في صغري، قرأت في إحدى الجرائد الساخرة موضوعاً ناقداً ساخراً بعنوان: “مناظر مؤذية” تناول بعض النماذج البشرية لأناس بعضهم يدعي الذكاء، وآخرون يثرثرون كثيراً، وثالث منتفش على خواء فكري، أو رابع مدعٍ لامتلاك المعرفة ويتحدث في كل شيء وإذا سألته عن مصادر معلوماته قال لك بثقة: “ولو، أنا بعرف”، وغيرها من النماذج.
وعلى الساحتين الاجتماعية والسياسية -فلسطينياً وعربياً- ما يغري بكتابة مجلدات تحت نفس العنوان، خاصة في هذه الأيام التي استعرت فيها حمى الانتخابات المصرية، والجرائم في سوريا، وادعاءات المصالحة في بلد كان يدعى في يوم من الأيام فلسطين.
ورغم أني أجّلت الكتابة حول الأمر كثيراً، إلا أنني قررت الآن أن أسرد بعض النماذج من مواقف أراها مؤذية (للأمانة والشفافية في ذهني لفظ آخر، ولكني أردت الاستعانة بما يمكن نشره دون جرح مشاعر القراء).
موقف رقم 1
مؤذٍ ومؤلمٌ في نفس الوقت أن لا يكون في الإسلام ولا تاريخه أي إشارة إلى “الدولة الدينية” التي يحكم فيها علماء الدين باسم الرب كما حصل في أوروبا في العصور الوسطى، وأن لا يتكلم بها أو يدعو إليها أي من الأحزاب “الإسلامية” أو مرشحيها، حتى أولئك الذين يوسمون بالتزمت فضلاً عن المعتدلين، ثم تجد السؤال متكرراً في كل لقاء أو مقابلة، ورغم نفيهم لهذا الأمر مبدءاً ونظرية وتفكيراً وتطبيقاً، وتأكيدهم أن ما ينادون به ويدعو إليه الإسلام هو دولة مدنية بمرجعية إسلامية (أي عين ما يطلبه الآخرون، مع تحديد المرجعية)، إلا أن السؤال يظل مسلطاً على الرقاب والنوايا، والعنوان واحد: “الشعب المصري خائف من الدولة الدينية” أو “مريدو الدولة المدنية في مقابل مريدي الدولة الدينية”.
عنزة ولو طارت !!!
موقف رقم 2
مؤذٍ جداً أن يتقبل بعض الناس فكرة عودة نظام جربوا ظلمه وفساده لحوالي 60 سنة (على الأقل الثلاثين سنة الأخيرة) فقط نكاية بتيار سياسي منافس. وتجدهم مقتنعين تماماً بالطريقة التي سيحكم بها الإخوان (لو حكموا)، بدون أدنى دليل من أقوالهم أو أفعالهم، ودون أن يكونوا قد قدموا نموذجاً مشابهاً من قبل (إذ لم يحكموا ولا حتى نقابة)، ويخوفوا الناس من تمسك الإخوان بالسلطة والاستفراد بها، وعندما تقول لهم أن “الفريق” سيفعل ذلك وأكثر (وقد هدد بذلك فعلاً)، يردون عليك بأن الثورة غيرت الشعب المصري حيث لن يستطيع أحدٌ الاستفراد بالسلطة أو ظلم الشعب بعد الآن.
أنا وابن عمي .. والصديق والجار والغريب والعدو ودود الأرض على أخي !!!
موقف رقم 3
مؤذٍ وغريبٌ إلى أبعد الحدود أن يكون من حق من لم ينتخبه الشعب نائباً عنه ولم يحصل في انتخابات الرئاسة بعد اكثر من سنة من الدعاية حتى على 30 ألف صوت (عدد التوكيلات التي قدمها المرشحون لقبول ترشحهم) أن يتكلم باسم الشعب والثورة، ولا يملك تيار حصل على 47% في البرلمان و24% في الجولة الأولى من الرئاسة (المركز الأول) أن يفعل ذلك. وحين يتكلم في أي أمر يقال أن هذا رأي ومصلحة الجماعة وليس الشعب، ويستمر هؤلاء “النخبة” في إسداء النصائح للإخوان في كيفية إرضاء الشعب والحصول على أصواته وتحذيرهم من تدني شعبيتهم.
