سعيد الحاج لـ “الشرق”: تركيا لن تسمح بخنق وحصار قطر
أكد الدكتور سعيد الحاج، الباحث السياسي في الشؤون التركية، أن تركيا لن تسمح بحصار أو خنق قطر أو عزلها في محيطها الإقليمي، مشيرا إلى أن موافقة البرلمان التركي على قرار زيادة التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والتصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان هدفه إرسال رسالة دعم واضحة لقطر.
وقال الحاج في حوار مع (الشرق) إن مطالبة الرئيس أردوغان برفع الحصار المفروض على قطر من قبل بعض جيرانها جاء من منطلق الوقوف خلف الدوحة في أزمتها الحالية، منوها إلى أن الدولتين لديهما علاقات استراتيجية وتطابق في الرؤى والمواقف تجاه ملفات المنطقة والعالم.
وأوضح الباحث أن هناك محاولات مستميتة لإلصاق التهم بقطر بدون أسباب، مؤكدا أن دور قطر في حل النزاعات ومكافحة الإرهاب، علاوة على دورها الإغاثي والإنساني، على مرأى ومسمع من العالم، والجميع يشهد به. وأضاف أن التخبط الحاصل في تصريحات الإدارة الأمريكية راجع لأنها غير ملمة بتفاصيل المنطقة أو السياسة الدولية، معربا عن اعتقاده بوجود ضوء أخضر من واشنطن للهجوم على قطر.. وإلى مزيد من التفاصيل:
*دعنا نبدأ بموافقة البرلمان التركي على قرار يسمح بزيادة التعاون الأمني والعسكري بين قطر وتركيا؟
– أتصور أن تركيا أرادت من الموافقة على هذا القرار والتصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن ترسل رسالة دعم لقطر، لأن تركيا حريصة على استمرار التواصل والاتصالات مع مختلف الأطراف حتى تستطيع أن تدعم جهود الوساطة المبذولة في كل الاتجاهات.
ونظرا لأن تركيا هي الرئيسة الدورية لمنظمة التعاون الإسلامي، فهي حريصة كل الحرص على تجب النزاعات الإقليمية وخاصة بين الدول الإسلامية، ولذلك قام الرئيس أردوغان بالعديد من الاتصالات بين زعماء وقادة دول الخليج من أجل احتواء الأزمة المتصاعدة بين دول مجلس التعاون في أسرع وقت ممكن.
*وهل هذا القرار يختلف عن الاتفاقية السابقة بإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر؟
– من المعروف أن الاتفاقية العسكرية تم التوقيع عليها في العام 2015، ولكن الآن هناك بعض التعديلات عليها، وقام حزب العدالة والتنمية قبل يومين بتسريع عرضها على البرلمان التركي كي يتم البت فيها، وأيضا البت في التعديلات عليها. وكان الهدف من ذلك إيصاله رسالة واضحة للجميع بأن تركيا لن تسمح بحصار أو خنق قطر أو أن يتم عزلها في محيطها الإقليمي.
وأعتقد أن تصريحات الرئيس أردوغان كانت تصب في هذا الإطار، حين قال إن هناك لعبة ما تدار خلف هذه الأزمة، ولذلك فهو طالب برفع تام للحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر، وشدد على أن بلاده ستستمر في دعم قطر.
وقال أيضا بأن هذا الخلاف بين الأشقاء لن يكون فيه غالب أو مغلوب. وكل تلك التصريحات تأتي طمأنة ضمنية لقطر في هذه الأزمة بحكم العلاقات القوية بين البلدين. كما أن لديهما رؤية متشابهة في كثير من ملفات المنطقة.
موقف مشرف
*وبرأيك لماذا اتخذت أنقرة هذا الموقف القوي والمشرف؟
– طبعا العلاقات بين الدولتين قوية واستراتيجية بدرجة كبيرة، كما أن بعض الدول تحاول إلصاق التهم بقطر خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين وحركات المقاومة الفلسطينية، وتركيا لديها نفس العلاقات مع هذه الجهات والمجموعات، وبالتالي فصانع القرار التركي يخشى بأنه إذا استفردت هذه الدول بقطر، فيكون هو المستهدف التالي.
