عن ظاهرة أوميت أوزداغ وحزب “الظفر” في تركيا
عربي 21
لم يعد من الممكن الحديث عن السياسة والأحزاب السياسية في عصرنا الحاضر دون التطرق للتيارات المتطرفة والأحزاب الشعبوية، من ترمب في الولايات المتحدة إلى لوبان في فرنسا إلى عدد من الأحزاب والتيارات في ألمانيا وهولندا والنمسا والمجر وغيرها، وحزب “الظَفَر” أو النصر في تركيا هو نموذج جديد على هذه الساحة.
تأسس الحزب في 26 آب/أغسطس 2021 بقيادة السياسي اليميني المعروف أوميت أوزداغ المستقيل من الحزب “الجيد”. ورغم حداثته إلا أن الحزب قد نجح في أن يبقي نفسه في دائرة الأضواء والإعلام والحدث السياسي من خلال تركيزه على سياسات الهجرة بشكل عام وملف السوريين المقيمين على الأراضي التركية على وجه الخصوص.
ذلك أن الحزب، الذي أسِّسَ بهدف “إنشاء دستور القومية التركية على نهج أتاتورك” وفق بيان أوزداغ، يكاد لا يتطرق إلى أي من ملفات السياسة الداخلية والخارجية التركية باستثناء ملف اللاجئين والسوريين على وجه التحديد، مدعياً أنه خطر على الأمن القومي التركي ومستقبل تركيا ولغتها وثقافتها، بل ويسميه “غزوا” لبلاده.
يتناول الحزب ورئيسه حصراً موضوع السوريين والمهاجرين في البلاد لدرجة أن الجملة التعريفية لحساب أوزداغ على تويتر تقول “حزب الظفر قادم، واللاجئون سيغادرون”. واللافت أن الرجل الذي يقدم هذا الخطاب المتطرف ضد المهاجرين هو سليل عائلة مهاجرة إلى تركيا وأصله داغستاني. وإضافة إلى تصريحاته الكثيرة والمتواترة حول كل حدث يكون طرفه سوري أو لاجئ أجنبي، يقوم أوزداغ بزيارات ميدانية ومصورة لبيوت ومحلات وأماكن عمل الأجانب في تصرف يعده الكثيرون تحريضاً على هؤلاء وتصويرهم كأهداف محتملة لأي متعصب أو عنصري أو صاحب فعل طائش.
مما سبق يمكن القول إن الحزب عبارة عن كيان يحتضن فكر أوميت أوزداغ وتصريحاته ورؤيته، وتغيب عنه المؤسسية وأي أسماء لامعة ومعروفة أخرى. فمن هو أوزداغ؟
ولد أوميت أوداغ عام 1961 في اليابان حيث كان يعمل والده، الذي كان أحد المشاركين في انقلاب عام 1960. درس العلوم السياسية وحصل على درجة الأستاذية عام 2001 ثم درّس في عدد من الجامعات، وأسس عدة مراكز دراسات هي مركز أوراسيا للدراسات الاستراتيجية ومركز دراسات الديانة ومعهد تركيا القرن 21، وقد تركز اهتمامه وكتاباته حول الإرهاب والمشاكل العرقية والهجرة.
تظهر سيرة أوزداغ أنه سياسي قوي وطموح، فقد كان عضواً بارزاً في حزب الحركة القومية قبل أن يُطرد منه عام 2006 لترشحه ضد رئيسه دولت بهجلي، ليعود إليه عام 2010 بقرار قضائي، وينتخب عام 2015 عضواً في لجنته التنفيذية المركزية ونائباً لرئيسه ونائباً عنه في البرلمان، ثم ليطرد مرة أخرى من الحزب عام 2016 إثر خلاف عدد من القيادات مع بهجلي.
كان من مؤسسي الحزب الجيد بقيادة أكشنار الذي انشق عن الحركة القومية وتقلد منصب نائب الرئيس فيه، وانتخب عنه للبرلمان عام 2018، قبل أن يفصله الحزب في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وهو القرار الذي ألغته إحدى المحاكم، قبل أن يستقيل هو هذه المرة من الحزب في آذار/مارس 2021، ويؤسس حزب الظفر بعد ذلك بخمسة أشهر.
