محامون أتراك يرفعون قضية ضد قادة الجيش الأميركي.. هل تُغلق أنقرة قاعدة إنجرليك وتُنهي تحالفها العسكري القديم مع واشنطن؟
تقرير – عربي بوست
في مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، رفعت مجموعة من المحامين الأتراك دعوى بحق ضباط أميركان في قاعدة إنجرليك التركية، اتَّهمتهم بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة، في يوليو/تموز 2016.
ونشر معهد ستوكهولم للحريات -الذي يضمّ صحافيين أتراكاً مُبعدين من البلاد- وثائق نصَّت على أن المحامين يسعون لوقف كل الطّلعات الجوية المنطلقة من قاعدة إنجرليك الجوية، ودخولها بموجب مذكرة تفتيش.
ومع تفاقم الأزمة في العلاقات الأمريكية التركية، تباينت التحليلات والتفسيرات حول المُحرّك والدّوافع لهذا التحرّك.
وفي حديث لـ «عربي بوست»، رأى الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، أن هذه القضية ربما تكون محاولة لتحريك ملف قاعدة إنجرليك، في إطار الأخذ والرد بين البلدين، إلا أن مسألة القاعدة باعتقاده مسألة سياسية.
المحُامون مُقرّبون للحكومة
قُدِّمت الدَّعوى إلى مكتب المُدَّعي العام، في ولاية أضنة جنوبي تركيا حيث تقع قاعدة إنجرليك، وينتمي المُحامون الذين رفعوا الدَّعوى إلى جمعية تُدعى «جمعية الإغاثة والعدالة الاجتماعية».
وصف صحافيون أتراك مقيمون في المهجر هذه الجمعية بأنها منظمة غير حكومية، تُمثّل واجهةً لمسؤولين في الحكومة التركية.
طالب المُحامون الأتراك الذين رفعوا القضية باعتقال قادة سلاح الجو الأميركي، الذين يندرج تحت قيادتهم الجنود الموجودون في قاعدة إنجرليك، المُتَّهمون بالتورّط بمحاولة الانقلاب.
ومن بين هؤلاء القيادات، حسب ورقة مُسرَّبة عن الوثيقة حصل عليها «عربي بوست»، مجموعة من كبار قادة الجيش الأميركي، مثل الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية «سينتكوم»، والجنرال جون كامبل القائد السابق لقوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان.
هل تؤدي القضية لإغلاق القاعدة؟
استبعد الباحث سعيد الحاج، في حديث لـ «عربي بوست»، أن تؤدي هذه القضية إلى إغلاق قاعدة إنجرليك، لافتاً إلى أن اتخاذ مثل هذا القرار مسألة سياسية.
وأشار الحاج، إلى أن قرار الحكومة التركية في سبعينات القرن الماضي، إغلاق قاعدة إنجرليك في وجه القوات الأميركية، رداً على حظر السلاح من قبل الإدارة الأميركية كان قراراً سياسياً، وقالت الحكومة في حينها جملتها الشهيرة: «كل القواعد تركية».
وبعد عدة سنوات، اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، وحدث انقلاب عام 1980 في تركيا، لتعود العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، ويتم تخفيف العقوبات تدريجياً حتى انتهت بالكامل.
وضرب الحاج مثالاً آخر على مثل هذه القضايا، وهي قضية أسطول الحرية وسفينة مافي مرمرة، التي سقط فيها ضحايا أتراك على يد القوات الإسرائيلية، ولكن ما إن عُقِد اتفاق سياسي بين أنقرة وتل أبيب، حتى أُسقطت كل القضايا القانونية التي كانت ترفعها تركيا ضد إسرائيل.
هل يصل التوتر بين البلدين إلى العلاقات العسكرية؟
أشار الباحث في العلاقات الدولية نبيل برغال، لـ «عربي بوست»، أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ليست معنية مبدئياً بالتصعيد مع تركيا، خصوصاً بالنظر إلى وضع تركيا في المنطقة ومحاربة الإرهاب والضغط على إيران، وهي أمور تجعل تركيا تمثل قيمة استراتيجية للبنتاغون.
وذكر نبيل أن المصالح العسكرية بين البلدين أكبر من أن تمسّ بالإشكاليات بين البلدين، مشيراً إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد قطر في وقت سابق لم تكن متبوعةً بتحركات شبيهة من قبل البنتاغون.
وأضاف أن هناك عدة عوامل ترفع من قيمة العلاقات العسكرية بين البلدين، فمعظم تسليح الجيش التركي أميركي، كما أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي التي تجمعها بدولِه مصالح أمنية، إضافة إلى وجود مصالح في الملف السوري، خاصة مع قرب موضوع إدلب.
فالأتراك معنيون، حسب نبيل، بالحفاظ على الخطوط مع الأميركان، لإدراكهم لوجود ضغط من قبل الروس في قضية إدلب، الذي يهمهم فيه إيجاد نوع من التوازن بين الروس والأميركان ولملمة الأمور سريعاً، ولقاء السفير التركي في واشنطن بمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أمس تأتي في هذا الإطار.
ما أهمية قاعدة إنجرليك؟
يعود إنشاء القاعدة إلى بداية الحرب الباردة في عام 1951، حين بدأ الحلف العسكري والأمني بين البلدين بالتشكّل، فأنشأت واشنطن القاعدة، وشاركت تركيا بعد سنتين في الحرب الكورية إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة الأميركية.
قامت الولايات المتحدة في عام 1959 بتخزين أكثر من 500 قنبلة نووية من طراز B61، في قاعدة إنجرليك ضمن سياسة الردع مع الاتحاد السوفييتي، بقي منها الآن 50 قنبلة (وتصل بعض التقديرات إلى 90)، بعد أن تم استبدال القنابل القديمة بعدد أقل من القنابل المتطورة، التي يمكن حملها بطائرات F16، التي بدأت تركيا في نهاية الثمانينات بإنتاجها باتفاق مع الولايات المتحدة، وبطائرات F35 التي تنوي تركيا شراءها، وتشارك أيضاً في إنتاجها.
في السابق، انطلقت منها الطائرات الأميركية المشاركة في حرب الخليج الأولى، وتنطلق من القاعدة الآن طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم داعش، ما يُكسِبُها أهمية كُبرى في إحدى أعقد مناطق الصراع في المنطقة.