فرنسا وسياسة صب الزيت على النار في شرق المتوسط
تقرير – TRT عربي – سهير الخراز
يرى خبراء أن فرنسا تحاول منذ سنوات عزل تركيا وتهميش دورها شرق المتوسط، والإمساك بملف الطاقة، ومحاولة اللعب على خلافات بين تركيا من جهة وقبرص الرومية واليونان من جهة أخرى لتعزيز نفوذها، وهي بذلك تسعى إلى زعزعة علاقات حلفاء منضوين تحت مظلة حلف الناتو.
في خروج فرنسي واضح عن القانون الدولي، والتفاهمات المتعلقة بجزيرة قبرص، أعلنت باريس تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين قبرص الرومية مطلع أغسطس/ آب الجاري، حيث استهلت ذلك بمناورات بحرية مشتركة شرقي المتوسط في الثالث عشر من الشهر الحالي.
من جانبها، اعتبرت أنقرة على لسان نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، التدريبات المشتركة ونشر طائرات عسكرية فرنسية في الجزيرة “غير مقبولة تحت أي ظرف من الظروف لمخالفتها اتفاقيات 1960 المتعلقة بالجزيرة”.
ومن الجدير بالذكر أن اتفاقيتي عام 1960 (زيورخ/ لندن) نصتا على اعتبار كل من تركيا واليونان وبريطانيا دولا ضامنة في سبيل إحلال الاستقلال وعلاقات الشراكة بين سكان الجزيرة.
وبناء على ذلك يحق للدول الضامنة التدخل وإعادة الأمور لسابق عهدها في حال حاولت أي جهة تغيير الأمر الواقع في الجزيرة، وهذا ما استندت عليه تركيا في تدخلها العسكري هناك عام 1974 على إثر حدوث انقلاب بأمر من المجلس العسكري اليوناني آنذاك أطيح على إثره برئيس الجمهورية القبرصية الموحدة “مكاريوس الثالث”.
تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك.. لماذا الآن؟
ويرى خبراء بأن فرنسا تحاول منذ سنوات عزل تركيا وتهميش دورها في منطقة شرق المتوسط، والإمساك بملف الطاقة، ومحاولة اللعب على الخلافات بين تركيا من جهة وقبرص الرومية واليونان من جهة أخرى من أجل تعزيز نفوذها على حساب شركائها الغربيين، وهي بذلك إنما تسعى إلى زعزعة العلاقات بين الحلفاء المنضوين تحت مظلة حلف الشمال الأطلسي “الناتو”.
وبهذا الخصوص ربط الباحث السياسي المختص بالشأن التركي سعيد الحاج توقيت تفعيل الاتفاقية المشتركة بين فرنسا وقبرص اليونانية بالأنشطة التركية المتعلقة بالبحث والتنقيب عن النفط والغاز شرقي المتوسط خصوصاً بعد الاتفاق المصري اليوناني الأخير المتعلق بترسيم الحدود البحرية.
وكانت كل من مصر واليونان قد أعلنتا في 6 أغسطس/آب 2020 عن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو الأمر الذي كانت ترفضه مصر منذ عقود لأسباب متعددة، ، تتعلق بالبعد الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، فالاتفاقية ستحرم مصر من التحول إلى منصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا وبذلك تفقد واحدة من أهم شروط قوتها الجيوسياسية كما ستحرمها من ما يقرب من 10 آلاف كيلومتر مربع من مياهها الاقتصادية الخالصة لصالح اليونان، كما يرى الباحث السياسي خالد فؤاد في مقال سابق له مع TRT عربي.
وتابع الحاج حديثه مع TRT عربي موضحاً أن اعتبار الأمن البحري جزءا أساسيا من الاتفاقية الفرنسية مع قبرص الرومية ويشير إلى أن الهدف هو محاولة عرقلة نشاطات تركيا شرقي المتوسط، وهو “أمر من المستبعد تحقيقه” على حد قوله.
وأضاف أن أنقرة تعتبر خطوة باريس “حلقة ضمن مسلسل العداء الفرنسي لها، كونها من أشد المعترضين على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، واتباعها سياسات مناوئة لتركيا في سوريا وليبيا”.
بينما كان للخبير في العلاقات الدولية والباحث السياسي والأكاديمي المختص بشؤون الشرق الأوسط علي سمين رأي مغاير، فقد أكد أن الاتفاقية لا تأتي فقط في إطار الصراع على الطاقة، بل أيضا في إطار الصراع الجيوسياسي بين الأطراف الإقليمية والدولية، ففرنسا وفي سياق تحديها للاتفاقيةالتركية-الليبية لترسيم الحدود البحريةتقوم بدعم مصر واليونان وإسرائيل، على حد قوله.