يعرف الرجل بعلاقاته العسكرية والأمنية في الداخل التركي من خلال سيرة والده العسكرية وانتمائه هو القومي فضلاً عن مكانة عائلته في التيار القومي إذ كان والده من مؤسسي حزب الحركة القومية وكانت والدته أول رئيس لفقسم النساء في الحزب. كما وجهت لأوزداغ اتهامات عديدة من بعض خصومه وأصدقاء الأمس، لا سيما اتهامات بنسج علاقات مع دوائر استخباراتية في عدة دول وخصوصاً دولة الاحتلال، وهو أمر لم ينفه الرجل بالكلية قائلاً إن عمله في مركز دراسات استراتيجية يتضمن الجلوس مع خبراء جيش ومخابرات من عدة دول وأنه لم يذهب إلى هناك (“إسرائيل” مثلاً) وحيداً بل كان معه شخصيات أخرى من “الدولة”.
من جهة أخرى، فللرجل خبرة واسعة فيما يتعلق بالحرب النفسية والتأثير على الرأي العام، إذ عمل في هذا المجال طويلاً ونشر في 2014 كتاباً بعنوان “إدارة الإدراك: البروباغندا، الحرب النفسية وحرب المعلومات”، وهي الخبرة النظرية والعملية التي يبدو أنه يستخدمها بشكل واضح في عمله السياسي مؤخراً.
الأسبوع الفائت انتشر على وسائل التواصل مقطع ترويجي لفيلم بعنوان “الغزو الصامت” يعرض صورة الوضع في تركيا عام 2043 وقد سيطر عليها الأجانب/السوريون وأصبح الأتراك أقلية ولا يستطيعون استخدام لغتهم في بلدهم، وغير ذلك من المبالغات البعيدة حتى عن الدراما. أوقفت السلطات مخرجة الفيلم للتحقيق معها بدعوى التحريض وبث الكراهية، ليخرج أوزداغ ويفاخر بأنه هو من موّل إنتاجه.
ومن البديهي أن رجلاً بهذه القدرات وبهذا الخطاب الشعبوي بخلفية قومية قادر على تحريك مشاعر الكثيرين، كغيره من التيارات الشعبوية التي تدغدغ العواطف، ولذلك فإن له رصيداً وصدى على وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص. كما أن بعض المتابعين للمشهد السياسي الداخلي يرجحون أن ترتفع نسبة التأييد لحزبه بشكل قد يؤهله لتخطي عتبة دخول البرلمان في الانتخابات المقبلة (%7) وهو تحدٍّ يصعب على حزب مستجد مثله تجاوزه في العادة.
في الأيام القليلة الأخيرة، وخلال لقاء تلفزيوني، وجه وزير الداخلية سليمان صويلو كلمات قاسية لأوزداغ واصفاً إياه بأنه أقل من إنسان و”أسفل سافلين”، ورد عليه الأخير بزيارة تحدٍّ لوزارة الداخلية قبل أن يرفع ضده شكوى قضائية. وعلى هامش هذا الخلاف وجهت عدة شخصيات سياسية وإعلامية اتهامات وانتقادات للرجل، بما يوحي بأن الحكومة والعدالة والتنمية في وارد الخطورة التي يشكلها خطابه وبصدد مواجهة ذلك وخصوصاً عبر تفنيد الإشاعات والمعلومات المغلوطة بخصوص المهاجرين عموماً والسوريين منهم على وجه الخصوص.
بيد أن ذلك لا يعني أن ظاهرة الحزب ورئيسه أوزداغ مرشحة للأفول بل على العكس، إذ أن الأخير يحاول إدارة المعارك السياسية بنفس الخطاب لتحشيد المزيد من الأنصار واضعاً نفسه في سياق الدفاع عن القومية واللغة والثقافة التركية وحماية البلاد من الأجانب واللاجئين في ظل “تقاعس” الحكومة. ولذلك، يبدو أن تحدي هذا النوع من الخطاب سيزداد مع اقتراب الانتخابات، وربما يجعل من حزب بهذه الرؤية والخطاب رقماً في الحياة السياسية التركية حتى حين.