قراءة في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية

قراءة في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية

 

المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

أعلنت مختلف الأحزاب التركية خلال الأيام القليلة الماضية عن برامجها الانتخابية، التي تسعى من خلالها لإقناع الناخب التركي بالتصويت لها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة والحاسمة في 24 حزيران/يونيو المقبل.

 

الأهمية

وتعد البرامج الانتخابية وثائق في غاية الأهمية للتعرف على رؤية الأحزاب للأوضاع في البلاد وتقييمهم لها من جهة، وما تعد الناخب به من مشاريع وتعديلات وتحسينات في حال انتخبها وأوصلها للحكم، كما أنها تتحول مع الوقت إلى وثائق ذات قيمة تأريخية وتدخل ضمن أدبيات هذه الأحزاب لاحقاً.

لكن هذه البرامج الانتخابية ليست ذات تأثير كبير على قرار الناخب، فهي في النهاية وثائق طويلة ومفصلة ومليئة بالأرقام والإحصاءات والتقييمات التي يصعب على كل ناخب استحضارها، ولذلك تعمد الأحزاب السياسية إلى اختصارها وتحويلها لنقاط محددة ومختصرة ومشروحة بالصور والأرقام والجداول وتستخدم في إيصالها وسائل الإيضاح البصرية بدرجة كبيرة. كما أن قرار الناخب، من جهة أخرى، يتحدد وفق معايير عدة أهمها انتماؤه الحزبي وخلفيته الفكرية أو الأيديولوجية والحالة الاقتصادية والوضع الأمني والأشخاص المرشحون وما يملكونه من إمكانات مثل الكاريزما والحضور والخبرة وقدرات الإقناع والتواصل الجماهيري وغيرها.

ولئن كانت البرامج الانتخابية منتجاً حزبياً في المقام الأول، بمعنى تعبيرها عن الأحزاب المترشحة للانتخابات البرلمانية، إلا أنه يمكن بسهولة تعميمها أيضاً على المرشحين الرئاسيين باعتبار أنهم – كلهم – مرشحون حزبيون وبالتالي يحملون بالضرورة نفس الأفكار والبرامج والمشاريع والوعود الانتخابية مثل أحزابهم، فضلاً عن أنهم يخوضون المنافسة في الانتخابات الرئاسية من خلال ماكنتاهم الحزبية قبل أن شيء آخر.

تتناول هذه الورقة البرامج الانتخابية للأحزاب التركية، من خلال نموذجين هما حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، كمثالين – غير ممثلين تماماً بالضرورة – على الأحزاب المنضوية في تحالفي الشعب والأمة اللذين يضمان العدد الأكبر من الأحزب المشاركة في الانتخابات. ورغم بعض الفروقات (وأهمية بعضها) بين برنامجَيْ هذين الحزبين وبرامج باقي الأحزاب، إلا أن مساحة الورقة تفرض الاكتفاء بهما وعدم التطرق لسواهما من البرامج.

كما أن الورقة لا تتطرق لكل ما ورد في البرنامجين الموسَّعَيْن من تقييمات ووعود، وَرَدَتْ في مئات الصفحات، وإنما تعرض بعض الأمثلة الشارحة لها قدر الإمكان دون الغوص في التفاصيل أو ادعاء الإحاطة بكل ما ورد فيهما، وبالتركيز على أهم البنود أو تلك التي تتضمن وعوداً محددة بأرقام أو تواريخ. وتنتهي الورقة بتقييم سريع لما ورد في البرنامجين والمقارنة بينهما في خطوطهما العريضة.

 

 

العدالة والتنمية

باحتفال جماهيري ضخم وبطقوس احتفالية، كما جرت العادة في تركيا، قدَّم حزب العدالة والتنمية برنامجه الانتخابي في 360 صفحة، وقد غلفها بشعارات حملته الانتخابية من قبيل “برلمان قوي – حكومة قوية – تركيا قوية” و”إن كان هناك من يستطيع، فهو العدالة والتنمية مجدداً” و”الآن هو وقت تركيا”.

يتكون البرنامج الانتخابي من مقدمة ورؤية مستقبلية والفصول الرئيسة التالية:

1- نموذج حكم جديد.

2- ديمقراطية قوية.

3- الإنسان والمجتمع.

4- اقتصاد مستقر وقوي.

5- القطاعات الاستراتيجية والإنتاج المبتكر.

6- البيئة، التخطيط المدني، والإدارات المحلية.

7- السياسة الخارجية والأمن القومي.

8- ملحق لأهم المشاريع الكبيرة.

 

رؤية مستقبلية:

يرصد البرنامج عالماً سريع المتغيرات والتطور ويطرح قيادة العدالة والتنمية ككادر خبير ومخضرم يرسم خريطة طريق واضحة، مع اهتمام خاص بالثورة الرقمية. ثمة تأكيد واضح على رؤية عام 2023 – الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية،  وتقويتها وتدعيمها من خلال بدء تطبيق النظام الرئاسي، والتأكيد على دور الشباب والنساء في الاقتصاد والدولة.

في المجال الاقتصادي، الأهم في البرنامج، إشارات واضحة إلى اقتصاد منفتح على الخارج ومنافس ومعتمد على السوق الحرة، وضرورة الاستفادة من موقع تركيا الجغرافي وشعبها الفتي والحيوي لتحويلها إلى قوة عالمية تنتج المعلومة وتحولها لقيمة مضافة. هناك هدف رئيس مصاغ بكلمات واضحة حول رفع تركيا لمصاف الدول مرتفعة الدخل[1]، مع توزيع عادل للدخل بين مختلف فئات الشعب.

تتضمن رؤية العدالة والتنمية رفع نصيب الأبحاث والدراسات والتطوير من الدخل القومي إلى فوق مستوى %2، مع التركيز على أهمية إنتاج التقنية والمشاريع الضخمة في مختلف القطاعات والصناعات العسكرية.

ثمة تأكيد على أن كل السياسات التي يتبعها العدالة والتنمية محورها الإنسان وتنميته كهدف رئيس. هناك سعي لإنشاء مستقبل يحمل قيم الماضي في العلم والثقافة والفن لإنتاج قيمة إنسانية وعالمية.

