هل يفوز أردوغان في الانتخابات المقبلة؟
الجزيرة نت
21 كانون الأول/ديسمبر 2022
على بعد ما يقرب من ستة أشهر على عقدها، ما زالت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة مالئة الدنيا وشاغلة الناس في تركيا، بما فيه ذلك استطلاعات الرأي الكثيرة التي كانت أحالت على تراجع ملحوظ في شعبية كل من الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية قبل أشهر، لتعود وتظهر تحسنهما مؤخراً.
الانتخابات الأصعب
ثمة توافق عام بخصوص أهمية الانتخابات المقبلة في تركيا، كما يتفق كثيرون على أنها قد تكون الأصعب على حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه عام 2001 وتسلمه السلطة في تركيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2002.
فهي انتخابات تأتي بعد أكثر من 20 سنة متواصلة من الحكم المنفرد في البلاد، والأولى بعد تطبيق النظام الرئاسي في البلاد في 2018، وفي ظل منظومة تحالفات جمعت عدداً من الأحزاب المعارضة الكبيرة ضد العدالة والتنمية، من بينها أحزاب خرجت من رحم الحزب الحاكم نفسه وخلقت تحدياً غير مسبوق بالنسبة له. كما أنه استحقاق يأتي في ظل أوضاع اقتصادية متراجعة لأسباب داخلية متعلقة ببنية الاقتصاد نفسه وخارجية متأثرة بجائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية وغيرها من التطورات العالمية والإقليمية. فضلاً عن تحول قضية اللاجئين والأجانب في البلاد إلى ملف مناكفات انتخابية عمل لشهور طويلة لغير مصلحة العدالة والتنمية.
لهذه الأسباب وغيرها، فقد أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبية أردوغان وحزبه العدالة والتنمية عن نتائج الانتخابات السابقة. واستطلاعات الرأي في تركيا وإن لم تكن دقيقة في توقعاتها التفصيلية إلا أنها تصلح للاستئناس بها في سياقاتها العامة، لا سيما تلك التي تتوافق عليها معظم شركات استطلاعات الرأي. وكان من هذه السياقات العامة هذا التراجع في شعبية الرئيس وحزبه مع توقعات بالحاجة لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية بسبب عدم قدرة أردوغان على الحصول على أكثر من نصف الأصوات، على عكس ما حصل في الانتخابات السابقة.
ما الذي تغير؟
في تفسير هذا المتغير تبرز عدة معطيات. أولها وأهمها ما يتعلق بالملف الاقتصادي وخصوصاً لجهة تأثيره على حياة المواطنين اليومية. قبيل كل استحقاق انتخابي تعمد الحكومة القائمة لحزم من الدعم تسمى في تركيا “اقتصاد الانتخابات”، ولكن ما قدمته الحكومة هذه المرة بدا استثنائياً من حيث الحجم والوتيرة استشعاراً منها بأن الاقتصاد هو خاصرتها الرخوة في الانتخابات المقبلة والبطاقة الأقوى في يد المعارضة وربما المعيار الأهم في نظر الناخب في الاستحقاق المقبل.
وعليه، فقد أقدمت الحكومة التركية بقيادة أردوغان على عدة خطوات في هذا الصدد ملخصها تخفيف الجباية الحكومية من المواطنين وزيادة الصرف الحكومي في المقابل، لا سيما تجاه الشرائح الضعيفة. فقدمت الحكومة عدة حزم من الدعم لمحدودي الدخل والفلاحين والشباب والمقبلين على الزواج بما في ذلك مشروع إسكان كبير مدعوم حكومياً، ودعم بعض المنتجات الزراعية، وتسهيل القروض على الجميع. ولكن الخطوة الأهم كانت رفع الحد الأدنى للأجور مرتين وبنسبة قياسية العام الفائت بهدف تخفيف تأثير ارتفاع الأسعار على المواطنين/الناخبين، ومن المتوقع أن ترفعه مرة أخرى بنسبة مقبولة مع بداية العام الجديد.
وفي المقابل، فقد أصدرت الحكومة عدة قرارات باتجاه جدولة الديون للغارمين غير القادرين على الإيفاء، وعملت مع بعض البلديات على سداد أو تأجيل جباية بعض الفواتير من غير القادرين، فضلاً عن مسح بعض الديون أو الدفعات المستحقة على بعض المواطنين. وفي المحصلة، فقد قدمت الحكومة رسالة للمواطن أنها لم/لن تتركه فريسة للأوضاع الاقتصادية المتراجعة وأنها تبذل جهدها للتخفيف عنه ودعمه بهذا الصدد.
يضاف لكل ذلك أن رهان الحكومة الرئيس هو في مدى قدرتها على كبح جماح التضخم قبل الانتخابات، ولذلك فقد ركزت رسائل وتصريحات الرئيس أردوغان ووزير المالية والخزانة نورالدين نباتي على أن الشهور الأولى من العام المقبل ستشهد انخفاضاً ملحوظاً في نسبة التضخم، كمؤشر رئيسي على نجاح النموذج الاقتصادي الذي انتهجه أردوغان رغم الانتقادات الحادة التي تعرض لها.
