هل الأحزاب الجديدة في تركيا شر محض؟

 

هل الأحزاب الجديدة في تركيا شر محض؟

عربي 21

 

لا يختلف اثنان على أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002 والذي تغلب على تحديات كثيرة على مدى أعوام حكمه يواجه اليوم تحدياً مختلفاً عن كل ما سبق. ذلك أن تأسيس أحزاب جديدة ترأسها وتشارك بها قيادات سابقة فيه أمر محتمل التأثير في وحدة الحزب وتماسكه من جهة وفي قاعدته الجماهيرية من جهة أخرى.

لا شك بأن العدالة والتنمية سيبقى الأقوى على الساحة التركيةحتى بعد تأسيس هذه الأحزاب، في ظل وجود اردوغان على رأسه، لكن الأخيرة مرشحة للسحب من رصيده الجماهيري والانتخابي بنسبة قد تقل أو تكثر، بسبب الخلفية المشتركة معه والسير الذاتية الناجحة لقياداتها إضافة لمنحى التراجع النسبي للحزب في السنوات الأخيرة.

ولعل تأسيس هذه الأحزاب “الشبيهة” نوعاً ما بالحزب الحاكم مما قد يسرّععملية تراجع الأخير شعبياً وجماهيرياً، خصوصاً إذا ما لم ينجح في إقناع الناخبين بصدقية تجاوبه مع رسائلهم في صناديق الانتخابات وتقديم رسالة تغيير وتطوير حقيقية.

بهذا المعنى، تكون الأحزاب الجديدة، حزب المستقبل الذي يرأسه أحمد داودأوغلو والحزب الذي يُنتظر أن يعلنه علي باباجان وربما غيرهما، من العوامل التي تساهم في إضعاف العدالة والتنمية دون أن تضمن أن تحكم هي بسب حضوها المتواضع حالياً لأسباب عديدة، ما يُحتمل أن يصب في مصلحة المعارضة. ذلك أن الأخيرة قد وحدت جهودها مؤخراً في تحالف “الأمة” أو “الشعب” بينما انقسم في الجهة المقابلة حزب الحركة القومية حليف العدالة والتنمية واليوم تساهم الأحزاب الجديدة في تقسيم الكتلة الجماهيرية التي تقف خلف الأخير.

هذه هي النظرة السائدة عند الكثيرين داخل تركيا وخارجها، والذين يعتبرون الأحزاب الجديدة خطراً كبيراً وشراً محضاً على تركيا والعدالة والتنمية والإسلاميين في تركيا، وأنها تهدم مسار 17 عاماً من الإنجازات.

وهو تخوف له ما يبرره بالتأكيد وله وجاهته البادية، لا سيما في ظل ما شهدته الساحة السياسية التركية مؤخراً من تراشقات إعلامية وتبادل للاتهامات. ما يعني أن تأسيس الأحزاب الجديدة قد يؤدي إلى مسار خلافي يتعمق أكثر فأكثر بين القيادات السابقة للعدالة والتنمية وقيادتها الحالية وعلى رأسها الرئيس اردوغان، بما قد يفتح ملفات ويشير إلى أخطاء المذكورونَ في غنى عنها، وسيكون أكبر المستفيدين منها – مجدداً – المعارضة وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري.

بيد أن هذا التقييم أو التخوف لا يخلو من مبالغة من باب الحرص أو كونه نظرة من زاوية واحدة، حيث يتجاهل سياقات إيجابية محتملة قد تساهم بها تلك الأحزاب، على صعيد تركيا والحياة السياسية فيها وحتى الإسلاميين بل ربما لصالح العدالة والتنمية نفسه.

ففي المقام الأول، وبغض النظر عن أن تأسيس حزب حق لكل سياسي أو مجموعة من الناس وأنه بالمعنى العام إثراء للحياة السياسية من حيث المبدأ، فإن حالة التنافس التي سيقود لها عمل الاحزاب الجديدة على قاعدة العدالة والتنمية التصويتية ستدفع الأخير بلا شك لمحاولة التعديل والتطوير ومعالجة مسار الترهل والتراجع الذي يصيب الأحزاب التي تحكم طويلاً، لا سيما وأن المعارضة التركية في عمومها ضعيفة ولا تشكل تهديداً حقيقياً له. ومن البديهي أن ذلك سيصب أولاً في صالح الحزب الحاكم وأخيراً وحتماً في صالح المواطن.