في السياسة الخارجية، تنص الرؤية على تقوية علاقات تركيا بالمنظمات الإقليمية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، باعتبار أنها – أي تركيا – تلعب دوراً مهماً في التعبير عن مشاكل وطموحات الدول النامية على وجه الخصوص، وتسعى لدور ريادي في تأسيس نظام دولي أكثر حرية واحتواءً وعدالة برفع شعار “العالم أكبر من 5”.

أولاً، نموذج حكم جديد:

ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة عناوين رئيسة: برلمان قوي، حكومة قوية (نموذج النظام الرئاسي)، وقضاء مستقل وحيادي.

أ- برلمان قوي: تؤكد الوثيقة على دور البرلمان الأول في تركيا في نهايات الدولة العثمانية وخصوصاً في حرب الاستقلال وتأسيس الجمهورية، ثم حقبة التعددية الحزبية والانقلابات المتكررة، ثم الأزمات التي واجهت العدالة والتنمية مثل المذكرة الالكترونية عام 2007 ودعوى حظر الحزب في 2008[2]، ثم المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016 ودور البرلمان في صدها وإفشالها. الأمر الذي يؤكد أهمية وجود برلمان قوي حتى تكون الحكومة قوية والقضاء مستقلاً وبالتالي الدولة ديمقراطية ومتطورة.

يفصّل البرنامج في أهمية النظام الرئاسي الذي سيقوّي البرلمان والحكومة، ويمنع وجود سلطة تنفيذية برأسين، مع إشارة إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية كل 5 سنوات وليس 4، ما يعزز الاستقرار في ظل حكومات طويلة الأمد، وازدياد قدرة البرلمان على تمثيل مختلف أطياف الشعب برفع عدد النواب من 550 إلى 600 وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18. النظام الرئاسي سيتيح للبرلمان التفرغ لعمله الرئيس وهو التشريع وسن القوانين حيث لن يعود من صلاحيات الحكومة اقتراح مشاريع قوانين باستثناء الموازنة العامة، إضافة لعمله الرقابي على الحكومة من خلال القانون والاستقصاء ولجان البحث والجلسات العامة والأسئلة الخطية، وأيضاً التحقيق ورفع الحصانة لفتح الباب على المحاسبة والعقاب. وسيلعب العدالة والتنمية – وفق البرنامج – دوراً رائداً في التعديلات الضرورية في النظام الأساسي للبرلمان ليعمل بشكل أكثر فعالية ومناسبة للنظام الرئاسي[3].

ب- حكومة قوية (نموذج النظام الرئاسي): يتضمن البرنامج إشارات واضحة ومطولة حول الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري الذي أقر النظام الرئاسي في نيسان/أبريل 2017. يرى البرنامج أن النظام الرئاسي هو “نظام حكم فاعل معتمد على الإرادة الشعبية”، ويعمل وفق مفهوم “إصلاحي” ضمن إطار أهداف عام 2023.

يؤكد البرنامج أن الحكومات المستقرة ستقلل من البيروقراطية وتفتح الباب على الإصلاحات والتنمية الاقتصادية، مع آلية اتخاذ قرار سريعة وتنفيذ سريع كذلك. وستكون مؤسسة الرئاسة مختصة في رسم الاستراتيجيات والمتابعة والتقييم، بينما تهتم الوزارات بالأعمال التنفيذية، كما أن الوزراء لن ينشغلوا عن عملهم الرئيس بأي أعباء برلمانية بعد الفصل بين الحكومة والبرلمان.

ويرى البرنامج أن ذلك سيعزز مكانة تركيا إقليمياً ودولياً، ويجعلها ذات كلمة مسموعة في حل المشكلات الدولية ومكافحة الإرهاب بفعالية، وأن زوال الازدواجية في السلطة التنفيذية (الرئاسة ورئاسة الحكومة) سيساعد على إدارة سريعة وفاعلة في اتخاذ القرار وتنفيذه، بما يقلل من البيروقراطية ويسمح باعتماد الأهلية والكفاءة معارين رئيسين في الوظائف والمناصب المختلفة.

يعد البرنامج بإصلاحات بنيوية في مؤسسات الدولة والوزرات والإدارات المحلية، وإصلاحات ديمقراطية توسّع مساحات العمل السياسي والديمقراطي، مع تنسيق أكبر بين الوظائف الأساسية للدولة مثل الاقتصاد والسياسات المجتمعية والسياسة الخارجية والأمن والاستخبارات.

ج- قضاء مستقل وقوي: تؤكد الوثيقة على أن الثقة بالقضاء وكونه بعيداً عن فرض الأيديولوجيات والتصورات السياسية والمعتقدات وغير متأثر بهم، أمر مهم للعدالة وكذلك لضمان وتأمين الديمقراطية في البلاد.

ثمة إشارة للإصلاحات التي أجراها العدالة والتنمية في السلك القضائي وفي مقدمتها إلغاء المحاكم العسكرية باستثناء محاكم التأديب، ما أثمر دوراً فاعلاً للقضاء في صد الحملة الانقلابية الفاشلة في 2016، ثم إلغاء المحاكم العرفية في استفتاء التعديل الدستوري عام 2017.

ويعد البرنامج بإبعاد القضاء عن السياسة وتفرغه لعمله، بحيث تراقب المحكمة الدستورية القوانين الصادرة عن البرلمان والمراسيم الصادرة عن الرئاسة، ويراقب مجلس القضاء الأعلى والمحاكم الإدارية الأعمال التنفيذية للحكومة.

 

ثانياً، ديمقراطية قوية:

تشير الوثيقة إلى منهجية العدالة والتنمية في فهمه للسياسة المرتكزة على مبادئ الديمقراطية والخدمات والمسؤولية، وإلى أن أحد أهم أسباب تأسيس العدالة والتنمية وعمله هو رفع سقف الحقوق والحريات للمواطنين، وتؤكد على أهمية الديمقراطية من أجل الاقتصاد والتنمية، مع تركيز واضح على فكرة انتصار الديمقراطية في 15 تموز/يوليو 2016.

فيما يتعلق بالحقوق والحريات، تم التطرق لما قدمه الحزب على مدى 16 عاماً وفي مقدمة ذلك الاتفاقات والوثائق الدولية التي وقعها مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وما قدمه من مبادرات مثل الخطة الخاصة بمنع انتهاكات حقوق الإنسان وإتاحة تظلم الأفراد أمام المحكمة الدستورية التركية والتعديلات الدستورية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل ورفع عقوبات الكراهية والتمييز على أسس العرق والدين واللغة.

