من سينافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

من سينافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

الجزيرة نت

على بعد سنة تقريباً من الاستحقاق الانتخابي في تركيا، تعيش البلاد أجواء الانتخابات بكل أبعادها من تنافس واستقطاب ومناكفات ومناوشات سياسية وإعلامية، لكن يبقى هناك سؤال بالغ الأهمية لم يجد إجابة شافية له: وهو من سيترشح مقابل الرئيس التركي هذه المرة.

 

 

انتخابات مختلفة

مع مرور الوقت، تتراجع حظوظ الانتخابات المبكرة في تركيا، فما زال حزب العدالة والتنمية الحاكم بانتظار ثمار سياساته الاقتصادية التي يقول إنها ستبدأ بالظهور بشكل ملموس في الربع الأول من العام المقبل. يجعل ذلك إجراءَ الانتخابات هذا العام أمراً غير مرجّح، إذ يفضّل الحزب إجراءها في ظروف اقتصادية أفضل لتحمل رسالة للناخب بأن السياسات الحكومية بدأت تؤتي أكلها وتخفف عنه الأعباء اليومية.

ولذلك، وفي غياب أي تطورات مفاجئة – كأزمة اقتصادية تجعل المستقبل أسوأ من الحاضر مثلاً – لا يتوقع أن تُبكّر الانتخابات كثيراً فتبقى على موعدها في حزيران/يونيو المقبل ، اللهم إلا احتمال تبكيرها بضعة أسابيع لتجنب موسم الصيف والإجازات حرصاً على أوسع مشاركة ممكنة في الاستحقاق.

من البديهي القول إن الانتخابات الرئاسية أهم بمراحل من البرلمانية، من جهة لأن البلاد تحكم بنظام رئاسي، ومن جهة ثانية لأن الرئيس أردوغان نفسه هو مناط الاستقطاب الرئيس في هذه الانتخابات وحوله تنقسم الآراء وتتبلور التحالفات والتحالفات المضادة. تجرى هذه الانتخابات في أجواء مختلفة بالكلية عن المنافستين السابقتين، 2014 و2018 اللتين شارك ثم فاز بهما الرئيس أردوغان بسهولة لافتة ومن الجولة الأولى.

فهي ستُنظّم وفق منظومة تحالفات مختلفة هذه المرة، إذ أن تحالف “الشعب” المعارض الذي خاض الانتخابات السابقة ضم إليه حزبين جديدين ليشكّل “طاولة الستّة” التي تنسق للعودة بالبلاد للنظام البرلماني. ومن جهة أخرى، فقد تشظت الأحزاب الكبيرة بما فيها العدالة والتنمية والشعب الجمهوري وخرج من عباءتها أحزاب جديدة لكن هذه المرة برئاسة شخصيات قيادية كبيرة سابقاً في الحزبين والحكومة، وتحديداً رئيس الوزراء (ورئيس حزب العدالة والتنمية) السابق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان والمرشح الرئاسي في 2018 محرم إينجة.

كما أنها ستجرى في ظل تراجع شعبية العدالة والتنمية بشكل ملحوظ، لما سبق ولأسباب أخرى، وكذلك تراجع التأييد لأردوغان وإن بنسبة أقل بطبيعة الحال. فضلاً عن التأثير الكبير للمشاكل الاقتصادية على المشهد السياسي الداخلي والحملات الانتخابية وآراء الناخبين بشكل لافت.

وأخيراً، هي مختلفة لأن هناك احتمالاً أكبر هذه المرة أن تجتمع بعض أحزاب المعارضة على مرشح توافقي لمنافسة أردوغان، وهو أمر – إن حصل – سيزيد من فرصه في المنافسة وربما الفوز. عدد كبير من استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً، والتي تصلح للاستئناس وليس للجزم بالنتائج، تظهر بشكل واضح أن اسم المرشح المنافس لأردوغان (وبالتالي حزبه وخلفيته وأفكاره) له دور كبير في تحديد فرصه في المنافسة.