مبيناً أن الهدف هو تعزيز وتقوية علاقات فرنسا مع دول مشاطئة للبحر المتوسط بمختلف المستويات والتوجهات، وتسعى للعب دور إقليمي في المنطقة التي تعتبرها باريس منطقة نفوذها التاريخية.
وقد أكد “سمين” على أن هذا التنافس لن يقتصر على الموانئ والبحر المتوسط إذا استمر بهذا الشكل، بل إنه قد يتحول إلى صراع أو حرب إقليمية أو دولية، وهذا خطير جدا، على حد وصفه.
واستطرد في حديثه بالقول إن “فرنسا اليوم لا تقوم بالتنافس الإقليمي فقط بل والدولي أيضا فهي تدعم اليونان التي لا يوجد لديها قوة عسكرية أو اقتصادية تستطيع من خلالها مواجهة تركيا، لكنها الآن مدعومة من باريس وأوروبا” .
وحذر “سمين” من أن “المناورات العسكرية التي تجري مؤخرا إذا دامت بهذا الشكل قد تتحول لصراع عسكري، لذا يجب اللجوء للحوار الدبلوماسي السياسي المرتكز على العلاقات الدولية لحلحلة المشكلة وحلها”.
وقد أعربت تركيا عن رفضها لاجراء أي مناورات في المنطقة التي مازالت محل خلاف، وقال فؤاد أقطاي على حسابه على تويتر بأنه “من غير المقبول تحت أي ظرف من الظروف أن تنظم فرنسا تدريبات مشتركة مع إدارة قبرص الرومية وتنشر طائراتها العسكرية في الجزيرة”.
وأضاف “من الضروري أن لا تسعى فرنسا إلى المغامرة في الأمور المتعلقة بقبرص، وأن تتصرف بمسؤولية أكبر”.
وشدد على أنه من الضروري أن تتخذ الدوائر الدولية، وخاصة الاتحاد الأوروبي ، موقفا ضد “المواقف المدللة والعدوانية وغير القانونية” لفرنسا في المنطقة.
وشدد على أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب القبارصة الأتراك لتقديم الدعم غير المشروط لنضالهم العادل والمشروع بالإضافة إلى مواصلة الاستكشاف “بحزم” داخل منطقة سلطتها بواسطة سفينة الحفر يافوز.
تفعيل الاتفاقية خطر على الاستقرار
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان يوم 15 أغسطس، في إشارة إلى اتفاقية الدفاع، إن إدارة قبرص الرومية لا تمثل القبارصة الأتراك أو الجزيرة ككل، وبالتالي فهي غير مخولة بالتوقيع على الاتفاقية.
وأضافت أن الاتفاقية تنطوي أيضا على خطر الإخلال بالجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والأمن في شرق البحر المتوسط.
وحول إصرار أثينا وباريس على تنفيذ جولة ثانية من المناورات شرقي المتوسط، تبدأ في 25 أغسطس وتنتهي في 28 من ذات الشهر، انتقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الخطوة واعتبر بأنها لا تتوافق مع “قواعد وقوانين البحار” ولا مع “مبدأ حسن الجوار”.
وأضاف أن هذه المناورات تشكل خطرا على سفننا ويزيد من التوتّر في المنطقة بشكلٍ كبير… نحن محقون في خطواتنا شرقي المتوسط، وقد نفّذنا المهمّات التي أوكلت إلينا حتى الآن بنجاح تام، وسنواصل تنفيذها بنجاح في الفترة المقبلة”.
تناقضات فرنسا بين التصعيد العسكري أو الحل الدبلوماسي
من جانبه أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس 20 أغسطس في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ضرورة الحل الدبلوماسي والمفاوضات وإرساء الاستقرار لخفض التوتر شرقي المتوسط، وأن باريس وبرلين متفقتان على هذه النقطة.
وأضاف: “لدينا الإرادة لحماية القانون الدولي شرق البحر المتوسط”.
وفي خطوة تخالف تصريحاته، أرسل ماكرون طائرتي “رافال” وفرقاطة وحاملة طوافات إلى المنطقة للتعبير عن دعم باريس لأثينا.
وتعمل فرنسا على استغلال استحقاقين للدفع بأجندتها المناهضة لتركيا هما اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في برلين في 28 أغسطس الحالي، للنظر في مقترحات وزير الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل، الذي كُلّف منذ يونيو الماضي بتقديم سلة مقترحات للضغط على تركيا لصالح عضوين أوروبيين هما قبرص الرومية واليونان. وقمة الدول الأوروبية المطلّة على المتوسط التي دعا ماكرون إلى عقدها نهاية الشهر أو بداية سبتمبر (أيلول).