وتعهد البرنامج بحماية المكتسبات التي قدمها الحزب على مدى 16 عاماً من الحكم في مجال الحقوق والحريات، وتمتين الوحدة الداخلية ضمن مفهوم مواطنة معتمد على قيم إنسانية شاملة للجميع، والاستمرار في منع فرض أي هوية أو أسلوب حياة معين على المجتمع.

وفيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، أكد البرنامج قبول حزب العدالة والتنمية العلمانية باعتبارها ضماناً للحريات الدينية وأساليب الحياة المختلفة ودولة القانون وبقاء الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات وفئات المجتمع.

وتضمن البرنامج وعوداً لتطوير وتحسين الوضعية القانونية للمواطنين الروم، والاعتراف بالوضع القانوني لـ”بيوت الجمع” وهي المراكز الدينية والثقافية للعلويين في تركيا، إضافة لاستمرار التعاون مع القيادات الروحية العلوية للتوافق الديمقراطي على تأسيس بيوت جمع ومراكز بحث في الجامعات وإعطاء معلومات صحيحة في النظام التعليمي.

ووعد البرنامج بإعداد قوانين وتشريعات لتأسيس بنية مجتمعية أكثر مشاركة ومساهمة في الحياة السياسية، وفتح الآفاق أكثر لمنظمات المجتمع المدني، وتقليل البيروقراطية المتعلقة بإنشائها وعملها.

 

ثالثاً، الإنسان والمجتمع:

يرفع العدالة والتنمية منذ تأسيسه شعار “أحْيِ الإنسان لتحْيا الدولة” في عمله الحكومي والحزبي والسياسي بشكل عام، ويرى الإنسان وتنميته وتطويره وتحسين أوضاعه أهدافاً رئيسة في برنامجه الانتخابي.

يعدُ البرنامج بأن تكون جودة التعليم أولوية في المرحلة المقبلة، ومن ضمن ذلك رفع مستوى المعلمين، وتطوير المناهج لتعكس ضرورات العصر، وإعداد الطلاب للمستقبل وتوجيههم وفقاً لمواهبهم وإمكاناتهم.

كما تعهد البرنامج باستمرار الدعم للأنشطة الفنية والثقافية، ونشر اللغة التركية في العالم، وألا تبقى أي محافظة تركية بلا مركز ثقافي، وإنشاء أرشيف رقمي مختص بالمجالات الثقافية والفنية.

كما ذكّر البرنامج بالإصلاحات في القطاع الصحي، مثل تطوير الضمان الصحي وتسهيل وصول كافة المواطنين للخدمات الصحية وتوصيل الخدمات الصحية للمنازل لغير القادرين على الوصول للمراكز الصحية. ووعد بتطوير البنية التحتية للقطاع الصحي، والاستمرار في مشاريع المدن الاستشفائية، وتطوير إجراءات طبية فردية بناء على مشروع “الجينوم التركي”.

وفيما يتعلق بالشباب والمرأة، تعهد البرنامج بزيادة مشاركتهم ودورهم في مختلف المجالات، من آليات اتخاذ القرار للسياسات المجتمعية ومن التعليم للعمل ومن السياسة للاقتصاد والاستثمار، كالتعهد بوصول المرأة لنسبة %40 في سوق العمل بحلول عام 2023، كما اهتم ببعض الفئات الخاصة في المجتمع مثل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

 

رابعاً، اقتصاد مستقر وقوي:

ثمة أولوية واضحة معطاة للاقتصاد في الوثيقة، التي ذكّرت بأهم الإنجازات الاقتصادية للحزب منذ 2002، على مستوى الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد والديون الخارجية ونسبة التضخم وغيرها.

ووعد البرنامج بإعادة نسبة التضخم مرة أخرى إلى ما تحت %10، وتخفيض العجز في الموازنة بشكل دائم ومستقر، وجذب استثمارات خارجية طويلة الأمد نحو القطاعات الأفضل إنتاجاً وذات التقنية العالية من خلال الاستقرار السياسي والقدرة على التنبؤ والسياسات الداعمة للاستثمار.

كما تعهد  البرنامج برفع عدد المصدّرين من 71 ألفاً و265 إلى 120 ألفاً، ونسبة الصناعات التقنية في الصادرات من 4 إلى 15%، وزيادة استخدام العملة المحلية في التجارة الخارجية، وتسريع مشروع “مركز إسطنبول المالي الدولي”، وتطوير المصارف التنموية لدعم الاستثمارات مالياً على المدى البعيد.

ومن وعود البرنامج الانتخابي في هذا القطاع، تحويل تركيا لمركز إقليمي في قطاع التمويل بدون فائدة، وتطوير قانون إدارة وضبط المال العام، وتطوير قانون المناقصات الحكومية، وإصلاح قوانين ضريبة الدخل وضريبة المؤسسات والأصول الضريبية، وإعادة هيكلة ديون المواطنين الضريبية للدولة، ورفع عدد مناطق التطوير التقني إلى 105 منها 5 مختصة و10 مناطق صناعية منظمة، وفتح معابر جمركية إضافية لزيادة التجارة مع الدول الجارة، ووضع تركيا ضمن الدول الخمس الأكثر جذباً للسياح في العالم بهدف 50 مليون سائح بحلول عام 2023، فضلاً عن الإشارة إلى استقلالية المصرف المركزي في مواجهة تقلبات العملة[4].

خامساً، القطاعات الاستراتيجية والإنتاج المبتكر:

هذه القطاعات هي قطاعات العلم والتكنولوجيا والبحوث والتطوير، والرقمنة، والصناعة، والصناعات الدفاعية والجوية والفضائية، والطاقة والمعادن، والغذاء والزراعة، والمواصلات واللوجستيات.

يعد البرنامج بإعادة هيكلة مجال البحوث والتطوير، وزيادة مصادر تمويله، وبدء “حملة التكنولوجيا الوطنية”، وافتتاح القاعدة العلمية التركية في القارة القطبية الجنوبية عام 2019، ورفع نسبة الإنتاج التقني في القطاعات الصناعية الاستراتيجية وتأمين التحوّل الرقمي للمؤسسات الصناعية القائمة، وبناء 15 منطقة صناعية إضافية على الأقل في قطاع التقنية العالية، وتأسيس مركز اختبار مركبات ليغطي احتياجات المركبات المدنية والعسكرية المحلية من فحوص وتوثيق وبحوث وتطوير.

