مؤتمر “الشعب الجمهوري” وأزمة المعارضة التركية
عربي 21
نظم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، على مدى اليومين الماضيين مؤتمره العام العادي رقم 36، لانتخاب رئيس الحزب وأعضاء مجلس الحزب واللجنة التأديبية.
وكما كان متوقعاً وبلا أي مفاجآت، أعيد انتخاب رئيس الحزب الحالي كمال كيليجدار أوغلو للرئاسة بتأييد 790 مندوباً من أصل 1237، مقابل 447 لمنافسه الوحيد النائب عن محافظة يالوفا محرّم إينجة (العدد الكلي للمندوبين 1266، صوت منهم 1253، واحتسب صحيحاً منهم 1237). وتجدر الإشارة إلى أن إينجة نفسه كان قد خسر الانتخابات أمام كيليجدار أوغلو في المؤتمر الاستثنائي الـ18 في أيلول/سبتمبر 2014، بينما كان الأخير مرشحاً وحيداً في المؤتمر العام العادي الـ35 في كانون الثاني/يناير 2016 وانتخب بـ990 صوتاً.
وكان حزب الشعب الجمهوري قد شهد في السنوات القليلة الأخيرة جدلاً كبيراً ونقاشات حادة على خلفية الفشل في منافسة (فضلاً عن إزاحة) حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002. فرئيس الحزب الحالي، الذي خسر انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول عام 2009 أمام رئيس البلدية السابق عن حزب العدالة والتنمية قدير طوبباش ثم انتخب رئيساً للشعب الجمهوري في أيار/مايو 2010، قد فشل حتى الآن بتسجيل ولو انتصار انتخابي واحد أمام العدالة والتنمية على مدى السنوات الثماني الفائتة والتي شهدت ثلاثة انتخابات برلمانية (2011، 2015 الاعتيادية و2015 المُعادة) وانتخابات رئاسية (2014) وانتخابات بلدية (2013) واستفتائين على تعديل دستوري (2010 و 2017).
هذا الفشل في منافسة العدالة والتنمية على صعيد البرامج كما على مستوى نسب التصويت في الانتخابات فاقم الجدل داخل الحزب بين تياراته المختلفة. فاستقالت مجموعة من التيار الوطني/الكمالي في الحزب نهايات 2014 بقيادة أمينة أولكر تارهان ليؤسسوا حزب “الأناضول” دون تأثير كبير على الحزب الأم، كما استقالت إثر الاستفتاء الشعبي في نيسان/أبريل الفائت الناطقة باسمه ونائب الرئيس سلين صائك بوكة احتجاجاً.
المؤتمر العام الأخير سُبق أيضاً بتحركات معارضة لكيليجدار أوغلو، حيث ترأس إينجة مجموعة “أَمَلي”، وتزعمت بوكة مجموعة “نحن، من أجل المستقبل” التي أصدرت بياناً قبل المؤتمر بيومين تحت شعار “شجاعة اليسار” يطالب بإعادة الحزب لمنطلقاته العلمانية – الديقراطية – اليسارية على خطى أتاتورك. أكثر من ذلك، أعلن أربعة أشخاص عن نيتهم الترشح في مواجهة كيليجدار أوغلو (مرشحون محتملون)، لكن إينجة وحده من استطاع الحصول على النسبة المطلوبة من تواقيع المندوبين لينافسه وحيداً قبل أن يخسر أمامه.
مشكلة الشعب الجمهوري الرئيسة هو عدم قدرته على تخطي نسبة %25 من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية، حيث حصل على %25.94 في 2011، و%24.95 في حزيران/يونيو 2015، و%25.3 في انتخابات الإعادة (لا يمكن اعتبار نتيجة %48 من رافضي التعديل الدستوري الأخير لحسابه، إذ لم يكن وحده). وقد أدى هذا الاستعصاء إلى تجمع التيارات المختلفة داخل الحزب خلف رأيين رئيسين:
الأول أن الرئيس قد تكرر فشله وأن مشكلة الحزب سوء إدارته وبالتالي فالحل في تغيير الرئيس وفريقه، وأبرز من يتبنى ذلك إينجة وبوكة.
الثاني أن الحل في تغيير الخطاب لكسب ود وأصوات أكبر عدد ممكن من الـ%75 الباقين من الناخبين والذين يتشكل معظمهم من اليمين، أي الإسلاميين والمحافظين والقوميين، ويتبنى ذلك الرئيس كيليجدار أوغلو. ولذلك فقد توافق مثلاً مع حزب الحركة القومية على مرشح “يميني” أو “محافظ” في انتخابات الرئاسة الأخيرة هو أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمر غير المألوف في تاريخ الحزب، إضافة لبعض الأصوات من داخله التي تدعو لدعم الرئيس السابق عبدالله غل في مواجهة اردوغان في الانتخابات المقبلة.
ولأن التغيير في لغة الحزب وخطابه أتت مع كمال كيليجدار أوغلو، الذي أتى للرئاسة إثر فضيحة جنسية سُرِّبت للرئيس السابق دنيز بايكال، ولأنه أعرب قبل تلك الانتخابات عن عدم نيته الترشح قبل أن يغير رأيه ويترشح وحيداً ويفوز، ولأنه ما زال في قيادة الحزب رغم الفشل المتكرر سالف الذكر، فإن نظرية المؤامرة تجد رواجاً كبيراً فيما يتعلق بالرجل.
يرى الكثيرون في تركيا إن الفضيحة المذكورة يقف خلفها التنظيم الموازي المعروف بارتباطاته مع الولايات المتحدة، وأن الهدف هو “إعادة هندسة” الحزب ضمن “مشروع” جديد يسعى لكسب طيف من قاعدة حزب العدالة والتنمية التصويتية.
إعادة انتخاب الرجل في المؤتمر الأخير الذي حمل شعار “العدالة والشجاعة” سيعني أمرين مهمين، استمرار الشرخ المتحصل في صفوف الحزب بنسبة الثلثين إلى الثلث (لصالح الرأي الثاني) بل واحتمال تفاقمه، واستمرار سياسة الحزب في محاولة التودد للناخبين من خارج أنصاره دون نتائج ملموسة. وهذا البُعد مهم جداً بالنظر إلى حساسية واستثنائية الانتخابات الرئاسية في نهايات 2019 والتي ستتزامن مع بدء تطبيق النظام الرئاسي، حيث يراهن كيليجدار أوغلو على إمكانية تجميع كل الرافضين للتعديل الدستوري والنظام الرئاسي خلف مرشح واحد يمكنه منافسة اردوغان، ولو في جولة الإعادة.
وهنا تحديداً تقع معضلة المعارضة الرئيسة، إذ بنى العدالة والتنمية تحالفاً سياسياً مرشحاً للتحول لتحالف انتخابي مع الحركة القومية، ويسعى لضم أحزاب أخرى إليه بما يرفعه (حسابياً) فوق نسبة %50 المطلوبة في الانتخابات الرئاسية، في مقابل صعوبة تحالف الشعب الجمهوري مع الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) في ظل وضعه القانوني السيء (حيث يحاكم عدد من قياداته بتهمة دعم الإرهاب).
والحل كذلك، وفي ظل تحول تركيا شيئاً فشيئاً نحو فلسفة وسياسة التيارات وليس الأحزاب، يبدو أكبر أحزاب المعارضة أكثر عجزاً من أي وقت مضى على منافسة اردوغان وحزبه، ومراهناً أكثر على خلافات مفترضة داخل العدالة والتنمية يأمل في أن تفتت كتلته التصويتية، وهو أمر لا شواهد كبيرة له حتى الآن على أي حال.