معارك المعارضة التركية على طريق الانتخابات
عربي 21
“لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات” شعار يصلح لوصف الوضع السياسي الداخلي في تركيا. فرغم أن الانتخابات منتظرة بعد أكثر من سنة كاملة من الآن، إلا أن الأجواء السائدة في البلاد لا تختلف عن أجواء الانتخابات وحملاتها وتراشقاتها.
ذلك أن أهمية الانتخابات المقبلة واحتمالاتها المفتوحة جعلتها الشغل الشاغل لمختلف الأحزاب السياسية، الحاكم والمعارضة وما بينهما ودونهما. ولذلك تشهد تركيا حالة من الصدام السياسي والإعلامي بين التحالف الحاكم والمعارضة، بما يشمل الاتهامات والتراشقات والمناكفات والتهديدات وادعاءات الفوز المضمون في الانتخابات المقبلة.
غير أن المعارك الانتخابية ليست مقصورة على تلك الواقعة بين الطرفين المتنافسين، أي بين أردوغان (ممثلاً للحزب الحاكم وتحالفه) والمعارضة، ولكن ثمة معارك عدة تدور رحاها بين أقطاب المعارضة لكن قلما تلقى عليها الأضواء وتجد الحظ نفسه من التحليل والنقاش والتقييم.
و معارك المعارضة “الداخلية” على هامش الانتخابات ليست شيئاً جديداً بل تتكرر في كل منافسة انتخابية تقريباً، ولعل أحد أبرز أمثلتها في السنوات القليلة الأخيرة هو الصراع/التنافس بين رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو والقيادي القوي – سابقاً – فيه محرم إينجة. حيث دَرَجَ الثاني على انتقاد الأول لخسارات الحزب المتتالية أمام أردوغان والعدالة والتنمية، بينما قدم الثاني الأولَ مرشحاً عن الحزب في الانتخابات الرئاسية عام 2018، ليخسر أمام أردوغان وتضعف بالتالي فرصه داخل الحزب، وليجد نفسه لاحقاً خارجه ومؤسساً لحزب جديد.
واليوم، ثمة معارك بين أقطاب المعارضة، أحزاباً وشخصياتٍ، لا تخفى ملامحها على متابع جيد في إشارة واضحة الدلالة على كمية الخلافات بينهم والتي تطغى أحياناً على خلافهم الرئيس مع أردوغان.
ذلك أن هذه الخلافات حالت حتى اللحظة دون تبلور تحالف معارض يضم الأحزاب الستة التي تنسق فيما بينها، حيث تعتمد تلك الأحزاب تسمية “طاولة الستة” أي طاولة الحوار التي تجمع الأحزاب الستة المتفقة على العودة للنظام البرلماني وليس “تحالف الأمة المعارض”.
أكثر من ذلك، فقد ظهرت إشارات على خلافات أعمق بين هذه الأحزاب، إذ أشار جولتكين أويصال رئيس الحزب الديمقراطي، أصغر الأحزاب الستة، إلى أن من معايير المرشح التوافقي للمعارضة للانتخابات الرئاسية ألا يكون قد سبق له شغل أي منصب أو الاضطلاع بأي مسؤولية في عهد العدالة والتنمية، ما يعني غمزاً مباشراً من قناة كل من أحمد داود أوغلو وعلي باباجان المشاركان في “طاولة الستة”.
وتأكيداً على هذا المعنى، إضافة لتقديم المصلحة الحزبية على ما يفترض أنها مصلحة جمعية للمعارضة، أعلن حزب الديمقراطية والتقدم بقيادة باباجان أنه سيخوض الانتخابات المقبلة باسمه وشعاره، كما أعلن أحد قيادات حزب المستقبل أن مرشح الأخير للانتخابات الرئاسية هو رئيسه أحمد داود أوغلو.
ومن الأمثلة الأوضح على الخلافات و”المعارك” داخل المعارضة ما يحصل داخل أكبر أحزاب المعارضة، الشعب الجمهوري، حيث يصر رئيسه كليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، بينما هناك قيادات وكوادر وشرائح واسعة فيه ترى أن فرصته في منافسة أردوغان ليست كبيرة مقارنة مثلاً برئيسَيْ بلدية كل من إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش على التوالي.
وفي هذا الإطار، فقد تعرض الأول، إمام اوغلو، لحملة شعواء مطلع الشهر الفائت بسبب سماحه لإعلامية مشهورة بدعمها لأردوغان بالمشاركة ضمن الفريق الإعلامي الذي رافقه في إحدى زياراته خارج إسطنبول، وهي حملة لم تكن قيادات في حزبه بعيدة عنها.
كما أنه من الصعب إخفاء الأجواء الباردة بينه وبين الثاني، يافاش، حيث تجنب الاثنان بعضهما البعض ولم يتصافحا في المهرجان الجماهيري الذي نظمه حزبهما مؤخراً، وإن كان الحزب حرص لاحقاً على نشر صور وفيديوهات لهما معاً لتفنيد هذه الفكرة وتأكيد أن الأجواء بينهما عادية ودافئة.
وأخيراً، فقد توعد كليتشدار أوغلو قبل أيام أردوغان بكشف أوراق سرية وعمليات فساد وتهريب أموال متهماً الأخير بالترتيب للهروب مع عائلته من تركيا والتوجه للولايات المتحدة، وهو أمر أوقعه في حرج شديد حتى من أوساط حزبه والمعارضة عموماً. وفي ظني لا يمكن استبعاد فرضية أن يكون الرجل قد استـُدرِجَ من بعض الأطراف لموقف من هذا النوع لزيادة حرجه وتقليل فرصه في الترشح في الانتخابات الرئاسية.
وفي الخلاصة، رغم أن المعارضة ترى في الاستحقاق الانتخابي المقبل فرصة غير مسبوقة لمنافسة أردوغان بقوة بل وربما الفوز عليه، إلا أنها غير موحدة في مواجهته، بل لعلي أقول إنها لم تستطع التوحد لهذا السبب تحديداً. فهذه الفرصة غير المسبوقة من وجهة نظر المعارضة تجعل الجميع يتسابق ويتنافس ويستخدم كل ما هو ممكن للترشح أمام أردوغان، فضلاً عن الخلافات الكبيرة – تاريخياً وحالياً – بين الأحزاب التي يفترض أن تنسق المواقف في الانتخابات المقبلة.
ولذلك ما زالت هذه الأحزاب غير قادرة على توحيد الموقف ولا تقديم مرشح توافقي لينافس الرئيس الحالي، وربما لن تستطيع ذلك أبداً، فضلاً عن أن مدى قدرتها على البقاء متماسكة في مواجهته أمر قابل للنقاش، فمنظومة التحالفات ليست ثابتة وإنما قابلة للتبدل دائماً في تركيا وخصوصاً في ظل الانتخابات الاستثنائية المقبلة.