أيضاً تعهد البرنامج ببدء تصنيع الدبابة التركية “ألتاي”، وتصميم وإنتاج الماكينات محلياً، وتصنيع طيارات مهاجِمة بدون طيار من النوع الاستراتيجي، وتأسيس محظة فضائية في 2018، ورفع طول شبكة خطوط السكة الحديد إلى 25 ألف كلم، والاستمرار في افتتاح المطارات في مختلف المحافظات.

 

سادساً، البيئة والتخطيط المدني والإدارات المحلية:

وتشمل بنود حماية وإدارة الطبيعة والمصادر الطبيعية، ومكافحة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، وتطوير المدن والإدارات المحلية، وتخطيط الأماكن والإعمار، ومشروع التطوير الحضري،  والبنية التحتية، وإدارة الكوارث والآفات الطبيعية، والتطوير المناطقي، وتطوير الريف.

شمل البرنامج وعوداً تتعلق باستكمال النقص الموجود في البنية التحتية في المحميات الطبيعية، ووضع هدفاً هو تحول تركيا إلى نموذج عالمي في إدارة النفايات وإعادة تدويرها في إطار مشروع “صفر نفايات”، ورفع مساحة الغابات في تركيا بحلول عام 2023 إلى 233 مليون ديكار أي حوالي %30 من مساحة البلاد، وتحدث عن رؤية جديدة في تخطيط المدن تتركز حول الإنسان وتحمي المصادر الطبيعية وحساسة للتغيرات المناخية وتراعي الإرث التاريخي والثقافي، فضلاً عن التكامل بين الحكومة والبلديات والإدارات المحلية وتسريع مشروع التطوير الحضري.

 

سابعاً، السياسة الخارجية والأمن القومي:

أكد البرنامج على أن عضوية الاتحاد الأوروبي ما زالت هدفاً استراتيجياً لتركيا، وعلى رغبة الأخيرة في حل الأزمات مع الولايات المتحدة، واستمرار تطوير العلاقات مع روسيا، والتزامها بمكافحة ما يهدد أمن واستقرار دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الإرهاب والمقاربات المفرّقة المعتمدة على أسس عرقية ومذهبية. وركز البرنامج على دعم تركيا الكامل للقضية الفلسطينية ومواجهتها لكافة المبادرات المتعارضة مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى.

وأكد البرنامج على استمرار تركيا في العمل من أجل نظام دولي أكثر عدالة تحت شعار “العالم أكبر من خمسة”، ومكافحة التمييز والعنصرية والإسلاموفوبيا، والاهتمام بالأتراك المغتربين، وتطوير سياسات الهجرة، فضلاً عن المكافحة المستمرة والمتطورة والمتزامنة لكافة المنظمات الإرهابية.

ثامناً، ملحق إضافي بخصوص بعض المشاريع التنموية:

ضم الملحق في نهاية البرنامج الانتخابي شرحاً مبسطاً لـ 146 مشروعاً كبيراً مختاراً أهمها مشاريع مركز أتاتورك الثقافي في إسطنبول، ومتحف حضارات تركيا، والأرشيف الرقمي، والمدن الاستشفائية، والدبابة “ألتاي”، والسفينة الوطنية “ميلغام”، والسيارة المحلية، وقناة إسطنبول، والقطار الوطني، والمطار الثالث، وخط الغاز الطبيعي عبر الأناضول “تاناب”، وخط السيل التركي للغاز الطبيعي، ومحطة “أك كويو” للطاقة النووية، ومحطة “سينوب” للطاقة النووية، وحديقة الشعب الكبيرة (مكان مطار أتاتورك)، وقمر تركي جديد (Türksat A6).

 

الشعب الجمهوري

من جهته، قدَّم حزب الشعب الجمهوري برنامجه الانتخابي في 244 صفحة، وأيضاً في أجواء احتفالية عرض فيها رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو (وليس المرشح الرئاسي عنه محرم إينجة) أهم بنوده.

شعارات البرنامج الانتخابي تنوعت بين “قادمون من أجل الشعب” و”كفى”[5].

بعد مقدمة موجزة، تضمَّن البرنامج خمسة عناوين رئيسة بدا أنه أعطاها الأولوية في تقييم الواقع ووعود المستقبل، هي:

1- الديمقراطية: الحق والقانون والعدالة.

2- الاقتصاد: تركيا منتجة نامية وتوزع بعدالة.

3- التعليم: تعليم مجاني ذو جودة وضامن للعمل.

4- السِّلم المجتمعي: حياة أخوية معاً.

5- السياسة الخارجية: الاستقرار والمكانة.

كما تضمن البرنامج محاور أخرى، هي:

6- الإدارة الحكومية  والخدمات.

7- بيئة عمل عادلة تليق بكرامة الإنسان.

8- الفئات المجتمعية.

9- الثقافة والفن.

10- حق المدينة.

11- حياة صديقة للبيئة.

المقدمة:

شددت مقدمة البرنامج الانتخابي للشعب الجمهوري على أن تركيا في مرحلة انكسار واما مفترق تاريخي حساس، وقدمت الحزب كمخلّص لها من أزماتها. حملت المقدمة طابع الشعارات مثل: نحن حزب الاستقلال والتأسيس، وحزب التحديث والتنمية، وحزب الماضي والمستقبل، والحزب رائد الديمقراطية الأتاتوركية والاجتماعية، والحزب رائد القرن الواحد والعشرين، وحزب العيش المشترك للمواطنين الأحرار، وحزب التطوير الإنساني والتقاسم العادل.

 

أولاً، الديمقراطية:

اعتبر حزب الشعب الجمهوري أن تركيا تبتعد عن العالم الديمقراطي المتحضر، وأن المواطنين الأتراك يُحكمون بطريقة مستبدة وغير قانونية، وأن النظام قد استغل المحاولة الانقلابية الفاشلة ليصادر الحقوق والحريات ويفرض قانون الطوارئ ويتحول لنظام حكم الفرد.