أما السبب الثاني فهو بعض إنجازات السياسة الخارجية التي أحسن العدالة والتنمية والرئيس أردوغان تسويقها داخلياً، وفي مقدمتها الأدوار التي لعبتها تركيا على هامش الحرب الروسية – الأوكرانية، من الوساطة السياسية، لاتفاق تصدير الحبوب، لاتفاق تبادل الأسرى، لاستضافة لقاء بين جهازي الاستخبارات الأمريكي والروسي، لاقتراح تركيا كمركز لتصدير الغاز الروسي لأوروبا، وغير ذلك.
وثالثاً، هناك خلافات المعارضة المستمرة مؤخراً خصوصاً فيما يرتبط باختيار مرشح توافقي لطاولة الستة المعارضة، حيث ما زال رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) كمال كليتشدار أوغلو مصراً على ترشيح نفسه وما زال الحزب الجيد (ثاني أحزاب المعارضة) معارضاً لذلك ولا يراه المرشح الأنسب لمنافسة أردوغان فضلاً عن هزيمته.
ويضاف لما سبق تراجع حدة تناول ملف اللاجئين والأجانب وخاصة السوريين منهم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، وقد كان ملفاً ضاغطاً على الحكومة التي لجأت لعدة قرارات ضمن سياسة “تخفيف تركز الأجانب” في أحياء المدن الكبرى.
عوامل حاسمة
مرة أخرى، من المهم التذكير بأن استطلاعات الرأي في تركيا ليست دقيقة في توقع النتائج، وإنما تصلح فقط للاستئناس بسياقاتها العامة التي تتفق عليها معظم الشركات العاملة في هذا المجال. وتزداد أهمية هذه الملاحظة بسبب المدة الزمنية الطويلة نسبياً حتى الانتخابات، إضافة لعدم وضوح الخريطة النهائية للتحالفات الانتخابية والمرشحين للرئاسة.
لذلك، فحين نتحدث عن تحسن فرص الرئيس التركي والحزب الحاكم في استطلاعات الرأي، فنحن نقدم ذلك كسياق عام في معظم استطلاعات الرأي أولاً، وكتحسن نسبي ثانياً، وبالمقارنة مع الشهور الفائتة لنفس شركات استطلاع الرأي ثالثاً، ما يمنح الأمر مصداقية بدرجة مقبولة.
وعليه، فإن هذا المنحى قابل للاستمرار أو التوقف أو الارتداد والتراجع حتى موعد الانتخابات اعتماداً على ثلاثة عوامل رئيسة:
الأول الملف الاقتصادي، ومن ضمن ذلك السياسات الحكومية والحد الأدنى للأجور وغلاء الأسعار وقيمة الليرة وملف الطاقة وأي برامج مقنعة للمعارضة في هذا الإطار… الخ، في الأسابيع الأخيرة قبيل الانتخابات أي الظرف الذي ستجرى فيه الانتخابات.
الثاني الخريطة الانتخابية، إذ لم يتضح حتى اللحظة الشكل النهائي لتحالفات الأحزاب الانتخابية ولا أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية، وهما من أهم العوامل التي ستحدد نتائج الانتخابات المقبلة في ظل عدم قدرة أي من الأحزاب والمرشحين على الحصول على نسبة %50 من أصوات المقترعين وفق التوقعات الحالية.
والثالث المفاجآت، والمقصود أي تطورات غير متوقعة أو خارج الحسابات حالياً لكنها قد تكون ذات تأثير في توجهات الناخبين وأصواتهم، مثل عملية عسكرية في الشمال السوري أو تصاعد التوتر مع اليونان بما يذكي المشاعر القومية، أو خروج معلومات وملفات بخصوص مرشحين للانتخابات الرئاسية بما يمكن أن يؤثر على صورتهم وحظوظهم …الخ.
ختاماً، تؤكد نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأيديولوجيا والانتماءات الحزبية والاصطفافات السياسية والفكرية ليست كافية لحسم نتائج الانتخابات المقبلة في تركيا ولا حتى التنبؤ بها، وأن ثمة عوامل أخرى تبدو مؤثرة في تشكيل آراء الناخبين وتقييمهم للحزب الحاكم والمعارضة وبالتالي تصويتهم في الاستحقاق المقبل.
ويعني ذلك من ضمن ما يعنيه أن النتائج الأخيرة لاستطلاعات الرأي ليست حاسمة ولا نهائية لصالح أي من الطرفين، وأن آراء الناخبين معرضة للتغير والتبدل في الاتجاهين مع اقتراب موعد الانتخابات بناء على عدة عوامل.
كما أن العوامل المذكورة ليست معطيات موضوعية أو ظروفاً خارجية مفروضة على البلاد، وإنما هي في معظمها توجهات وقرارات في أيدي طرفَيْ المعادلة السياسية في البلاد ولا سيما الحزب الحاكم بقيادة أردوغان، وبالتالي فإن جزءاً مهماً من تشكُّل آراء الناخبين بيدهم بدرجة أو بأخرى. وتبقى المدى الزمنية حتى الانتخابات، ستة أشهر من الآن مبدئياً إن لم تبكّر، طويلة جداً للجزم بشيء في بلد يوصف اليومُ الواحد في تطوراته السياسية بـ”الطويل جداً”.