قراءة أولية في نتائج الانتخابات المحلية التركية
TRT عربي
لم تشهد تركيا منذ سنوات طويلة حالة التنافس الشديدة التي شهدتها انتخاباتها المحلية يوم أمس، وخصوصاً في بعض المحافظات وفي مقدمتها إسطنبول الملقبة بـ”تركيا المصغرة”.
ورغم أن النتائج النهائية لن تعلن قبل أيام، بعد أن تـَبُتَّ اللجنة العليا للانتخابات في الطعون المقدمة لها، إلا أن النتائج الأولية التي لن تختلف كثيراً عن تلك النهائية تتيح لنا مقاربتها بقراءة أولية، يمكن تلخيص أبرز ملامحهافي الاتجاهات العامة الثمانية التالية:
أولاً، حقق حزب العدالة والتنمية فوزه الخامس عشر على التوالي منذ تأسيسه عام 2001 واستلامه الحكم عام 2002، حيث تقدم الأحزاب بنسبة التصويت وعدد البلديات التي كسبها، وهي نتيجة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية.
ثانياً، لا تأثيرات سلبية مباشرة لنتائج الانتخابات البلدية على الاستقرار السياسي في البلاد رغم فوز المعارضة برئاسة بلدية أنقرة الكبرى واحتمال فوزها ببلدية إسطنبول الكبرى إذ لم يتضح المشهد حتى كتابه هذه السطور. أولاً بـِعدِّها انتخابات محلية وثانياً لنتائج تحالف الجمهور المكون من العدالة والتنمية والحركة القومية والذي فاز بأغلبية الأصوات )%51.6( وغالبية بلديات المدن بواقع 52 من أصل 81 في عموم تركيا.
ثالثاً، نسبة مشاركة مرتفعة بلغت %84 رغم أنها انتخابات إدارات محلية وبلديات، إضافة لأسلوب التصويت الذي يظهر وعياً واضحاً لدى المواطن التركي الذي فرّق على ما يبدو في اختياراته بين بلديات المدن الكبرى وبلديات الأحياء الفرعية والمجالس البلدية، باعتبار أن كلاً منها يحكمها معادلات وحسابات مختلفة.
ولعل خسارة مرشح العدالة والتنمية في أنقرة محمد أوزحسكي الذي واجه اعتراضات كبيرة لدى ترشيحه لأنه “من خارج انقرة، وليس ابنها”، وفوز رئيس بلدية كيركلار ألي السابق عن الشعب الجمهوري كمرشح مستقل بعد رفض حزبه إعادة ترشيحه، لعلهما مثالان بارزان على إرادة الناخبين في مواجهة قرار الحزب الذي ينتميون ويصوتون له.
رابعاً، ثبَّتت حالة الاستقطاب سيطرة الأحزاب السياسية والتحالفات على المشهد السياسي التركي، حيث برز تقدم العدالة والتنمية من جهة والشعب الجمهوري من الجهة الأخرى، في مقابل ضعف الأحزاب الصغيرة وغياب تام للمستقلين )يصعب تقييم الفائز ببلدية كيركلار ألي سالف الذكر كمستقل(.
خامساً، يمكن القول إن حزب الشعب الجمهوري المعارض هو أكبر الفائزين في هذه الانتخابات، حيث رفع رصيده من 13 إلأى 20 بلدية في عموم تركيا، في مقدمتها العاصمة أنقرة التي غاب عنها لأكثر من 25 سنة متتالية، ومع منافسة شديدة له في إسطنبول قد تسفر عن فوزه فيها، فضلاً عن كسبه بلديات فرعية إضافية في كل من إسطنبول وأنقرة.
سادساً، الخاسر الأكبر سيكون العدالة والتنمية رغم حلوله بالمركز الأول وبفارق كبير جداً في عدد البلديات بلغ الضعف، حيث فاز بـ40 مقابل 20 لأقرب منافسيه. إذ بالمقارنة مع الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2014 فقد الحزب 10 بلديات من أصل 50 كانت بحوزته )%20(من بينها العاصمة أنقرة ذات الرمزية السياسية بعد أن أدارها طيلة فترة حكمه، وثمة احتمال لفوز المعارضة كذلك برئاسة بلدية إسطنبول التي تعتبر “تركيا المصغرة” وخزانها الانتخابي الأكبر والتي ترتبط رمزياً بالحزب واردوغان شخصياً إلى حد كبير، حيث كانت الرصيد الأكبر له لدى الناخب التركي حين فاز برئاستها عام 1994.
تحمل هذه النتائج بالتأكيد رسائل واضحة من الناخب لحزب العدالة والتنمية، وهو ما حرص الرئيس التركي على تناوله في خطابه ليلة أمس، مؤكداً على أن حزبه سيعكف ابتداءً من اليوم على دراسة النتائج و”العمل على أساسها”، في محاولة لاستعادة ثقة المواطن في المحافظات التي “لم ننجح في كسب ود الناخبين فيها” على حد تعبيره.
سابعاً، تصويت مناطق الأغلبية الكردية في البلاد، أي محافظات الشرق والجنوب الشرقي، بدا لافتاً، حيث خسر حزب الشعوب الديمقراطي هناك بلديتين مهمتين هما شرناق وبيتليس )%20 من البلديات التي فاز بها سابقاً(لصالح حزب العدالة والتنمية في ظل جمود نسبة التصويت له في حدود %4، وهي نسبة أقل بكثير من حضوره السابق في عموم تركيا. يُنسب جزء من هذا التراجع لتصويت أنصاره في المدن الكبرى لصالح مرشحي الشعب الجمهوري، لكن جزءاً آخر مرتبط بالتأكيد بتراجع التأييد الشعبي له في تلك المحافظات.
ثامناً، الحضور القومي الواضح في الانتخابات وانقسامه بين حزبي الحركة القومية والجيد، حيث رفع الأول رصيده من البلديات من 8 إلى 11، بينما فاز الثاني بـ22 بلدية فرعية في المدن الكبرى – وإن لم يفز ببلدية أي مدينة – في أول انتخابات محلية يخوضها. كما بلغ مجموع أصوات الحزبيين القوميين المتنافسين %14.7، تقاسموها متناصفين تقريباً، وهو نفس نصيب الحركة القومية في الانتخابات المحلية السابقة.
هذه المحاور الثماني هي الاتجاهات العامة التي يمكن قراءتها في النتائج الأولية التي أعلنت ليلة أمس والتي قد تتغير جزئياً فقط مع إعلان النتائج الرسمية والنهائية وبالتالي لا تغير من ملامحها العامة واستخلاصاتها الكبرى.
ولكن يبقى أن نقول إنه من حق الناخب التركي أن يفخر بانتخابات عكست رأيه وصوته في الصناديق واحترمَ نتائجَها الساسةُ ورؤساء الأحزاب بغض النظر عن نتيجتهم فيها، وهي بالتأكيد إضافة للتجربة الديمقراطية التركية، ومحطة مهمة سيكون لها تأثيراتها على المشهد السياسي والحزبي التركي وإن لم يكن بالضرورة على النظام السياسي ككل.