هل ستتبادل تركيا ومصر السفراء؟
عربي 21
اختتمت يوم الأربعاء الماضي “الجولة الاستكشافية الثانية” من الحوار التركي – المصري بعد يومين من المباحثات في العاصمة التركية، التي زارها وفد مصري برئاسة نائب وزير الخارجية المصري حمدي لوزا، بعد الجولة الأولى التي أجريت في القاهرة في أيار/مايو الفائت.
وقد أصدر الجانبان بياناً مشتركاً قالا فيه إنهما ناقشا “قضايا ثنائية فضلاً عن الموضوعات الإقليمية” مثل ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين وشرق المتوسط. وأضاف البيان إنهما “اتفقا على مواصلة تلك المشاورات، وتأكيد رغبتهما في تحقيق تقدم بالموضوعات محل النقاش، والحاجة لاتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات البينية”.
وبنظرة أولية يمكن القول إن الشهور الأربعة التي فصلت بين جولتي الحوار لم تشهد اختراقاً مهماً على صعيد العلاقة بين الجانبين، كما أن مخرجات الجولة الثانية من الحوار تشي بشيء مشابه. لكن لعله من المفيد تقييم جولة الحوار بناء على سياقها وليس فقط مخرجاتها كشيء منفصل.
ذلك أن الطرفين قطعا طريقاً طويلة ضمت مراحل عديدة في طريق ترميم العلاقات شبه المقطوعة – دبلوماسياً – بينهما منذ ثماني سنوات. وقد بدأت هذه الطريق ببعض الإشارات في ليبيا وشرق المتوسط حيث صدّرت أنقرة رسائل تتعلق باحترامها حساسيات الأمن القومي المصري في ليبيا ورسّمت القاهرة حدودها البحرية مع اليونان في المتوسط بما لا يضر بمصالح تركيا بل يدعم سرديتها.
ثم استمر المسار بمرحلة تجنب إضرار الطرفين ببعضهما البعض على الساحة الدولية وفق تصريح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ثم بلقاءات على مستوى جهازي المخابرات، ثم بتواصل دبلوماسي. ثم جاءت خطوة “تأطير” الإعلام المصري المعارض في تركيا مقابل وقف الحملات الإعلامية المصرية ضد تركيا كبادرة حسن نية من الجانبين وربما لإظهار جديتهما في تحسين العلاقة. قبل أن تأتي أخيراً جولتا الحوار في كل من القاهرة وأنقرة، وقد أتت الثانية بعد المساهمة التركية في إجلاء البعثة الدبلوماسية المصرية من كابول حسب ما أورد موقع العربي الجديد.
في اليوم الأول من جولة الحوار، قال تشاووش أوغلو إن تبادل السفراء بين البلدين في نهاية الجولة ممكن. وهو التصريح الذي قابله نظيره سامح شكري بإبداء حرص بلاده على إيجاد حل وصيغة لإعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا، لكنه لم يبد بنفس درجة تفاؤل نظيره التركي حيث قال أيضاً إن هناك “المزيد من العمل الذي يتعين القيام به” رابطاً إحراز مزيد من التقدم بشعور مصر “بالرضا عن حل القضايا العالقة”.
من جانبه توقع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في لقاء قبل أيام مع شبكة بلومبيرغ، عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هذا العام في حال “تغلبت الدولتان على القضايا العالقة بينهما”، مؤكداً على أن القضية الأهم بالنسبة لبلاده هي ليبيا.
ولعل تصريحات مدبولي المشار لها هي الأقرب لتوصيف الآفاق المستقبلية بين الجانبين، فمقدار التحسن في العلاقات مرهون بمدى توافق البلدين في القضايا العالقة، وفي مقدمتها الأزمة الليبية. وهو ما يعني أن ليبيا قد تكون مفتاح التقارب بين الجانبين وقد تكون اللغم الذي يفجر المسار برمته.
لا تحدد تصريحات المسؤولين المصريين ما الذي يريدونه بالضبط من تركيا في ليبيا. مدبولي طالب بـ”عدم التدخل في ليبيا، وترك الليبيين” ليقرروا مستقبلهم بأنفسهم، لكنه يبقى تصريحاً فضفاضاً.
ذلك أنه إن كان المقصود المطالبة بخروج تركيا من ليبيا بشكل كامل ونهائي فذلك مما لن تقبله أنقرة بأي حال، ليس فقط لأهمية العلاقات مع ليبيا حالياً بالنسبة لها بما يتعلق بثروات المتوسط والتنافس الجيوسياسي في المنطقة، ولكن أيضاً لأنها لا ترى لأطراف ثالثة الحق في هذه المطالَبَة وتقول إن الطرف الوحيد المخول بطلب ذلك منها هو حكومة ليبية شرعية ومنتخبة تتحدث باسم الكل الليبي. وهو ما يعني أن انسحاباً تركياً قبل الانتخابات الليبية المقبلة، والمنتظر إجراؤها في نهاية العام، غير مرجح بل إن تركيا تراهن على رغبة الليبيين في استمرار دورها ووجودها هناك بعدها.
لكن في نهاية المطاف فتركيا حريصة على إبداء حسن النوايا تجاه مصر في ليبيا، وقد كانت أعلنت على لسان الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين عن احترامها للأمن القومي المصري في ليبيا. وبالتالي يمكن توقع بعض المقاربات التي يمكن أن تجمع الطرفين في ليبيا قبل الانتخابات وبعدها، إذا ما كان ذلك مرضياً للقاهرة. كما أن الأخيرة لا تملك أن تفرض على أنقرة شيئاً في ليبيا بعد التحولات الأخيرة في المشهد بعد التدخل التركي.
وأما ما يتعلق بالعلاقات البينية فليس هناك الكثير مما قد يشغب عليها، فالعلاقات التجارية لم تنقطع يوماً وثمة توقعات بنموّها وازديادها. كما أن موضوع المعارضة المصرية لن يشكل عقبة كبيرة في ظل الملفات الأكثر أهمية والتي يمكن للجانبين التفاهم حولها، وفي ظل إجراءات “حسن النوايا” التي سبق ذكرها، واستعداد الطرفين فيما يبدو للمزيد في هذا الصدد.
ولعل مما يدعم مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة حالة الحوار والتلاقي التي سادت بين مختلف الفرقاء الإقليميين، مثل مصر – قطر، قطر – السعودية وأخيراً تركيا – الإمارات. وهو ما يعني أن مسار الحوار ليس محصوراً بين تركيا ومصر ولكن يشترك به حلفاء الأخيرة وخصوصاً الإمارات، بمعنى أنه مسار بين أنقرة والمحور العربي – الإقليمي الذي يواجهها في السنوات القليلة الأخيرة.
وعليه، ختاماً، يمكن القول إن المسار القائم بين البلدين ما زال مستمراً في نفس الطريق الإيجابي، وإن أخذت كل خطوة بينهما وقتاً طويلاً نسبياً، ولعل من إشارات ذلك صدور بيان مشترك للطرفين بصياغات تختلف عما صدر بعد الجولة الأولى. وبالتالي يمكن توقع تعيين كل من البلدين سفيراً لدى الطرف الآخر قريباً، لكن أمر التوقيت سيكون رهناً بقضايا وملفات التفاوض بينهما.