ما الذي تريده تركيا من قمة كوالالمبور
TRT عربي
تستضيف العاصمة الماليزية كوالالمبور قمة خماسية تجمع قادة كل من تركيا واندونيسيا والباكستان وقطر، وهي القمة الخامسة من نوعها التي ينظمها سنوياً منتدى كوالالمبور. تنظم القمة تحت شعار “دور التنمية في السيادة الوطنية” وتسعى وفق المنظمين لبحث مشكلات العالم الإسلامي العديدة ومحاولة إيجاد حلول لها.
في التفاصيل، تنقسم القمة إلى مسارين: عمل المنتدى الذي يضم مفكرين وباحثين ورجال علم ودين من مختلف دول العالم الإسلامي كما في كل المؤتمرات الأربعة السابقة، حيث يشارك أكثر من 400 منهم هذه السنة. وهناك القمة السياسية رفيعة المستوى التي تنظم لأول مرة بمشاركة رؤساء دول أو من يمثلهم، وهو انتقال واضح للمنتدى ومؤتمراته من المستوى الفكري إلى السياسي العملي، ولعل عودة مهاتير محمد لرئاسة الوزراء في بلاده والحسابات السياسية الداخلية قد ساهمت في اتخاذ مثل هذا القرار.
ليست السياسة الداخلية لماليزيا هي السبب الوحيد لهذه النقلة لقمة كوالالمبور، فقد بدأ مع عودة مهاتير محمد لرئاسة الحكومة مسارٌ للتعاون مع تركيا وغيرها من البلدان أثمر تنسيقاً ما زال في بداياته في بعض القضايا. ولعل فكرة القناة الفضائية التي سيشارك بها البلدان إلى جانب الباكستان لمواجهة الإسلاموفوبيا وحملات الكراهية والتمييز ضد المسلمين في الغرب من التمظهرات العملية لهذا المسار.
بالعودة لقمة كوالالمبور الخماسية، قبل أن تظهر أنباء عن بعض الانسحابات أو التمثيل بالنيابة، ثمة ما يجمع الدول الخمس في العموم،من حيث رغبتها بلعب أدوار تتجاوز أجنداتها المحلية وتتطرق لمشاكل العالم الإسلامي، وكذلك اهتمامها بالتنمية وما يرتبط بها، فضلاً عن تقاربها في وجهات النظر بخصوص بعض قضايا العالم الإسلامي، مضافاً له المجالات التي تتميز بها هذه الدول جغرافيا وديمغرافيا واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بما يفتح لتكامل جهودها آفاقاً أرحب.
بالنسبة لأنقرة، تمثل مبادرة مهاتير وقمة كوالالمبور فرصة لها من زاويتين إضافيتين على مسار التنسيق العام بين الدول المشاركة. ففي المقام الأول، هذه دول أكثر تفهماً لسياستها الخارجية وأكثر دعماً لها من دول أخرى ذات حضور وتأثير في العالم الإسلامي، ولعل أحد أهم الأمثلة على ذلك عملية غصن الزيتون الأخيرة في سوريا التي أيدتها باكستان وتحفظت قطر على بيان الجامعة العربية الذي أدانها، فضلاً عن مسار التنسيق والتعاون المتنامي مع ماليزيا ومسار التعاون الاستراتيجي مع قطر.
الأمر الثاني متعلق بحاجة تركيا المستمرة للحلفاء والشركاء، وهي رحلة البحث التي بدأت منذ سنوات طويلة ولم تصل بعد لنتائج مرضية بالنسبة لها. راهنت تركيا على التعاون مع مصر بعد ثورتها وتشكيل ما أسماه داودأوغلو في حينها “محور الديمقراطية”. وهو الأمر الذي تلاشى بعد الانقلاب، لتدفع الثورة السورية وتطوراتها أنقرة للتقارب أكثر فأكثر مع الرياض دون أن تصل العلاقة لإمكانية تشكيل تحالف أو حتى محور رغم سعي أنقرة الواضح لذلك. لاحقاً، تنامت العلاقات مع الدوحة بشكل ملحوظ، ولعبت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا والأزمة الخليجية الداخلية دوراً مهماً في ترسيخها ونقلها لمستويات متقدمة.
ورغم ذلك، بل رغم مسار تعظيم القدرات الذاتية الذي تخطه لنفسها في السنوات الأخيرة، تبقى تركيا في حالة بحث دائم عن أصدقاء وشركاء وحلفاء، وخصوصاً في ظل طموحها بلعب أدوار أكثر وأكبر في قضايا المنطقة والعالم، ومحدودية إمكاناتها في الوقت الراهن لا سيما في مجال الطاقة وبعض المجالات الأخرى.
ما زالت قمة كوالالمبور في إطار المبادرة وفي خطواتها الأولى وما تزال تعترض طريقها العديد من العقبات وفي مقدمتها نظرةُ بعض الدولِ المؤثرةِ السلبيةُ لها، ولعل ذلك ما أدى لانسحاب بعض الشخصيات المشاركة مثل الرئيس الاندونيسي ورئيس الوزراء الباكستاني.
ومن جهة أخرى، لا تقدم القمة نفسها كبديل عن منظمة التعاون الإسلامي ولا هي مهمة سهلة لها أو لغيرها بالأساس، لكنها تتيح إمكانية تسريع الاهتمام والعمل بخصوص بعض القضايا الملحة من خلال تجاوز الهيكليات المتكلسة والبيروقراطية البطيئة في المنظمة شبل المشلولة مؤخراً.
وبالتالي، ورغم سقف التوقعات المرتفع من القمة من بعض الأطراف والاتهامات المبالغ بها بحقها من أطراف أخرى، لا تعدو القمة أن تكون مساراً للتنسيق والتعاون ما زال في بداياته بين دول راغبة في العمل، وما يزال بابها مفتوحاً لدول وأطراف أخرى وفق المعلن، ما يعني إمكانية تطويرها في المستقبل. إلا أنها تشكل في المرحلة الحالية إطاراً واعداً يمثل للدول المشاركة عموماً وتركيا على وجه التحديد متنفساً ومساحة داعمة، لا سيما في ظل الاستقطابات المهيمنة على العالم الإسلامي في المرحلة الحالية والمرشحة للاستمرار مدة غير قصيرة.