هل ستمتلك تركيا سلاحاً نووياً؟
TRT عربي
في تصريح مفاجئ قبل أيام، ألمح الرئيس التركي إلى رغبة بلاده بالتحول لقوة نووية. ففي كلمة له أمام منتدى اقتصاد الأناضول، قال اردوغان إن بعض الدول “لديها صواريخ تحمل رؤوساً نووية” لكنهم لا يريدون نفس الأمر لتركيا، معقباً “أنا لا أقبل ذلك”. فهل يعبر تصريح اردوغان عن سعي تركيا لامتلاك أسلحة نووية؟
لا شك أن التصريح كان مفاجئاً نوعاً ما، إذ لم يسبق أن صدر تصريح مماثل وبهذا الوضوح عن مسؤول تركي قبلاً، فضلاً عن أنه من المتعارف عليه أن من يريد امتلاك أسلحة نووية يسعى لذلك سراً وينكر الحصول عليه لاحقاً لتجنب الانتقادات الدولية، ما دفع الكثيرين لوضع التصريح في إطار الاستهلاك الداخلي ودغدغة المشاعر القومية للشارع التركي. ولعل هذا المعنى موجود إلى حد ما، في ظل أولوية الأمن القومي في السياسة الخارجية التركية والعمليات العسكرية التي تنفذها قواتها المسلحة خارج الحدود، فضلاً عن الاستحقاقات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية وأهمها احتمال تأسيس أحزاب على يد قيادات سابقة فيه.
لكن هذه السياقات لا تبدو كافية لتفسير تصريح الرئيس التركي، فما الذي يقف خلفها؟
لا شك أن السلاح النووي، بقدراته الرادعة، يمنح الدول التي تمتلكه بطاقة دخول نادي الكبار، ويرفع من قدراتها ومكانتها ويغيّر من تعامل العالم معها بغض النظر عن أوراق قوتها الأخرى. لا يكفي امتلاك السلاح النووي للتحول لقوة كبرى، إذ يحتاج الأمر لترسانة عسكرية ضخمة، وسياسة خارجية أكثر تدخلاً وتأثيراً في السياسة الدولية، ومشاركة في مؤسسات الاقتصاد العالمي، وتعامل الأطراف الأخرى في المجتمع الدولي مع تلك الدولة على هذا الأساس، فضلاً عن سياقات حصرية مثل العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي مثلاً.
وبهذا المنظور، يمكن القول إن تركيا لا تمتلك مقومات التحول لقوة عظمى، كما تذهب لذلك بعض التقييمات المتسرعة أو المتحمسة، لكن امتلاك السلاح النووي سيضيف لعوامل قوتها ولا شك من ناحية نظرية على الأقل. إذ بالنظر إلى الدول التي تمتلك سلاحاً نووياً اليوم، سنجد الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى الهند وباكستان وكوريا الشمالية، فضلاً عن دولة الاحتلال التي ما زالت لا تعترف بامتلاكه. ولعل الندية التي تظهرها كوريا الشمالية في الساحة الدولية مؤخراً، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، هي انعكاس من زاوية ما لحيازتها سلاحاً نووياً.
إن امتلاك سلاح نووي في عصرنا الحالي أمر بالغ الصعوبة، ويتعلق بالإرادة والقدرة للدولة من جهة والموقف الدولي الرافض من جهة أخرى. فالمنطق الحاكم في العالم اليوم هو الحد من انتشار السلاح النووي تمهيداً لنزعه – افتراضاً ورغبة – من الدول التي تملكه. ومن هنا أتت فكرة معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1970، والتي وقعتها دول العالم باستثناء الهند وباكستان ودولة الاحتلال وكوريا الشمالية (التي انسحبت بعد التوقيع).
بهذا المعنى، يمكن القول إن أنقرة قد ترغب بامتلاك السلاح النووي من باب تعظيم قدراتها الذاتية، لا سيما وأنها اتجهت مؤخراً نحو القوة الخشنة (قواعد وعمليات عسكرية خارج الحدود) في سياستها الخارجية، ورفعت من وتيرة الصناعات الدفاعية، وتسعى لتحصين نفسها بأسلحة متقدمة مثل منظومة S400 ومقاتلات F35، فضلاً عن الضغوط الخارجية والشعور بالاستهداف، وسعيها للعب أدوار أكبر وأهم في الإقليم والعالم.
قد تملك تركيا الرغبة لكنها لا تملك، وفق المعطيات المتاحة والمعلنة، المقومات الأساسية لتصنيع السلاح النووي، بل لعلها ما زالت تخطو الخطوات الأولى فقط على صعيد امتلاك الطاقة النووية السلمية من خلال عدة مشاريع تشاركية مع كل من روسيا واليابان.
بمعنى أنها ما تزال بعيدة جداً عن الإمكانيات العملية لحيازة الأسلحة النووية، بافتراض جديتها في السعي. بيد أن هناك عاملاً مهماً جداً في المعادلة وهو الموقف الدولي، إذ بغض النظر عن كونها من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وعن الاتجاه الدولي لحظره، تعاني أنقرة مؤخراً توترات مع أطراف فاعلة في المنظومة الدولية في مقدمتها الولايات المتحدة عنوانها الأبرز عدم الرضا عن توجهات القيادة التركية وسياستها الخارجية. ولعل صفقة S400 والعقوبات الأمريكية عليها بسببها أحد أهم القرائن على ذلك.
وهو ما يشير إلى أن قراراً تركيا بامتلاك سلاح نووي سيعرضها لضغوط وعقوبات وحصار شبيهِينَ بما تتعرض له إيران، مع التنبه إلى أن الاقتصاد التركي أقل قدرة على تحمل ذلك بسبب اعتماده الكبير على الأموال الساخنة والاستثمارات الأجنبية والسياحة.
في الخلاصة، يمكن تصنيف تصريح الرئيس التركي ضمن الخطاب الموجه للمواطن والمدغدغ لمشاعره القومية، وكذلك الاعتراضات التركية المتكررة على النظام الدولي وتفرد بعض أطرافه بالقرارات والامتيازات. ولئن أمكن استشعار رغبة تركية بامتلاك السلاح النووي من ناحية مبدئية، إلا أن الطريق العملي لهذا الأمر محفوفة بالمخاطر والصعوبات ولا يبدو أن تركيا تمتلك مقوماتها الأساسية بعد. بما يعني أن انتقال الرغبة المفترضة لأي مسار عملي ليس متوقعاً في المستقبل القريب على أقل تقدير.