ويعِدُ برنامجه بدستور جديد للبلاد يوضع بتوافق وطني عام يشمل الأحزاب السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، وبإلغاء حالة الطوارئ وباقي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بما فيه ذلك المراسيم التي أصدِرَت، وكل ما ترتب على ما أسماه “انقلاب العشرين من تموز/يوليو”[6]، وتعديل النظام الأساسي للبرلمان لجعله أكثر ديمقراطية وتمثيلاً للديمقراطية التعددية وأكثر فاعلية في الحياة السياسية، وإطلاق سراح كافة النواب المعتقلين الذي لم تصدر بحقهم أحكام قضائية، وإعادة صلاحية تحديد الموازنة للبرلمان، وإلغاء العتبة الانتخابية، وتقوية المجتمع المدني، وتحرير الصحافة من الضغوط السياسية، وإنهاء ملف الصحافيين المعتقلين.

 

ثانياً، الاقتصاد:

تنتقد الوثيقة سياسات العدالة والتنمية الاقتصادية ودين البلاد الكبير، وترى أن نسبة نمو الاقتصاد التركي أقل من الدول النامية الأخرى[7]، وأن ما أسماها “سياسات القصر” التي يحيل فيها إلى رئاسة الجمهورية قد أوقعت الاقتصاد في أزمات متتالية رفعت من نسبة التضخم وأضعفت الليرة أمام العملات الأجنبية وزادت من معدلات البطالة والفقر.

يعد البرنامج بمستقبل تستفيد منه كافة أطياف الشعب التركي، يعتمد على النمو والعدالة في توزيع الدخل، ويحافظ على التوازنات والمحددات الكبرى للاقتصاد وبالتالي يؤدي إلى الاستقرار ويحقق القفزة التنموية التي تحتاجها تركيا. يؤكد البرنامج أن بنية الاقتصاد ستكون مرتكزة على الإنتاج ومستفيدة من فرص العصر، مع إعطاء الأولية في الصادرات للصناعات التقنية العالية والمتوسطة.

ويحدد البرنامج أهدافاً قصيرة الأمد عمادها أساسان: الأول تحقيق تنمية سريعة ترفع من مستوى الاستخدام/العمالة والثاني تشجيع الاستثمار. كما يعدّد متطلبات أساسية لتحقيق الأهداف متوسطة وبعيدة الأمد مثل إلغاء حالة الطوارئ ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 2200 ليرة تركية، وإعادة تنشيط مسار عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

ويحدد البرنامج الأهداف متوسطة وبعيدة الأمد كالتالي:

1- التخصص في إنتاج الخدمات والبضائع مرتفعة القيمة المضافة.

2- رفع جودة القوة العاملة ومستوى الأجور.

3- التحول للنظام البيئي الإداري.

4- علاج التفاوت بين المناطق.

5- إدخال كل المحتاجين تحت بند الضمان العائلي.

ولتحقيق هذه الغايات، يوضح البرنامج 5 أهداف أساسية للسنوات الخمس المقبلة:

أ- رفع متوسط دخل الفرد إلى 15 ألف دولار.

ب- خفض نسبتي التضخم والبطالة إلى تحت %5.

ت- خفض العجز في الميزان التجاري إلى ما تحت 4% من الدخل القومي.

ث- إنهاء الفقر.

ج- رفع نسبة الخدمات والبضائع عالية ومتوسطة التقنية من الصادرات الصناعية إلى %60.

ولتحقيق الأهداف الاقتصادية الخمسة، يذكر البرنامج خمسة مشاريع سيتم تنفيذها:

الأول، مشروع إنتاج ذي قيمة مضافة مرتفعة.

الثاني، مشروع الأجيال التنموية.

الثالث، مشروع اتحاد القوة الإدارية.

الرابع، مشروع النمو مع الأجور المرتفعة.

الخامس، مشروع التشارك العادل.

ومن وعود البرنامج الانتخابي كذلك، تخصيص %3 من الدخل القومي للبحوث والتطوير، وتأمين مليوني فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة، ودفع “راتب عائلة” للأسر الفقيرة من حاملي “البطاقة الخضراء”.

 

ثالثاً، التعليم:

تنتقد الوثيقة التغيير المستمر للسياسات التعليمية والمناهج في عهد حكومات العدالة والتنمية، وما اعتبرته تراجعاً في جودة التعليم المجاني بحيث أصبح التعليم الجيد حكراً على ذوي الدخول المرتفعة، واتهمت العدالة والتنمية بالتدخل في إدارات الجامعات للضغط على الأكاديميين.

ويحدد البرنامج هدف الشعب الجمهوري بتعليم مجاني ونوعي يبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة ويستمر حتى الجامعة، وإعادة النظام التعليمي لنظام 1+4+8 الإلزامي الذي كان مطبقاً سابقاً، والذي يتكون من سنة قبل المدرسة و8 سنوات للمرحلة الابتدائية و4 سنوات للمرحلة المتوسطة[8]، إضافة لمنهج عصري وذكي.

 

رابعاً، السلم المجتمعي والقضية الكردية:

تتهم الوثيقة حزب العدالة والتنمية وحكوماته المتعاقبة باستخدام الهويات الدينية والإثنية والسياسية ضد بعضها البعض، ما أوصل حالة الاستقطاب إلى درجة غير مسبوقة. وأنه اختزل المشكلة الكردية في مشكلة أمنية، ما تسبب بأخطاء كثيرة أضعفت شعور الانتماء لدى كثير من المواطنين بالإشارة إلى الأكراد، ما أعاد إحياء شعور الخوف من تقسيم البلاد وأشاع جواً من القلق وعدم الشعور بالأمان.

ويعد البرنامج بأن الشعب الجمهوري لن يقصي أي مواطن بسبب معتقده أو أصوله أو هويته، وأنه سيحتضن كل فرد من الشعب وفق مفهوم المواطنة الديمقراطية، التي اعتبرها مفهوم الجمهورية التركية. كما يتعهد حزب الشعب الجمهوري بحل المشكلة الكردية حلاً نهائياً وسلمياً من خلال لجنة توافق مجتمعي تؤسس داخل البرلمان من كل الأحزاب المنضوية تحت قبته بشكل متساو، إضافة لاعتماد الإدارات الذاتية للمحليات وفق المعايير الأوروبية. حيث يرى الحزب أن حل المشكلة الكردية يكون بمقاربة ديمقراطية تتضمن مقاربة أمنية، وتنمية اقتصادية، وحقوق الإنسان، والمواطنة المتساوية.