وأعتقد أن القرار لا يفترض تحركات ميدانية سريعة على الأرض بشكل مباشر عبر إرسال جنود للقاعدة العسكرية في قطر، وإنما المراد من هذا الأمر إرسال رسالة سياسية واستراتيجية قوية أضيفت للتحركات الإقليمية والدولية لاحتواء الأزمة، وهذا بدوره أدى نوعا ما إلى توقف التصريحات المهددة والمتوعدة تجاه قطر من قبيل التصعيد العسكري والتلميح باستخدام القوة في هذه الأزمة.
دور إيجابي
*كما تعلم، قطر من الداعمين للشعوب وحرياتها وتطلعات الديمقراطية، علاوة على دورها الإغاثي والإنساني، والتوسط في النزاعات الإقليمية والدولية بغرض حلها وإحلال السلم والأمن والتنمية.. لماذا إذا يستهدفون قطر رغم إيجابية دورها؟
– أعتقد أن استهداف الدور القطري مرتبط بثلاثة سياقات واضحة، أولها موقف الدوحة الداعم لثورات الربيع العربي، وبالتالي الانقلاب في مصر، واستمرار أزمة سوريا، كلها أدت إلى عودة الثورة المضادة، بالتزامن مع مجيء ترامب، ولذلك فهو يستثمر الوقت ويحاول أن ينهي ما سبق، وتحديدا شيطنة الإخوان المسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، وهو ما يؤدي للضغط على قطر.
أما بالنسبة للسياق الثاني فهو تفرد قطر ببعض السياسات وتفوقها في كثير من المجالات، مما أزعج بعض الدول الخليجية. والحقيقة أن قطر تنسج سياسة خارجية حكيمة ومستقلة، ولا تغرد خارج السرب كما يتهمها بعض الأشقاء في الخليج.
والسياق الثالث يتجسد في رأيي في استحقاقات السلطة في المملكة العربية السعودية والإمارات، ومحاولة التعويل على الدعم الخارجي الأمريكي من أجل ضمان وصول أشخاص معينين إلى رأس السلطة في البلدين، واستغلال لحظة ترامب من أجل تحقيق هذا الغرض. ومن جانب آخر هناك محاولات لاستغلال قمة الرياض ومحاولة لصق تهمة الإرهاب بقطر، وهو اتهام ظالم ولا مبرر له. ولهذا نجد أن الأمر والهجمات مرتبة بشكل واضح للعيان.
الموقف الأمريكي غير موحد
*على ذكر ترامب والإدارة الأمريكية.. هل تعتقد أنه أعطى ضوءا أخضر لتلك الدول من أجل تفجير الموقف مع قطر؟
– في الواقع من الصعب الحديث عن موقف أمريكي موحد حول ما يجري في هذه الأزمة. هناك إدارة ترامب والبيت الأبيض، وهناك البنتاجون، والخارجية الأمريكية، وأيضا الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المخابرات المركزية الأمريكية. والظاهر أمامنا أن ترامب غير ملم بتفاصيل المنطقة أو السياسة الدولية، وعلى أساس هذا التخبط وعدم المعرفة، أعتقد أنه أعطى ضوءا أخضر لتلك الدول للهجوم على قطر، وهو ما يفسر لنا تصريحاته المتضاربة، فمرة يقول إن قطر شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، ومرة أخرى يهاجمها.
وهو وضع غريب في السياسة الدولية. وأتصور أن هذا الاضطراب سيظل مستمرا حتى يتم ترتيب البيت الأمريكي الداخلي، والتعرف على رؤية واضحة تجاه المنطقة والعالم.
نفوذ واشنطن
*وهل تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها أن تهدىء من تلك العاصفة؟
– بطبيعة الحال الولايات المتحدة لديها نفوذ قوي في منطقة الشرق الأوسط، ودول الخليج تحديدا، فضلا عن قوتها السياسة والاقتصادية والعسكرية في العالم بشكل عام.
ولذلك أعتقد أن الولايات المتحدة لو أرادت أن تدخل في خط الوساطة بشكل موضوعي وجاد لأنهت هذه الأزمة، وتستطيع أن تفرض حلول على الأطراف الأخرى يكون فيها حل منطقي ودبلوماسي على طاولة الحوار، وليس استعراض القوة والضغط واستخدام الحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لفرض ساسات وقرارات معينة على الدول الأخرى.