة، لكنها تبقى – جميعها – ضمن التقييم الموضوعي والعلمي للأحداث، بعيداً عن الأحلام والأماني والشعارات، التي ترفع السقف عالياً، فتؤدي إلى الإحباط والشعور بالأسى، أو تدفع البعض للاستمرار في مديح الشيء وعكسه والتغني بالقرار وضده، وهذه لعمري ثالثة الأثافي.