كما يدعو البرنامج لاعتماد علمانية حرة تكفل حرية المعتقد والعبادة، وإعادة هيكلة رئاسة الشؤون الدينية لتكون على مسافة واحدة من كل الأديان بما يتفق مع مبدأ العلمانية، ومنح “بيوت الجمع” وضعية دور العبادة.

 

خامساً، السياسة الخارجية:

يتهم حزب الشعب الجمهوري حكومات العدالة والتنمية بتهميش مؤسسات الدولة وتقاليدها في السياسة الخارجية لصالح خيارات فرد واحد، الرئيس اردوغان، ما أدى إلى زيادة وحْدَة تركيا على الساحة الدولية وضعف مكانتها ودورها في المنطقة بعد أن عانت مشاكل وأزمات مع معظم دول جوارها. ويرى أن سياسة تركيا الخارجية باتت غير محايدة ومفتقدة للمصداقية، ما منعها أن تكون لاعباً عالمياً متوقع السلوك وأفقدها صفة الشريك القادر على المساهمة في حل المشكلات الدولية.

ويعرض البرنامج الانتخابي رؤية الشعب الجمهوري، بأن مكانة تركيا واحترامها دولياً ممكنان من خلال سياسة خارجية حيادية وعادلة وذكية يمكنها أن تجعل الدولة موثوقة وقوية وفاعلة، بما يضع حداً لما أسماه سياسات الفرد الواحد “الحماسية والمغامرة والدوغمائية والمثيرة للنزاعات”.

ومن أهداف السياسة الخارجية التركية وفق البرنامج تأمين وحدة الأراضي السورية وحل عادل للقضية الفلسطينية وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر إلى المستوى المطلوب، وإلغاء اتفاقية “مافي مرمرة”[9]، وإنشاء “منظمة الشرق الأوسط للسلام والتعاون” يكون الأعضاء المؤسسون لها كل من إيران والعراق وسوريا وتركيا. ومنها العودة لمسار العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة على أساس الندية والتعاون، وتطوير العلاقات مع روسيا بشكل متوازن.

في القضية السورية، يدعو البرنامج إلى تأمين سلامة الشعب السوري ووحدة أراضي سوريا، ويدعم حلاً سياسياً يمكّن الشعب السوري من تقرير مصيره بعد تحقيق الاستقرار وتجريد فواعل ما دون الدولة من السلاح، وتأمين عودة متدرجة وآمنة لمن يرغب من السوريين المقيمين في تركيا تحت بند “الحماية المؤقتة” إلى بلدهم. كما أشار البرنامج إلى التزام تركيا بمكافحة الإرهاب في سوريا وما عكسه من مخاطر على الداخل التركي، ودعم مهمة القوات المسلحة التركية داخل سوريا دبلوماسياً وتأمين انتهائها وتكليلها بالنجاح في أقصر وقت ممكن.

 

وفيما يتعلق بباقي الملفات والمحاور المتضمة في البرنامج الانتخابي:

 

سادساً، الإدارة الحكومية والخدمات:

ترى الوثيقة أن تركيا تعاني من مشكلتين رئيستين تفرضان ضرورة إصلاح القطاع الحكومي: نظام حكم الفرد الذي ترسخ في السنوات الأخيرة وأضر بعمل القطاع الحكومي، وثورة المعلوماتية التي تفرض تطوير طريقة تقديم الخدمات للمواطنين.

ويعد البرنامج الانتخابي بطريقة عمل حكومي تشمل تقاسم المسؤوليات والصلاحيات بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية، ومنح الإدارات المحلية مزيداً من المصادر والدعم لجعلها أكثر قوة وذاتية في عملها وفق معايير الاتحاد الأوروبي، ومكافحة الفساد، والرقابة الذاتية، واستقلالية القضاء.

ومن وعود البرنامج تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية بشكل عام، وجعلها فقط 3 شهور للطلاب لإنهائها خلال العطلة الصيفية على وجه الخصوص، ومشروع جعل تركيا “دولة مركز” في المنطقة وجسر وصل بين الشرق والغرب.

 

سابعاً، بيئة عمل عادلة تحترم الكرامة الإنسانية:

يتعهد البرنامج بإنشاء بيئة عمل متساوية للجميع، بأجور مرتفعة، مع مكافحة التمييز، ورفع الحد الأدني للأجور إلى 220 ليرة مع إعفائه من الضرائب، وإعادة تقييمه/رفعه كل 6 أشهر وليس سنوياً، وخفض نسبة البطالة إلى ما دون %5.

 

ثامناً، الفئات المجتمعية:

تدافع الوثيقة عن رؤية الشعب الجمهوري والديمقراطية الاجتماعية بخصوص هدف التوافق المجتمعي والطبقي، والمواطنة المتساوية. ويعد البرنامج بإعادة تقييم وتعديل القوانين والإجراءات الحكومية المتعلقة ببرامج السياسات المجتمعية مثل الضرائب والتحفيزات وتقاسم الثروة.

ومن وعود البرنامج تخصيص وزارة للمرأة ضمن سياسة المساواة الكاملة، واعتبار يوم المرأة العالمي عطلة رسمية، وتخصيص “كوتة” %33 في المجالس البلدية للنساء، وتقديم دعم مالي للشباب بين 15-25 سنة، ومنحة مالية للطلاب بقيمة 1000 ليرة سنوياً، ودعم المستثمرين الشباب، وتعديل قانون حماية الطفل، ومساواة ذوي الاحتياجات الخاصة قانونياً مع باقي المواطنين في التعليم والصحة والعمل، ورفع راتب التقاعد إلى 1500 ليرة تركية.

 

تاسعاً، الثقافة والفن:

يشمل البرنامج إنشاء “الهيئة العليا للفن” لدعم الأنشطة الفنية، وخفض الضرائب إلى الحد الأدنى الممكن في المجالات الفنية والثقافية.

 

عاشراً، حق المدينة:

ويتضمن إعادة النظر في مشاريع التطوير الحضري وتخطيط المدن وفق الاحتياجات والظروف المعاصرة وثورة التكنولوجيا، وإعطاء المدن “هويات” واضحة وفق مفهوم المدينة الذكية.

 

أحد عشر، أسلوب حياة صديق للبيئة:

ويتضمن السياسات المتعلقة بالطاقة البديلة والمتجددة وقوانين وإجراءات مكافحة الاحتباس الحراري ومتغيرات المناخ.

