قمة القاهرة للسلام ومواقف الأطراف من “طوفان الأقصى”
الجزيرة نت، 21 تشرين أول/أكتوبر 2023
في اليوم الخامس عشر من معركة طوفان الأقصى، يوم السبت الفائت، نظمت مصر قمة القاهرة للسلام، والتي كانت بعيدة جداً عن مواكبة المعركة والعدوان “الإسرائيلي” المتواصل واللامحدود على قطاع غزة، فضلاً عن أن تستطيع الضغط باتجاه وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.
اصطفاف غربي
منذ اللحظات الأولى لبدء معركة طوفان الأقصى في السابع من الشهر الجاري، أبدى الغرب وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية دعماً غير مسبوق ولا محدود ولا مشروط لدولة الاحتلال، وتبدى ذلك بشكل مباشر في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زارها مؤيداً ومتضامناً وعانق نتنياهو وهو يردد التهديدات بتغيير خرائط الشرق الأوسط.
لم يكتف الموقف الأمريكي والغربي بالدعم السياسي والإعلامي، وإنما تخطى ذلك نحو الدعم العسكري، على شكل حزمات من الأسلحة المتنوعة التي قدمت لحكومة نتنياهو، ودعم مالي غير مسبوق ليوضع في خدمة المجهود الحربي، وصولاً لإرسال حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط في رسالة قرئت بما يتجاوز بمراحل فكرة الدعم والتضامن السياسي. من زاوية ما، كانت حاملات الطائرات الأمريكية تسعى لإطلاق يد نتنياهو لينتقم من غزة ومقاومتها وتكبيل أيادي الآخرين جميعاً وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، وهو ما أيدته بعض التصريحات الأمريكية.
بالنسبة للكثيرين، بدت واشنطن وكأنها تدير الحرب بنفسها، لا سيما لدى الإعلان عن فرقة “دلتا” التي انتقلت لدولة الاحتلال وقيل إنها ستساعد قواتها في البحث عن أسرى المعركة ولا سيما الأمريكيين منهم.
في الجهة المقابلة، ونتحدث هنا عن الدول العربية والإسلامية، تكررت مواقف وتصريحات تقليدية مثل الحديث عن عملية السلام وضرورة دخول المساعدات والمواد الإغاثية لقطاع غزة، بل وتخطت بعض الدول ذلك نحو التركيز على فكرة “إطلاق حماس سراح الرهائن” لديها. غابت عن المواقف الرسمية لأيام طويلة الدعوات الصريحة لوقف إطلاق النار، فضلاً عن لوم أو انتقاد دولة الاحتلال والدعوة – وليس حتى السعي – لإلزامها بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وهي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق عدد من المؤسسات الدولية.
أوحى ذلك بالتزام عربي – إسلامي بسقف رسمته الولايات المتحدة للكثير من الدول العربية والإسلامية في الحرب الحالية، فكان لافتاً أن أياً من هذه الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال لم تسحب سفيرها منها ولو للتشاور ولم تستدع سفير الاحتلال لوزارة خارجيتها للاحتجاج، فكان أن أعلن الأخير سحب دبلوماسييه من هذه الدول خوفاً من ردات الفعل الشعبية وليس المواقف الرسمية.
قمة القاهرة
والحال كذلك على مدى أسبوعين من استهداف الاحتلال لكل شيء في غزة من مدنيين وطواقم طبية ومستشفيات ومساجد وكنائس وأفران وحتى مراكز إيواء النازحين، هل كان من المنطقي توقع شيء مختلف من قمة القاهرة؟
كان غريباً بشكل لافت أن تعقد القمة في ظل استمرار القصف “الإسرائيلي” على قطاع غزة وارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين والنازحين بشكل مضطرد ومتسارع، بل ودون موافقة الاحتلال على دخول المواد الغذائية والصحية للقطاع. ورغم الحرص الشديد على قرن عقد القمة مع دخول أول قافلة مساعدة للقطاع، إلا أن القافلة دخلت – مرة أخرى – بدون وقف إطلاق نار ولا موافقة “إسرائيلية” صريحة، بل إن ما دخل لم يتجاوز 20 شاحنة مساعدات، وهو ما أعلن المكتب الإعلامي في حكومة غزة أنه لا يشكل سوى اثنين بالألف فقط من حاجة القطاع.
لقد عُقدت قمة القاهرة متأخرة جداً، يعد أسبوعين من بدء الحرب، ودون عنوان واضح لدعم أو حماية الفلسطينيين في غزة من آلة الحرب “الإسرائيلية”، وإنما برفع شعار فضفاض كالسلام. دفع ذلك الكثيرين للقول إن هدف القمة الرئيس قد يكون استثمار إنجازات المقاومة الفلسطينية وخسائر الاحتلال الاستراتيجية يوم السابع من أكتوبر للدفع بعملية سياسية من جديد، وهو ما يشي بمحاولة بعض الأطراف الالتفاف على هذه المكاسب ومحاولة تفريغها من مضمونها.
