هل تسعى تركيا لصفقة إس400 مجدداً؟

هل تسعى تركيا لصفقة إس400 مجدداً؟

الجزيرة نت

بينما ما زالت تركيا تحاول تجنيب علاقاتها المضطربة مع الولايات المتحدة الأمريكية تأثيرات صفقة إس400 التي أبرمتها مع روسيا قبل سنوات، وما زالت تسعى لتخطي هذه العقبة مع واشنطن، أتت تصريحات جديدة من موسكو حول صفقة ثانية من المنظومة لتعقّد المشهد من جديد.

 

إس400

يعدُّ افتقار تركيا لمنظومة دفاعية ثغرة كبيرة تسعى لسدها بشتى السبل، وفي مقدمتها الاستعانة بالحلفاء ومحاولات الشراء على المدى القريب. ذلك أن الأدوار الإقليمية المتصاعدة لتركيا وانخراطها في السنوات القليلة الأخيرة في عدد من النزاعات بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي مقدمتها الأزمة السورية والتوتر في شرق المتوسط، دفعها للعمل على تحصين نفسها من أي اعتداء خارجي.

كان خيار أنقرة الأول حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد نشر الحلف فعلاً بطاريات باتريوت على الأراضي التركية، لكنه لاحقاً سحبها بدعوى انتفاء الحاجة لها على عكس رغبة أنقرة التي كان لها تقييم آخر، لا سيما وأن ذلك تزامن مع الأزمة التركية – الروسية إثر إسقاط المقاتلة سوخوي.

في المقابل، سعت تركيا مراراً لشراء صواريخ باتريوت أو منظومة دفاعية أخرى من عدد من أعضاء الناتو في مقدمتهم الولايات المتحدة، لكن محاولاتها باءت بالفشل، إثر مماطلة هذه الأطراف أو عدم الاتفاق معها على التفاصيل المالية والفنية واللوجستية. وفي 2013، اتفقت تركيا مع الصين لشراء منظومة دفاعية، لكنها تراجعت عنها لاحقاً بسبب ضغوط الناتو عليها، وربما مع وعود ضمنية ببيعها منظومة “أطلسية”.

لدى عدم حصول ذلك، ومع استمرار الحاجة التركية لمنظومة دفاعية، لجأت أنقرة للاتفاق مع روسيا على شراء منظومة إس400، وقد أبرمت الاتفاق في 2017، وأتمت حتى عام 2020 استلام المنظومة واختبارها استعداداً لتشغيلها، وهو ما لم يحصل حتى اليوم.

فقد أدت الصفقة لتوتر كبير مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من نتائجها تجميد مشاركتها في مشروع مقاتلات إف35 ثم إخراجها منها، وبعض العقوبات التي طالت وزراء ومسؤولين في الصناعات الدفاعية التركية، مع تهديد بعقوبات إضافية. دفع ذلك أنقرة إلى البحث عن خيارات بديلة، بما في ذلك تبطيء الخطوات التي تلت استلام المنظومة، ثم تأجيل تفعيلها تذرعاً بجائحة كورونا، فضلاً عن عرض تشكيل لجنة تركية – أمريكية مشتركة للتأكد من مدى إضرار المنظومة بالأسلحة الأمريكية والأطلسية (الادعاء الأمريكي) واستعدادها لشراء منظومة باتريوت من واشنطن.

 

التصريح الروسي وصمت أنقرة

ساهم لقاء أردوغان – بايدن على هامش قمة الناتو الأخيرة في بروكسل وتوافقهما على استمرار دور تركيا في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي في تهدئة التوتر بين الجانبين إلى حد كبير. وقد رصدت بعض التقارير الإعلامية بعض المؤشرات الإيجابية على صعيد العلاقات بين الجانبين، ومن بينها عدم انتقاد الولايات المتحدة استهداف أنقرة لقوات سوريا سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا.

في هذا السياق الإيجابي للعلاقات بين أنقرة وواشنطن أتى التصريح الروسي الجديد. حيث قال المدير العام لشركة الصادرات العسكرية الروسية (روس أوبورون إكسبورت) أليكسندر ميخيف إن بلاده قطعت شوطاً مهماً في المفاوضات مع تركيا بخصوص صفقة ثانية من منظومة إس400 و”قد ننهي المشروع في الأشهر المقبلة”.

اللافت أن تصريحاً أو موقفاً رسمياً تركيا لم يصدر للتعقيب على هذه التصريحات، بينما نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني عن مصدر تركي لم يسمّه إن تركيا “ليست جاهزة” حالياً لصفقة ثانية من المنظومة الروسية، ونقلت دويتشه فيله الألمانية عن مسؤول آخر إنه “لا جديد” بخصوص الصفقة المفترضة.

التصريح الروسي بهذا الاتجاه ليس جديداً، بل تابعنا خلال السنتين الماضيتين عدداً من التصريحات الروسية حول “الصفقة الثانية” من إس400، خصوصاً وأن ما أعلن رسمياً من الجانبين في 2017 أن الاتفاق تم حول صفقتين تتكون كل منهما من منظومتَيْ إس400.

في حزيران/يونيو 2020، قال رئيس الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري – التقني ديميتري شوغايف إن تقدماً قد أحرِز في موضوع الصفقة الثانية وإن “روسيا تنتظر قرار تركيا”. وفي آب/أغسطس من العام نفسه، أعلن ميخيف أن بلاده “وقعت اتفاقاً مع تركيا” لشراء صفقة ثانية من إس400 بانتظار الاتفاق النهائي على التكلفة المالية، دون أن يصدر موقف تركي رسمي بهذا الخصوص. وفي نهاية العام الفائت كرر مسؤول عسكري روسي آخر أن بلاده بانتظار قرار أنقرة.