 

كما يتطرق البرنامج الانتخابي للشعب الجمهوري إلى فكرة استحداث بعض الوزارات، مثل وزارة الموارد البشرية ووزارة المرأة ووزارة التجار والمهنيين، وبعض الهيئات والمؤسسات مثل مؤسسة استراتيجيات تطوير الإنسان والسياسات العلمية وهيئة الضمان العائلي.

 

التقييم والمقارنة

في هذه القراءة السريعة للبرنامجين الانتخابيين، يمكن رصد الملحوظات الرئيسة التالية:

أولاً، البرنامجان واسعان وشاملان إلى حد كبير، مع التركيز على الأولويات من جهة وعدم إهمال التفاصيل من جهة اخرى.

ثانياً، قسّم العدالة والتنمية برنامجه الانتخابي إلى قسمين، منجزاته وإجراءاته منذ 2002 وحتى الآن ووعوده الانتخابية للمستقبل. وهو هنا يعتمد إلى حد بعيد على ما قدمه خلال 16 عاماً من الحكم كمرتكز أساسي للبرنامج، مقدماً رسالة واضحة عن القدرة على الإنجاز أولاً وعلى ضرورة الاستمرارية والاستقرار من جهة أخرى، وبالتالي يعتمد بشكل كبير على خبرته ومصداقيته لدى الناخب.

ثالثاً، قسّم الشعب الجمهوري برنامجه الانتخابي إلى قسمين، انتقاداته الحادة للعدالة والتنمية وسياساته وواقع البلاد من وجهة نظره ثم وعوده الانتخابية للمستقبل. وهو هنا يعتمد على التناقض مع العدالة والتنمية وتقديم رسالة واضحة حول ضرورة التغيير وقدرته على ذلك وعلى معالجة الأخطاء التي يراها في مختلف المجالات.

رابعاً، الاقتصاد هو البند الرئيس في البرنامجين، من جهة الرؤى الكبيرة والتفاصيل الصغيرة على حد سواء، وهو أمر يتناغم مع واقع تركيا ومشاكلها واهتمامات المواطن أيضاً فضلاً عن المشكلة الأخيرة المتعلقة بتراجع الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وهو أيضاً يتناسب مع الدراسات والإحصاءات المجراة مؤخراً والتي تؤكد تراجع معضلة الأمن على سلم أولويات المواطن وتقدم الاقتصاد.

خامساً، يغلب على برنامج العدالة والتنمية الرؤى المستقبلية بعيدة المدى والتركيز الشديد على أهداف عام 2023 أي مئوية تأسيس الجمهورية، بينما هناك تركيز على ما يمكن تسميته خطط إنقاذ على مدى السنوات الخمس القادمة بالنسبة للشعب الجمهوري.

سادساً، الوعود التفصيلية المتعلقة بالملف المالي والاقتصادي تحديداً أكثر وضوحاً في برنامج الشعب الجمهوري من برنامج العدالة والتنمية، وهو أمر يتناغم مع كون الأول حزب معارضة يحاول إقناع الناخب بالاقتراع لصالحه بينما الثاني حزب حاكم يتكئ على منجزاته السابقة ويرى أنه لا يحتاج للمبالغة في الوعود.

سابعاً، ثمة تركيز بالتفصيل والأرقام على ما يهم الناخب في حياته اليومية، مثل الحد الأدنى للأجور والضرائب والرواتب ومكافآت التقاعد، وهي إشارة مهمة لضرورة وصول الوعود الانتخابية للمواطن بشكل مباشر ومفهوم وملامس لاحتياجاته. ولعل من أهم الدلائل على ذلك بدء الحكومة التركية (العدالة والتنمية) بتنفيذ أحد أهم الوعود وهو المتعلق بمكافآت للمتقاعدين قبل موعد الانتخابات، حيث ستصرف الحكومة لهم مكافأة قبل عيد الفطر المقبل.

ثامناً، في السياسة الخارجية ثمة توافق ملحوظ إلى حد كبير بين البرنامجين في العلاقة مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والمؤسسات الإقليمية والدولية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومسار الانضمام للاتحاد الأوروبي وغيرها، في مقابل اختلافات أوضح في السياسات الإقليمية والعلاقات مع دول الجوار لا سيما فيما يتعلق بسوريا ومصر وفلسطين.

تاسعاً، السياسة الخارجية لدى العدالة والتنمية تنبع من دور تركيا الريادي في الإقليم والعالم وكونها “صوتاً للمظلومين” وكونها ترى لنفسها دوراً في مكافحة الإسلاموفوبيا وتدعو لنظام دولي جديد وعادل، بينما تميل في برنامج الشعب الجمهوري للعودة إلى الحيادية والأطر السابقة والتنسيق أكثر مع المؤسسات الدولية والالتزام بسقوفها.

عاشراً، كان واضحاً التأكيد على الاستقرار والقوة والسرعة كمنتجات للنظام الرئاسي في برنامج العدالة والتنمية، بينما غاب التطرق المباشر لإلغائه والعودة للنظام البرلماني في برنامج الشعب الجمهوري.

أحد عشر، فيما يتعلق بالقضية الكردية لم يستخدم برنامج العدالة والتنمية مصطلح “الحل” أو “الانفتاح” كما السابق وإنما أشار للمواطنة المتساوية ضمن إطار الحريات العامة والحقوق دون تخصيص. بينما تطرق برنامج الشعب الجمهوري للأمر بشكل مباشر متحدثاً عن “مشكلة كردية” ينبغي حلها ضمن البرلمان.

إثنا عشر، لم يبالغ الشعب الجمهوري في إظهار وجهه المتقبل للمحافظين والمحتضن لجميع فئات الشعب، بل اعتمد كثيراً على أدبياته التقليدية ومصطلحاته الحزبية. وهي ملحوظة التقطها اردوغان، الذي انتقد ورود لفظ “إسلام” مرة واحدة فقط في البرنامج الانتخابي للشعب الجمهوري، وفي سياق التحذيرمن “التطرف الإسلامي” في القضية الفلسطينية.

