عن التعديل الوزاري في تركيا
المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية
منذ إجراء الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري في نيسان/أبريل الفائت، تتردد في كواليس العاصمة أنقرة أنباء عن تعديل وزاري مرتقب. لم يبق الأمر في حدود الشائعات والتسريبات بل تحدث في الأمر أكثر من مسؤول بما فيهم رئيس الجمهورية (ورئيس حزب العدالة والتنمية) أردوغان الذي وضع ذلك ضمن خطة تجديد شاملة على مستوى الحزب والحكومة والبلديات، ورئيس الوزراء يلدرم الذي أكد هذا التوجه بدون إعطاء توقيت أو أي معلومات إضافية.
يوم الأربعاء، التاسع عشر من تموز/يوليو الحالي، توجه يلدرم للقاء أردوغان في اجتماع لم يكن على جدول أعمالهما، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان فكرة التعديل الوزاري، وفعلاً فقد خرج يلدرم بعد اللقاء في مؤتمر صحافي ليعلن عن التعديل.
بلغة الأرقام، كان التعديل محدوداً إلى متوسط الحجم، حيث حافظ 15 وزيراً على حقائبهم، وخمسة وزراء على وجودهم في الحكومة مع تعديل الحقيبة أو المسؤولية، فيما دخلها ستة وزراء جدد، وخرج منها ستة.
بنظرة سريعة، يمكن طرح الملحوظات التالية على التعديل الوزاري:
أولاً: بعكس التوقعات، لم يطرأ أي تغيير جوهري على وزارة الخارجية أو الوزارات المرتبطة بالاقتصاد. فباستثناء نائب رئيس الوزراء نورالدين جانيكلي (الذي أصبح وزيراً للدفاع) بقيت الوزارات الأخرى على حالها، وهي الاقتصاد والمالية والتنمية والطاقة إضافة لوزير الخارجية مولود تشتووش أوغلو. وهو ما جعل التغيير الوزاري أقل تأثيراً في النتائج وأقرب لفكرة تجديد الدماء في الحكومة.
ثانياً: طال التغيير الأكبر نواب رئيس الحكومة حيث تغير منهم أربعة من أصل خمسة، فاحتفظ نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية محمد شيمشك فقط بمنصبه، بينما خرج اثنان تماماً من الوزارة، وكلف اثنان بمسؤوليات أخرى داخل الحكومة.
ثالثاً: من التغييرات المهمة خروج توغرول توركيش من التشكيلة الحكومية، وهو القيادي السابق في حزب الحركة القومية الذي استجاب لطلب رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو في الانضمام للحكومة وأخرج على إثرها من حزبه ثم ترشح على قوائم العدالة والتنمية وأصبح نائباً في البرلمان عنه إضافة لكونه نائباً لرئيس الوزراء. وقد اعتبر البعض هذه الخطوة بمثابة ترضية للحركة القومية وزعيمها دولت بهجلي في فترة يسودها التوافق الكبير بين الطرفين في مختلف الملفات، بينما خلت التشكيلة من أي أسماء من الحركة القومية كما انتظر بعض المراقبين.
رابعاً: من المفاجآت في التشكيلة الحكومية الجديدة “تراجع” نعمان كورتلموش من منصب الناطق باسم الحكومة ونائب رئيس الوزراء إلى وزير بحقيبة غير سيادية مثل وزارة السياحة والثقافة. وهو أكاديمي وسياسي عريق ومن رموز الحركة الإسلامية التركية، وكان رَئِسَ حزب السعادة قبل أن يستقيل منه ويؤسس حزب صوت الشعب الذي حله لاحقاً وانتقل مع كوادره إلى حزب العدالة والتنمية في أيلول/سبتمبر 2012.
خامساً: ارتفع عدد النساء في الحكومة من واحد إلى اثنين، بانضمام وزير(ة) العمل والضمان الاجتماعي جوليدا صاري أرأوغلو إلى وزير العائلة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول صايان كايا، لتكون بذلك ثاني “وزيرة” في وزارة العمل والضمان الاجتماعي في تاريخها بعد 26 عاماً من خروج إمران أيكوت منها.
سادساً: دخلت التشكيلة الحكومية أسماء شابة مثل الوزير صاري أرأوغلو (38 عاماً) ووزير العدل عبد الحميد غل (40)، بينما بقيت وزير العائلة كايا أصغر الوزراء سناً (36) كما بقي معدل أعمار وزراء الحكومة على حاله (52).
سابعاً: من المفاجآت البسيطة أيضاً في التعديل الوزاري تغيير وزير الدفاع، حيث أصبح الوزير السابق فكري إيشيق نائباً لرئيس الوزراء وحل مكانه نائبه السابق نورالدين جانيكلي. وما لفت الأنظار هو تغيير وزير الدفاع في فترة قد تشهد عملية عسكرية تركية في سوريا من جهة، وخلفية الوزير الجديد الاقتصادية من جهة أخرى.
في المحصلة، لم يكن التعديل الوزاري جذرياً ولا كبيراً، كما لم يشمل أكثر وزارتين حظيتا بالتعليقات والنقد وطلب التغيير وهما الاقتصاد والخارجية، لكنه أدى هدف التغيير وتجديد الدماء والأسماء دون أن يشمل ذلك الوزارات السيادية أو الحساسة في الأعم الأغلب. وبالتالي سميت التشكيلة الحكومية “حكومة تغيير واستقرار في آن معاً” على لسان الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين، لكن قد يبقى أفضل ما يوصف به التعديل هو أنه أتى بحكومة الإعداد لانتخابات 2019 الرئاسية والبرلمانية المتزامنة أي مرحلة النظام الرئاسي، دون أن ينفي ذلك إمكانية إجراء تعديلات قادمة وفق الحاجة حتى ذلك الوقت.