هل ما زال الفيسبوك عالماً افتراضياً؟

وسط حياة روتينية رتيبة ظهر عالم الانترنت كفكرة غامضة جاذبة، وفي أجواء الكبت وانعدام الحرية بات يمثل فضاءات القدرة على التعبير عن الرأي بجرأة غير مسبوقة. الطريق الطويلة التي بدأت برسائل البريد الاكتروني، وتلتها المنتديات والمدونات، انتهت اليوم بما نسميها وسائل التواصل الاجتماعية.

 

تميز عصر المدونات والمنتديات بالأسماء المستعارة والحوار حول “مواضيع” أو “قضايا”، ولذلك أطلق على كل منها مصطلح “العالم الافتراضي”، بينما تطور الأمر في وسائل التواصل المجتمعي إلى أسماء وأشخاص حقيقيين و”تعبير” عن الرأي، أحياناً بشكل مبالغ فيه. وكلما زادت جرعة الجرأة والحرية في الطرح، تقلصت مساحات الخصوصية والسرية إلى أبعد الحدود.

 

فهل ما زالت هذه المساحات والوسائط عوالم افتراضية، أم أنها هي الأخرى تطورت إلى شيء آخر؟ وهل يتطلب ذلك منا تعاملاً مختلفاً الآن عما كنا عليه إزاءها قبل سنين؟ دعونا، في السطور القادمة، نأخذ الفيسبوك، أحد أكثر هذه الوسائل شعبية، مثالاً.

 

. على الفيسبوك، نسجل معلوماتنا الشخصية، وننشر صورنا العائلية، نكتب عن ماضينا، نسطر حاضرنا، ونسجل أحلامنا عن المستقبل.

 

. على الفيسبوك، نضع كلاماً، وصوراً، وفيديوهات، وروابط، وتحليلات.

 

. في الفيسبوك، لدينا قوائم أصدقاء، ودعوات لمناسبات، وصفحات لقضايا.

. على الفيسبوك، نستطيع كتابة ما نريد، والتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا، والدخول في حوارات، والتعليق والتعقيب على كل ما نريد، والسكوت عمن وعما نريد.

 

. على الفيسبوك، نتابع من نريد، ونحظر من نشاء، ونحدد من نريد أن يقرأ ما نكتب ومن لا نرغب له بذلك.

 

. في الفيسبوك، نتابع الأخبار، ونقرأ المقالات، ونستمع للتحليلات. نتابع الجاد والهازل، المضحك والمبكي، الصحيح والمكذوب.

 

. على الفيسبوك، نعجب بما نريد، ونعلق على ما نرغب، ونشارك ما نشاء، بل “يقتبس” بعضنا و”يسرق” بعضنا الآخر من كتابات الآخرين.

 

. في الفيسبوك، فضفضات، وقضايا، ومشاريع، وكلام، وأحلام، وأوهام.

 

. على الفيسبوك، بات صعباً الحديث عن موقف معين لأن من عايشته معه صديقك على الصفحة وسيقرأ ما تكتب. قلـَّتْ مساحات التعريض والإيماء، وزادت نطاقات الحذر والانتباه.

 

. على الفيسبوك، ومع الوقت، تخلينا عن الحذر الذي بدأنا به، وألقينا كل ما في جعبتنا من كلام وأسرار وأصبح “أصدقاء” الفيسبوك مثل أبناء العائلة الواحدة، لا متور عنهم ولا غريب بينهم.

 

. في الفيسبوك، دخلنا مدججين بألف قناع وقناع، ثم ألقيناها واحداً تلو الآخر، حتى أصبحنا بلا قناع ولا مكياج ولا تزيين.

 

. على الفيسبوك، أفراد، وشركات، وأحزاب، وأفكار، ودعايات، وكتــّاب، ومحللون، ومفكرون، وأجهزة مخابرات. !!

 

. على الفيسبوك، دخلنا يمتلكنا الفضول، وأصبحنا غير قادرين على الوصول، ولا راغبين في العدول. بدأنا بثوان، أمضينا الدقائق، وبتنا غير قادرين على القيام قبل ساعات.

 

فهل بعد كل هذا، ومع كل هذه التشبهات والتشابكات مع الواقع، يصح أن نبقي على تسمية “العالم الافتراضي” على مختـَرَع مارك زوكلينبرغ؟!!

صدق من قال: الفيسبوك كالسيجارة، أوله “دلع”، وآخره “ولع”.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

قراءة في حزمة اردوغان الإصلاحية

المقالة التالية

الثورة وكرة القدم

المنشورات ذات الصلة