كما أن الأحزاب الجديدة ستقدم لأنصار العدالة والتنمية بدائل قريبة منه أو شبيهة به، ما سيقلل من عزوف هذه الشريحة المجتمعية عن المشاركة في الانتخابات، بل ولعلها – وخصوصاً حزب باباجان المنتظر – ستكون قادرة على السحب من رصيد المعارضة كذلك ولا سيما الحزب الجيد الذي يقدم نفسه ممثلاً ليمين الوسط في تركيا وهي نفس المساحة التي يستهدفها فريق باباجان.

ثالثاً، ليس من المقطوع به أن الأحزاب الجديدة ستكون في صف المعارضة، فالتحالفات الانتخابية في البلاد في حالة دينامية متبدلة دائماً وفق معطيات كل منافسة انتخابية على حدة. بما يعني أنه يمكن للأحزاب الجديدة أن تنسج تحالفاً مع العدالة والتنمية في المستقبل، وهو ما ألمح له باباجان نفسه أو وضعه كاحتمال قائم على أقل تقدير.

رابعاً، حتى لو انضمت الأحزاب الجديدة لتحالف المعارضة أو شكلت تياراً معارضاً لوحدها، ستكون لها مواقف داعمة للرئاسة والحزب الحاكم فيما يتعلق بالقضايا الكبرى ومصلحة البلاد والأمن القومي تحديداً، وهو ما حصل مع الحزب الجيد المنشق عن الحركة القومية مثلاً.

خامساً،  إذا ما قدر لهذه الأحزاب دخول البرلمان – وهو احتمال كبير في ظل قانون التحالفات الانتخابية – فسيكون ذلك إثراءً للعمل تحت قبة البرلمان، ما قد ينتج عنه مقترحات ومشاريع قوانين إضافية على العدالة والتنمية )وقد أعلن حزب المستقبل الذي يقوده داودأوغلو عن نيته إنشاء “حكومة ظل” تقترح حلولاً بديلة للقرارات الحكومية( وهو ما قد يساهم في إعادة تشكيل عقل جمعي للبلاد بطريقة مختلفة.

سادساً، ستكون الأحزاب الجديدة اختباراً للقيادات السابقة في العدالة والتنمية، بحيث يكون فشلُها تثبيتاً لخيارات الأخير وقيادته ونجاحُها فرصةً لتقديم شخصيات قيادية عديدة للسياسة التركية، وهو أمر إن لم تُلمس نتائجه وآثاره اليوم فإنها ستكون أوضح وأعمق أثراً في مرحلة ما بعد اردوغان وتصب في مصلحة التيار الإسلامي والمحافظ على وجه الخصوص.

أخيراً، فإن كل ما سبق يتناول السلبيات والإيجابيات المفترضة والمحتملة للأحزاب الجديدة في تركيا من زاوية أثرها على العدالة والتنمية كحزب وعلى العمل تحت قبة البرلمان، وهي كلها سياقات غير مؤثرة بشكل جوهري ودراماتيكي على الحياة السياسية التركية واستقرارها باعتبار أن البلاد باتت تُدار وفق النظام الرئاسي. يعني ذلك أنه مهما تراجع الحزب الحاكم أو ضعف، فإن ذلك لن يؤدي لتغيرات كبيرة في المعادلة السياسية الداخلية طالما بقيت الرئاسة في يد اردوغان – أقوى المرشحين وأبرزهم اليوم وفي المستقبل – أو شخصية أخرى من نفس التيار أو قريبة منه في التوجهات والأفكار، من العدالة والتنمية أو من غيره من الأحزاب.

وبالتالي فإن المخاوف الكبيرة على الإسلاميين/المحافظين وتجربتهم السياسية وعلى تراكم إنجازات العدالة والتنمية حتى اليوم قد لا تكون دقيقة وإن كانت متفهَّمَة. وفي المحصلة، يبقى لكل حدث سياسي سلبياته وإيجابيته التي يكاد يستحيل الجزم لأيها ستكون الغلبة وميلان كفة الميزان، إذ ذلك مرتبط بعوامل وفواعل عديدة ليس كلها ولا حتى جلُّها واضح المعالم تماماً في اللحظة الراهنة.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

ما حجم الدعم العسكري التركي لحكومة ليبيا؟ وكيف سيؤثر على الميدان؟

المقالة التالية

اردوغان في تونس: دلالات التوقيت

المنشورات ذات الصلة