وإلا فمن غير المفهوم أن يكون هدف القمة وقف إطلاق النار في غزة وحماية المدنيين الذين سقط منهم الآلاف لإشباع غريزة الانتقام لدى نتنياهو وحكومة الحرب التي شكلها، ثم تدعى إليها الولايات المتحدة الحليف الأول والأكبر والأبرز للاحتلال وألمانيا التي تهدد بطرد من يتعاطف مع الفلسطينيين من أراضيها وفرنسا التي تجرّم المظاهرات التي تندد بجرائم الاحتلال.
لذلك، وكما كان متوقعاً، لم يصدر بيان ختامي عن القمة، حيث اصطدمت رغبة معظم الدول العربية والإسلامية بالدعوة لوقف إطلاق النار برغبة الدول الغربية بإدانة حركة حماس وتحميلها مسؤولية ما حدث وسيحدث، ولذلك اكتفي ببيان عن الرئاسة المصرية أكد عدم توصل القمة لمخرجات عملية ملموسة أو حتى مطالب مشتركة.
لقد أكدت القمة ما كان الأسبوعان السابقان عليها أظهراه من استشعار دولة الاحتلال وداعميها لاستثنائية معركة طوفان الأقصى وتحديداً إنجازات المقاومة الفلسطينية المتعلقة بتحطيم الردع “الإسرائيلي” وإنهاء أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” وتفكيك مستوطنات غلاف غزة والعدد الكبير جداً من الأسرى. في المقابل، تدثرت المواقف العربية والإسلامية الرسمية بخطاب تقليدي لم يقدم جديداً ولم يرق لاستثنائية الحدث وتداعياته الكبيرة المتوقعة على المديين المتوسط والبعيد.
غلب على خطاب الدولة العربية، وتحديداً كل من مصر والأردن، رفض مخططات تهجير أبناء قطاع غزة نحو مصر والتحذير من مخاطر خيار كهذا وتهديده للأمن القومي المصري، إضافة لتكرار دعوات إحياء المسار السياسي وعملية “السلام”، في تنكر فاضح للموقف “الإسرائيلي” ومفردات خطابه التي ركزت على ضرورة إعادة احتلال قطاع غزة وإنهاء حكم حماس وعدم الاكتراث بسقوط المدنيين الذين هم “حيوانات على صورة بشر” وصولاً للتهديد بـ “إعادة رسم خرائط اشرق الأوسط” برمته.
ورغم تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ثبات الفلسطينيين على أرضهم ورفضهم خطط التهجير و”الترانسفير”، إلا أنه ساوى ضمناً بين الاحتلال والمقاومة وغمز من قناة الأخيرة وتنصل منها لدى تأكيده على “الرفض الكامل لقتل المدنيين من الجانبين، وإطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين كافة، والالتزام بالشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف، واتخاذ الطرق السياسية والقانونية لتحقيق أهدافنا الوطنية”.
في الخلاصة، لم تقدم القمة شيئاً لسكان قطاع غزة الذين استفردت بهم قوات الاحتلال، ولم تقدم غير الخطابات والمناشدات، لكنها حاولت أن تعطي انطباعاً بأن شيئاً ما قد فعل. لكن القمة عقدت وختمت ولم يوقف إطلاق النار، ولا أعلنت هدنة إنسانية، ولا فتحت ممرات إنسانية لخروج الجرحى والمصابين، ولا مورس ضغط حقيقي على دولة الاحتلال، ولا دخلت مساعدات ذات بال للقطاع المحاصر المستهدف.
إن تكرار المواقف البروتوكولية التقليدية، في غياب أي ضغوط حقيقية على دولة الاحتلال لوقف قصفها للمدنيين في غزة وعدم اتخاذ أي قرارات باتجاه معاقبة الاحتلال أو حتى التلويح بذلك في ظل ما اقترفه ويقترفه من جرائم حرب وجرائم إنسانية يكاد بعضها يرقى للإبادة الجماعية، يوحي بإقرار ما يحصل وعدم معارضته بشكل فعلي بالحد الأدنى. وإذا ما كانت مواقف الدول الغربية مفهومة في درجة اصطفافها بل وانخراط بعضها رمزياً في المعركة إلى جانب دولة الاحتلال، فإن مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية ليس مفهوماً ويثير لدى الفلسطينيين مشاعر الخذلان من جهة والشك والقلق من جهة أخرى.
لقد فشلت قمة القاهرة فيما كان يفترض بها أن تنجزه، وفي ظل حالة الشلل التي تعاني منها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والعجز المتوقع من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يبقى التعويل على الجهود الفردية لبعض الدول الصادقي في حرصها على الدم الفلسطيني.