مسيرات العودة وضرورة التقييم ثم التقويم

لا يختلف اثنان على أن مسيرات العودة التي قام بها اللاجئون الفلسطينيون في ذكرى النكبة في لبنان وسوريا وغزة والضفة حققت نجاحاً جماهيرياً وإعلاميا مهماً جداً، ربما لم يكن يتوقعه الكثير من المنظمين أنفسهم. فالتأكيد على حق العودة، والتركيز الإعلامي الذي حصل، وإعادة تفعيل الجماهير وخصوصاً الشباب لهذه القضية، والرسائل التي أرسلتها هذه المسيرات للعالم بل ولبعض الدول العربية برفض التوطين والتهجير والإصرار على حق العودة، كل ذلك وغيره من الإنجازات التي توجت بدماء الشهداء الخمسة عشر جعلت من ذكرى النكبة هذا العام مختلفة جداً ومتميزة جداً عن كل سابقاتها.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح بين يدي المناسبة هو: هل كانت الفعاليات إيجابية صرفة؟؟ أم كان لها بعض السلبيات؟؟ هل نجحنا في الترتيب والتخطيط والتنفيذ؟ أم كان هناك بعض القصور؟ هل سار الأمر تماماً كما خطط له؟ أم أن تطورات ميدانية كثيرة حدثت حادت بالمسيرات عن خطتها؟
هذه الأسئلة ومثيلاتها أرى أنها لا تقل أهمية عن الحدث ذاته، سيما في ظل دعوات بدأت تنتشر لمسيرات مماثلة في ذكرى النكسة بعد أيام، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: أن عملية التقييم والمراجعة ركن رئيس وجزء لا يتجزء من أي تخطيط وأي عمل، سيما في الفعاليات والأعمال الكبيرة، فالهدف يكون دائماً القيام بعمل ناجح وليس القيام بالعمل بحد ذاته.

ثانياً: تبرز عملية التقييم والمراجعة (التي يجب أن تكون شاملة وشفافة) الأخطاء والقصور والإهمال (إن وجد) الذي رافق الفعالية، وتحدد أسبابه والمسؤولين عنه، بما يتيح الفرصة لاحتوائها وضمان عدم تكرارها مستقبلاً.

ثالثاً: تبرز عملية المراجعة والتقييم بعد الحدث إيجابيات ٍ حصلت ولم يكن مخططاً لها من قبل، إضافة لطاقات وإمكانيات وفرص جديدة، كل ذلك يمكن الإستفادة منه وتنميته في أي عمل مستقبلي.

رابعاً: هناك حدث بارز حدث خلال المسيرات لم يكن مخططاً له، بل المفروض أن كل الإحتياطات كانت قد اتخذت حتى لا يحصل، وهو وصول بعض الشباب إلى السلك الشائك على الحدود اللبنانية-الفلسطينية مما أدى إلى استشهاد عشرة من الشبان. ورغم أننا نعتز جدأً بالشهداء (نحتسبهم كذلك والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحداً) ونترحم عليهم، ورغم أننا ندرك الزخم الإعلامي الذي أدت إليه شهادتهم، إلا أننا يجب دائماً أن نفكر كيف نحقق الأهداف السياسية والإعلامية المخطط لها دون خسائر بشرية على الأقل.

خامساً: إن ما حدث في الجولان من تأخر الإذن بالمسيرة إلى آخر يومين أو ثلاثة، وتسهيل/سهولة وصول الشباب إلى الجولان ثم اختراقهم للحدود يوحي برضى النظام السوري (على الأقل رضاه) بما حصل. وإذا أضفنا إلى ذلك ما فعله حزب الله اللاعب الرئيس في الجنوب اللبناني من إصرار على أن تكون المسيرة إلى مارون الراس وليس إلى الناقورة، ورفضه لتواجد سيارات إسعاف وأجهزة اتصال لاسلكي (الأمر الذي رُفض وأدخِل بعضها) إضافة إلى غياب عناصر انضباطه من المشهد، نستطيع أن نشتم رائحة تواطئ الحزب، لا أقول لسقوط ضحايا، ولكن على الأقل لتصعيد المشهد، بما يلقي بظلاله على الأحداث في سوريا. من هنا نتفهم تخوف البعض من أن يكون المنظمون أيضاً كانوا على اطلاع ووافقوا على هذا السيناريو، ولكننا لا نبرر هذا التهجم والإتهام دون دليل، سيما وأن المسيرات قد بدأ التخطيط لها منذ أشهر قبل أن تبدأ الإحتجاجات في سوريا. هذه الجزئية تحديداً تفرض التقييم الدقيق والمراجعة الشاملة، حتى ننفي عن انفسنا هذه التهمة أولاً، وثانياً حتى نطمئن المشاركين من أنهم لا يُخدعون ويستغلون لأهداف أخرى، وثالثاً وهو الأهم حتى نضمن أن أي تحرك مستقبلي سيتكلل بالنجاح دون دفع أثمان باهظة ربما أكبر بكثيرمما كان في مسيرات العودة، ورابعاً حتى نضمن المشاركة الشعبية الحاشدة في التحركات المقبلة إن لم تهتز ثقة الناس في المسيرات والتحركات بشكل عام.

سادساً: حدثت أخطاء كثيرة في تفاصيل المسيرات، وكان لا بد لها أن تحصل من حيث أن المنظمين بشر يخطؤون، ومن حيث أن عدد المشاركين فاق التوقعات، ومن حيث أن النشاط كان جديداً ومختلفاً عن كل ما سبقه بالنسبة للجميع. وبفعل حماس المشاركين وسقف التوقعات العالي للناس، بدأت الإنتقادات تنتشر هنا وهناك، على الألسنة وعلى صفحات الإنترنت، أغلبها بنية حسنة والقليل منها بهدف التشكيك والتثبيط. مراجعة وتقييم يعقبهما تصريح واضح لإفهام وتهدئة الناس سيؤدي إلى نفي الكثير من الأكاذيب والأباطيل التي روجت، وستحقق ثقة أكبر من المشاركين، وستقطع حبائل النوايا السيئة.

خلاصة القول ان عملية “التقييم” التي تتطلب بعدها “التقويم”، ضرورة ملحة ومستعجلة، قبل الشروع بالتحضير لأي عمل آخر وخصوصاً في ذكرى النكسة قريباً، حتى لا تكون الخسارة كبيرة وتودي –لا سمح الله- بكل ما حققته المسيرات والتحركات في ذكرى النكبة. وهنا أطرح السؤال مجدداً وبشكل محدد: هل كان بالإمكان أن تحقق المسيرات نفس النجاح الذي حققته شعبياً وسياسياً وإعلامياً دون سقوط الشهداء والجرحى؟؟

سؤال برسم الهيئات المنظمة نتمنى أن نسمع إجابته مفصلة منهم قريباً.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

يا شام

المقالة التالية

الثورات العربية والتغيرات الكبرى .. أين نحن؟؟؟

المنشورات ذات الصلة