ولذلك، فقد طرحت حتى الآن عدة أسماء محتملة لمنافسة الرئيس التركي، في مقدمتها زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، والرئيس الأسبق عبدالله غل، ورئيس المحكمة الدستورية العليا السابق هاشم كيليتش، وبعض القيادات السياسية الأخرى، وشخصيات غير حزبية عديدة.

 

من سينافس أردوغان؟

لدى الحديث عن المرشحين المحتملين لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تتجه الأنظار والنقاشات عادة للمعارضة التقليدية، وتحديداً حزب الشعب الجمهوري وللتحالف المعارض أو “طاولة الستّة” كما يطلق عليها حالياً، لكنهما ليسا المصدر الوحيد للمنافسين.

بعض الأحزاب الأخرى ليست منضوية تحت الإطار السداسي الذي يجمع أحزاب المعارضة الكبرى وليس مرجحاً أن تنضم له قبل الانتخابات، ولذلك فمن الأرجح أن تقدم مرشحها الحزبي الذاتي. وفي مقدمة هذه الأحزاب الشعوب الديمقراطي الذي يواجه خطر الحظر بسبب دعوى مرفوعة ضده أمام المحكمة الدستورية، وكذلك حزب “البلد” برئاسة محرّم إينجة الذي سيقدم الأخير غالباً كمرشح رئاسي.

فيما يتعلق بالمعارضة التقليدية أو “طاولة الستة”، ثمة مساران محتملان، القدرة على التخندق خلف مرشح توافقي تدعمه هذه الأحزاب، أو الذهاب للانتخابات بعدة مرشحين.

نظرياً يبدو تقديم مرشح توافقي خياراً منطقياً للمعارضة إذ يعظّم من فرصها في الفوز، لكن هذا المنطق تحديداً هو السبب الرئيس لعدم قدرتها حتى اللحظة على التوصل لمرشح توافقي، بل سيمنعها على الأغلب من التوصل له على الإطلاق.

فأحزاب المعارضة الستة تأتي من خلفيات ومشارب متنوعة وأحياناً متناقضة، ويجمعها في الأساس منافسة أردوغان وفكرة العودة للنظام البرلماني، لكن هذا لم يجسر حتى اللحظة فجوة الثقة القائمة بينها. وفي ظل أن أي مرشح توافقي سيكون ذا فرصة مقبولة للمنافسة والفور وتحت نظام رئاسي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة جداً من الصعب تحديدها من قبل البرلمان و/أو القضاء، فإن الحرص يصبح سيد الموقف بين هذه الأحزاب بحيث لا ترغب في أن تكون مجرد جسر لوصول أحدها – عبر مرشحه – للرئاسة بكل هذه الصلاحيات ليتنكر لاحقاً – كاحتمال قائم – لكل المسار السابق.

ولهذا السبب، فلن يكون بالإمكان تقديم اسم سياسي بارز، وخصوصاً رؤساء الأحزاب، كمرشح توافقي للمعارضة، إذ سيعني ذلك فوز أحد الاحزاب لا كل المعارضة، وهو السبب الرئيس لمعارضة الأحزاب الخمسة الأخرى رغبة رئيس الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو ترشيح نفسه باسمها.

ومن جهة ثانية، فقد تراجعت اليوم حظوظ معظم الأسماء المعروفة المتداولة للمنافسة، وفي مقدمتهم كليتشدار أوغلو نفسه الذي يرى الكثيرون ومنهم حلفاؤه أن حزبه (الشعب الجمهوري) وطائفته (علوي) وتاريخه (رئاسته السابقة لمؤسسة الضمان الصحي) تقف حائلاً أمام إمكانية فوزه. ومثله رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي قدّم أداء ضعيفاً وخطاباً فوقياً في أكثر من حدث وأزمة ألمت بالمدينة خلال الأشهر المنصرمة، لدرجة أن وسائل إعلام معارضة كانت إلى جانبه وجهت له انتقادات حادة مؤخراً على هامش السيول التي طالت المدينة.