وحين سئل الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في آذار/مارس 2021 عن الأمر، أجاب بأن الإجراءات المتعلقة بالصفقة الأولى لم تنته، وإن كل ذلك “جزء من نفس العملية، والأمور المتعلقة بالمحطات المختلفة للاتفاق مستمرة”.

 

صفقة ثانية؟

حسناً، هل ستذهب تركيا لصفقة إس400 ثانية؟ لعل إجابة كالين السابقة تكتنز الإجابة، ولكنها تحتاج لبعض التفكيك والشرح.

على صعيد الحاجة، ما زالت أنقرة تريد منظومات دفاعية حيث إن الصفقة الأولى التي شملت منظومتين لا تغطي كل حاجتها. ومن حيث المبدأ فقد اتفقت سابقاً مع موسكو على دفعتين وليس دفعة واحدة من إس400 كما سبق ذكره، بل إن الجانبين في حالة تفاوض مستمرة فيما يبدو بخصوص الصفقة. لكن ذلك لا يعني أنها تسعى اليوم على المستوى العملي وكذلك على صعيد التوقيت لتنفيذ صفقة جديدة مع موسكو.

فمن جهة، ما زالت أنقرة لم تصل لنتيجة في مساعيها لتجنب العقوبات الأمريكية وإقناع واشنطن بتخطي عقدة المنظومة الروسية في علاقاتهما الثنائية، وبالتالي من غير المتوقع أن تضيف أنقرة عامل توتر إضافي في هذا الصدد.

ومن جهة أخرى، لم تعمد تركيا حتى اللحظة لتفعيل المنظومة الأولى على أراضيها، ومن غير المرجح أن تفعّل أي منظومات إضافية قبل أن تحل الأمر مع الولايات المتحدة. بل إن ذلك عرّض الحكومة لانتقادات المعارضة التي رأت بأنها صرفت 2.5 مليار دولار على منظومة لم تستفد منها بعد.

في المقابل، فإن ورود التصريحات جميعها من الطرف الروسي وبشكل متواتر يشير إلى هدف روسي ضمني أو محتمل على أقل تقدير، وهو توتير العلاقات التركية – الأمريكية الآخذة في التحسن مؤخراً. “تسميم العلاقات” بين أنقرة وواشنطن مصطلح بات يُستخدم كثيراً مؤخراً في الإعلام التركي لوصف التصريحات الروسية المقصودة. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الخلافات التي دبت بين الولايات المتحدة وتركيا، القوتين الأولى والثانية في الناتو، في السنوات الأخيرة مصلحة استراتيجية روسية سعى لها بوتين باحترافية وحققها بنجاح على مدى السنوات القليلة الماضية.

ومن زاوية أخرى، فإن استمرار تركيا في مفاوضاتها مع روسيا وتواتر التصريحات الروسية قد يفيد كورقة ضغط لأنقرة في مفاوضاتها مع واشنطن، خصوصاً وأن بعض الأصوات في واشنطن وبروكسل تعترف بأن تنكر حلفاء الناتو لتركيا هو السبب الرئيس لتوجهها نحو روسيا.

أخيراً، ثمة من يرى بأن تركيا أخطأت خطأ كبيراً بشرائها المنظومة الروسية من باب أنها جزء من التحالف الغربي وأن خصومها المفترضين بالتالي ليسوا من الناتو، وبالتالي فهي اشترت المنظومة بلا جدوى. غير أن ذلك غير دقيق، رغم الإقرار بأن الصفقة كانت مغامرة كبيرة وعرضتها لضغوط ربما لم تكن في حسبانها. ذلك أن التوتر المستمر بدرجة أو بأخرى في شرق المتوسط يقول بأن تركيا قد تحتاج للمنظومة في أي مواجهة محتملة مع طرف “غربي”، وهو اليونان في هذه الحالة ومن يقف إلى جانبها.

لكن ذلك أيضاً لا يعني أن المنظومة الروسية ستكفي تركيا بشكل كامل، فلديها أيضاً خصومها في الطرف الآخر وعلاقاتها مع موسكو ليست مستقرة دائماً. ولذا فربما كانت تركيا جادّة فعلاً في رغبتها بمنظومة باتريوت إضافة للـ إس400 وليس فقط لامتصاص غضب واشنطن، لكن ذلك يفرض عليها تحديات إضافية، سياسية ولوجستية وفنية، حول إمكانية ثم كيفية الجمع بين النقيضين على أراضيها وبقرار ذاتي مستقل منها، بينما تستمر الضغوط المباشرة وغير المباشرة عليها من الطرفين.

وبالتالي، فليس من المتوقع أن تسارع تركيا حالياً لصفقة إضافية من إس400 قبل أن تصل لاتفاق ما مع الإدارة الأمريكية يجنبها أزمة إضافية معها. لكن هذا التوجه قد يُعدَّل في أي لحظة، بين يدي أي تطورات مفاجئة أو غير مرغوب بها في بعض الملفات الإقليمية، وخصوصاً ملف شرق المتوسط، حيث إن حاجة تركيا للمنظومة بشكل عملي وملحٍّ في أي وقت سيحسم الأمر بشكل نهائي.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

هل ستتبادل تركيا ومصر السفراء؟

المقالة التالية

قمة بوتين - أردوغان: ما الجديد؟

المنشورات ذات الصلة