ويؤثرون على أنفسهم .. ولو كان بهم بجاحة !!!
موقف رقم 4
مؤذٍ ومستهجنٌ أيضاً أن تكون فصيلاً فلسطينياً تعلن أن هدفك هو تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ثم لا يكون نصيب هذا الأخير في نشرياتك إلا القليل القليل، بينما تركز أكثر من 90% من منشوراتك ومقالاتك ومختاراتك الإعلامية على أخطاء فصيل فلسطيني آخر(بعضها حقيقي واقع وبعضها متخيل مفترض). وغريبٌ أن تدّعي الحيادية إزاء الانقسام الفلسطيني وتلوم على ذلك “الطرفين”، لكنك حين تأتي على ذكر الوقائع والأسماء لا نرى إلا اتهاماً واجتراءً على احدهما دون الآخر. والأنكى من ذلك كله أن تخصص جزءاً غير يسير من أدبياتك ومختاراتك الإعلامية لمهاجمة تيار معين في الانتخابات المصرية (دون غيره من التيارات، ولا حتى النظام السابق وفلوله) فقط لأنه تيار إسلامي تراه امتداداًَ أو أصلاً لمن تراه منافساً لك (أو ربما عدواً) في الساحة الفلسطينية.
اللي ما بشوف من الغربال .. بيكون مش حابب يشوف هالشوفة !!!
موقف رقم 5
مؤذٍ حَدَّ الدهشةِ أن تمد التيارات الإسلامية التي حصلت على نسبة عالية في الانتخابات في أغلب البلدان (المغرب وتونس ومصر وحتى فلسطين من قبلهم جميعاً) يدها لجميع القوى بهدف التعاون والتنسيق، ويُرفض ذلك في أحيان كثيرة بحجة أنهم يريدون الاستئثار بالسلطة. وأن ترى الرموزَ الوطنية والقومية واليسارية (سياسيين ومفكرين وأدباء وفنانين) متواجدةً في أنشطة وأدبيات الحركات الإسلامية أو مهتماً ومحتفَلاً ومستشهَداً بها في الصفحات والنشرات المختلفة، بينما لا تكاد هذه التيارات –في معظمها- تعرف عن الحركات الإسلامية إلا ما يقدح بها أو يُفترَى به عليها (باعتبارهم ظلاميين)، ثم يكون الحديث عن “الانغلاق ورفض الآخر” لدى الإسلاميين.
رمتني بدائها .. واتّهَمَتْ
موقف رقم 6
مؤذٍ جداً (ربما أكثر من كل ما سبق) أن ترى من بعض الإسلاميين تسابقاً وتنافساً على التواجد الإعلامي والخطابي أكثر من التواجد الدعوي والخدماتي، وأن تجد أحاديثهم أكثر من أعمالهم، وأن يحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وفي حين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (… حتى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صدّيقاً) تجد بعضهم يفعل كل ما يمكنه ليُكتب “عند الناس” كذا وكذا. وفي حين تجد الأعداء وأصحاب الأفكار الهدّامة ينشطون ويصلون الليل بالنهار للترويج لأفكارهم، تجد بعض أولئك الدعاة قد اثّاقلوا إلى الأرض ورضوا بالراحة، ناسين أن الأهداف الكبيرة لا تُبْلغُ إلا بتقديم الكثير من السوائل على رأسها الدمع والعرق والدم.
غاية ما يحتاجه الباطل لينتصر .. أن يقف أنصار الحق مكتوفي الأيدي يتفرجون !!!