الخيار الآخر ضمن هذا المسار هو تقديم شخصية مغمورة لا طموح سياسياً لها، وتحديداً اسم “تكنوقراط” من داخل بيروقراطية الدولة غير منحاز سياسياً بشكل لافت لأحد الاحزاب. هذا الطرح موجود على “طاولة الستة” بحيث تقدم شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب الستة، وتوقع معه تعهدات مسبقة حول كيفية إدارة البلاد – بمساعدتها ومشاركتها – في حالة الفوز في إطار فترة انتقالية للعودة لاحقاً للنظام البرلماني.

تحديات هذا المسار تمكن في إمكانية إيجاد شخصية مستقلة فعلاً وعلى نفس المسافة من كل الأحزاب، لكن في ذات الوقت معروفة وقادرة على منافسة أردوغان، فضلاً عن ضمان عدم تبديل الموقف بعد نتائج الانتخابات في حال فازت.

وأما السياق الثاني فهو عدم الرغبة أو القدرة على تقديم مرشح توافقي، ما سيعني عدداً كبيراً من المرشحين المنافسين لأردوغان. السبب الرئيس لذلك، إضافة لعامل ضعف الثقة الذي تقدم شرحه، مصلحة الأحزاب – لا سيما الجديدة والصغيرة منها – في تقديم مرشحها الذاتي، إذ يخدم ذلك فرص الحزب نفسه في الانتخابات البرلمانية.

ولذلك، فقد أعلن رئيس حزب المستقبل أحمد داودأوغلو عن نيته الترشح للرئاسة “إلا إذا اتفقت طاولة الستة على مرشح توافقي”، وقال حزب الديمقراطية والتقدم إنه سيخوض الانتخابات بشكل منفرد وباسمه وشعاره “مع استمرار التزامه بطاولة الستة”، وهكذا. حتى ميرال أكشنار، رئيس الحزب الجيد، والتي طالما رددت أنها لن تترشح للانتخابات الرئاسية – كما في 2018 – لرغبتها في أن تكون “رئيس الوزراء في ظل النظام البرلماني المقبل”، ثمة أحاديث باحتمال ترشحها بعد تراجع فرص كمال كليتشدار أوغلو، كمرشح توافقي أو باسم حزبها.

كون الانتخابات الرئاسية ستحتاج على الأغلب لجولة إعادة هو أكثر الأمور التي تجعل رؤساء الأحزاب، لا سيما الكبيرة منها، تتشبث بالترشح، رغبة من كل منهم في أن يكون هو المرشح الذي سينافس أردوغان في الإعادة وسعياً لأصوات أحزاب المعارضة جميعها في مواجهته لضمان الفوز.

في الخلاصة، يبدو المشهد ضبابياً في أوساط أحزاب المعارضة فيما يتعلق بالمرشحين المحتملين لمنافسة الرئيس التركي. صحيح أن البعض يرجع ذلك إلى استراتيجية مقصودة لعدم منح أردوغان فرصة زمنية كافية لمهاجمة المنافس وإضعاف فرصه، لكن السبب الرئيس والحقيقي هو عدم رغبة/قدرة هذه الأحزاب على التوافق حتى اللحظة. وهو أمر مرشح للاستمرار حتى لحظة الاقتراع. يبقي ذلك الصورة غير واضحة حتى ذلك الموعد، إلا أن تستجد مفاجأة غير محسوبة، وحتى ذلك الحين، فالمرجح أن نرى أسماء بارزة من مختلف الأحزاب مرشحين في مواجهة الرئيس التركي.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

مكان تركيا في النظام الإقليمي الآخذ بالتشكل

المقالة التالية

ماذا كسبت تركيا من تطبيع علاقاتها الإقليمية

المنشورات ذات الصلة