ثالث عشر، يستفيد العدالة والتنمية بشكل واضح من تراكم خبرته في الحكم على مدى 16 عاماً، لكن ذلك أيضاً يؤدي إلى سلبية من جهة أخرى، حيث يقع الحزب في تكرار الوعود ويَقِلُّ “الجديد” أو “التغيير” الذي يقدمه للناخبين وخاصة الشباب منهم. ويفتح ذلك الباب للمعارضة لانتقاده من باب أنه يحكم منذ 16 عاماً وبالتالي فكثير مما يذكره من مشكلات من جهة أو وعود ومشاريع من جهة أخرى يفترض أن يكون قد حلها أو أنجزها على مدى السنوات السابقة.

 

ختام

كانت هذه قراءة سريعة ومختصرة – رغم طولها – للبرنامجين الانتخابيين للحزبين الأكبر في تركيا، العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 والذي يقود تحالف “الشعب” مع الحركة القومية والاتحاد الكبير، والشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة والذي يقود تحالف “الأمة” مع أحزاب الجيد والسعادة والديمقراطي.

ورغم ما سبق ذكره من عدم المبالغة في تقييم دور وتأثير البرامج الانتخابية على قرار الناخب، إذ تعتمد الأحزاب على وسائل أبسط وأكثر وضوحاً وتركيزاً لأجزاء بعينها من هذه البرامج لتبقى حاضرة في ذاكرة المواطن، إلا أن لهذه البرامج أهميتها الكبيرة من حيث متابعة تنفيذها لاحقاً، وتبقى – وهذا هو الأهم – كوثائق تضم لأدبيات الأحزاب وتتحول لجزء من التأريخ لها فضلاً عن كونها وثائق تؤرخ لحقبة زمنية معينة في تركيا تفيد الباحثين لدى العودة إليها لاحقاً.

ولعله من المفيد الإشارة أخيراً إلى الجهد الكبير المبذول في البرامج الانتخابية من ناحية حجمها ومضمونها وشمولها وتنسيقها ولغتها…الخ في فترة زمنية محدودة جداً وقبل انتخابات قـُدِّمت عن موعدها، وهو أمر يشير إلى الجدية التي تتعامل فيها الأحزاب التركية مع المنافسة الانتخابية واحترامها للناخب ومحاولتها جذب اهتمامه وإقناعه بالتصويت لها بشتى السبل، فهو في النهاية صاحب القرار الأول والأخير وصوته الذي يضعه في صندوق الانتخاب هو الذي يحدد من سيحكم ومن سيبقى في صفوف المعارضة.

[1]  ترى الوثيقة أن تركيا قد انتقلت خلال 16 عاماً من حكم العدالة والتنمية من نادي الدول منخفضة – متوسطة الدخل إلى الدول متوسطة – مرتفعة الدخل، علماً أنه وفق أرقام البنك الدولي فإن الاقتصاد التركي في المرتبة الـ17 عالمياً بمتوسط دخل قومي بلغ 849 مليار دولار وفق أرقام عام 2017.

[2]  للمزيد أنظر: سعيد الحاج، العدالة والتنمية والانتخابات الرئاسية: قصة تستحق أن تروى، عربي 21، 28 أيار/مايو 2018: https://arabi21.com/story/1097284/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%82-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%89#section_299

[3]  للمزيد حول بنود النظام الرئاسي وفق التعديل الدستوري في 2017 انظر مثلاً:

سعيد الحاج، قراءة في مشروع النظام الرئاسي في تركيا، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 13 كانون الثاني/يناير 2017: https://eipss-eg.org/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7/

[4] يشير عدد من التقارير الاقتصادية إلى أن الخلاف بين الرئاسة التركية وبين المصرف المركزي على السياسة المتعلقة بالفائدة أحد أسباب تراجع الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، من باب أن المصرف المركزي التركي ليس مستقلاً تماماً في قراراته، ومن هنا تنبع أهمية التأكيد على استقلاليته في البرنامج الانتخابي.

[5]  شعار مقصود منه أن 16 عاماً من حكم العدالة والتنمية والرئيس اردوغان كافية، وأنه حان الوقت للتغيير.

[6]  يعتبر حزب الشعب الجمهوري بأن اردوغان وحكومة العدالة والتنمية استغلا المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016 بعدها بأيام لإعلان حالة الطوارئ وانتهاج سياسات غير ديمقراطية، ويعتبر ذلك “انقلاباً”  على الديمقراطية ويؤرخ له بإعلان حالة الطوارئ في 20 تموز/يوليو من نفس العام.

[7]  تركز الحكومة والمعارضة في العادة على زوايا مختلفة من المؤشرات الاقتصادية لإثبات وجهة نظرهم وتقييمهم للاقتصاد التركي إيجاباً أو سلباً، لكن هذه النقطة تحديداً تبدو غريبة باعتبار أن تركيا حققت نسبة نمو في عام 2017 بلغت 7.4% كانت الثانية عالمياً بعد إيرلندا، وهو المعطى الذي تستخدمه الحكومة في العادة لتدعيم موقفها في حين تستغل المعارضة عادة تراجع الليرة أمام العملات الأجنبيية لدحضه. أنظر مثلاً:

نمو الاقتصاد التركي 7.4 في المئة خلال 2017، TRT العربية، 29 آذار/مارس 2018:  http://www.trtarabic.tv/%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-7-4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6%D8%A9-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-2017/

[8]  كان هذا النظام مطبقاً قبل ذلك في تركيا، وحوله العدالة والتنمية إلى نظام 4+4+4 الذي سمح بانتظام من أراد من الطلاب في المرحلة المتوسطة من ثانويات الأئمة والخطباء ومعاهد تحفيظ القرآلآن الكريم. وقد اعتبر الناطق باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ إشارة حزب الشعب الجمهوري لهذا النظام التعليمي عودة لفترة انقلاب 1997 على حكومة نجم الدين أربكان حين فرض هذا النظام، وتعبيراً عن عزمه على منع ثانويات الأئمة والخطباء ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم.

[9]  اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب في حزيران/يونيو 2016 ووقف كافة الدعاوى القضائية المرفوعة ضد مسؤولين “إسرائيليين”، في مقابل اعتذار تل أبيب عن مهاجمة سفينة مافي مرمرة وقتل 10 ناشطين أتراك وتعويض عوائلهم.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

كيف ستحسب نتائج الانتخابات التركية؟

المقالة التالية

استراتيجيات الحملات الانتخابية في تركيا

المنشورات ذات الصلة