كولن يغازل الحكومة .. تراجع أم مناورة؟

قبل أيام، في الثلاثين من حزيران/يونيو الفائت، وفي حفل إفطار نظمه “وقف الصحافيين والكتاب” الأتراك، أحد أهم مؤسسات حركة الخدمة والناطق شبه الرسمي باسمها، أرسل فتح الله كولن من مكان إقامته في الولايات المتحدة الامريكية رسالة رأى فيها الكثيرون محاولة لجسر الهوة مع الحكومة وإنهاء الصراع معها.

في هذه الرسالة أعرب كولن، الذي اعتاد أن يرسل رسائله للحكومة التركية ولأتباعه على حد سواء من خلال مقالات أو لقاءات صحافية أو بيانات مثل هذه، عن إيمانه وثقته بإمكانية منع الجسور من أن تهدم تماماً وأن هذه “الجسور التي خربت سيعاد تأسيسها”. كما قال كولن، زعيم حركة الخدمة التي تخوض صراعاً كبيراً مع الحكومة التركية منذ أشهر، أنه متأكد من عودة المحبة والاحترام و”السلام من القلب”.

يذكر أن الحكومة التركية تتهم الجماعة بتشكيل “تنظيم مواز” في الدولة يسعى لهدمها أو إسقاط الحكومة، وأنها كانت وراء التنصت على مختلف مسؤولي الدولة وتسريب هذه التسجيلات، فضلاً عن اتهامات الفساد التي طالت مسؤولين في الحكومة قبل سبعة أشهر. وكانت الجماعة قد اتخذت قرار التصادم مع الحكومة (والحزب الحاكم) بعد 12 عاماً من التحالف معها، على خلفية عدة ملفات على رأسها طربقة حل القضية الكردية، رئاسة الاستخبارات التركية، وإغلاق معاهد التدريس الخاصة.

وتكمن غرابة الرسالة التي بعث بها الزعيم الديني المقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999، بأنها أتت بعد مرحلة عاصفة جداً بين الطرفين، بان خلالها وكأنهما قد أحرقا كل سفن العودة، سيما كولن الذي خرج عن هدوئه وسمته المعروفين ليجأر بدعاء عنيف على اردوغان وحكومته بالهلاك وحرق البيوت والتدمير “إن لم يكونوا على حق”.!

ويرى مراقبون أن هذه الدعوة من كولن تحمل بذور التراجع، وتمد يد التصالح – ولو على استحياء – للحكومة التركية، تحت ضغط عدة اعتبارات:

الأول، فشل حملة الخامس والعشرين من كانون أول/ديسمبر الماضي في إسقاط الحكومة، ثم فوز العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، مما أعطى الحكومة اليد الطولى في مهاجمة “التنظيم الموازي” في مؤسسات الدولة المختلفة، واستمرارها حتى الآن في حرب الاجتثاث.

الثاني، ملاحقة مدارس ومؤسسات الجماعة في أكثر من دولة، بناء على طلب من الحكومة التركية على ما يبدو، منها ألمانيا وأذربيجان إضافة للملاحقة القضائية وتفتيش بعض المدارس في الولايات المتحدة مؤخراً، مما يعطي صورة عن إصرار الحكومة واردوغان شخصياً على صفرية الحرب مع الجماعة، وتضرر الأخيرة جراء ذلك.

الثالث، الضائقة المالية التي يبدو أن حركة الخدمة تعاني منها مؤخراً، ومن شواهدها بعض الأخبار المتواترة عن تضييق الصرف على بعض المؤسسات ومساكن الطلبة، إضافة إلى بيع “بنك آسيا” الذي تعرض لخسائر كبيرة بعد أن وجه اردوغان دعوة لأنصاره بسحب ودائعهم منه. سيما وأن الجماعة تعتمد في جزء كبير من مواردها على التبرعات الداخلية والخارجية، وأن هذه التبرعات قد شحت كثيراً إثر الأزمة مع الحكومة واهتزاز صورة الجماعة بسببها.

الرابع، تأكد ترشيح اردوغان للرئاسة وفرصه الكبيرة في الفوز وكلامه الواضح عن “استمرار حرب الدولة ضد التنظيم الموازي” بشكل أفضل حتى بعد انتخابه، مما يوحي بظروف أصعب تنتظر الجماعة ربما في فترة رئاسته المتوقعة.

من ناحية أخرى، لا يمكن الجزم بنية كولن من دعوته التي أرسلها، إذ يحتمل أن تكون إحدى المناورات في صراعه مع العدالة والتنمية، والتراجع خطوة إلى الوراء استعداداً لحملة مشابهة لحملة الفساد قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة في محاولة للتأثير على فرص اردوغان في الفوز. سيما وأن رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتيشدار أوغلو كان قد هدد بنشر مواد مصورة تثبت إرسال الحكومة التركية أسلحة إلى خارج تركيا، الأمر الذي أثار توقعات بنشرها خلال الحملة الانتخابية للتأثير على نسبة تصويت اردوغان.

وبغض النظر عن دوافع الزعيم الروحي للحركة من وراء هذه الرسالة، إلا أن الملفت أنها لم تلق رواجاً في تركيا، ولم تتلقفها وسائل الإعلام. ولم يكن السبب الوحيد في تجاهل الرسالة أن الحكومة لم تحفل بها أو ترد عليها، بل إن دوائر الجماعة نفسها لم تعممها أو تهتم بها، حيث تعمد بعض رموز الحركة في تركيا التقليل من شأنها واعتبار ما فيها كلاماً عادياً يصدر في مناسبة دينية مثل شهر رمضان، الأمر الذي طرح علامات استفهام كبيرة حول وجود خلافات داخل صف الجماعة فيما يتعلق بملف الصراع مع الحكومة، وما إذا كانت الجماعة تضم تيارين غير متفقين حالياً، واحد في بنسلفانيا والآخر داخل تركيا.

وفي كل الأحوال، لا يتوقع أن تكون الرسالة التي أرسلها كولن الأخيرة في هذا السياق، وبالتأكيد هو ينتظر تقييم ردات الفعل على ما قاله فيها، وبالتالي ستثبت الأيام القادمة  ما إذا كانت هذه الدعوة مقصودة للحكومة لطي صفحة الماضي أم إنها كانت مجرد بالون اختبار للوقوف على ردة فعل الأخيرة تجاهها، كما سيتضح إن كان لها ما بعدها أم كانت مجرد قفزة في الهواء، في ظل الجو السياسي المحموم في تركيا قبيل الانتخابات الرئاسية في آب/أغسطس القادم.

 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

الانتخابات الرئاسية التركية مرشح المعارضة وخيارات العدالة والتنمية

المقالة التالية

تركيا والأكراد .. ضرورات الداخل وتطورات الإقليم

المنشورات ذات الصلة