زيارة اردوغان الخليجية: الرسائل والدلالات
المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية
أتت زيارة الرئيس التركي قبل أيام للكويت وقطر على رأس وفد رفيع بعد حوالي ثلاثة أشهر من زيارته الأخيرة وخمسة أشهر من بدء الأزمة الخليجية، لكنها بدت مختلفة جداً عن سابقتها. لقد كانت زيارة تموز/يوليو الفائت شبه مقتصرة على البحث عن حلول للأزمة الخليجية ودعم الوساطة الكويتية، بينما سيطرت الأبعاد الاقتصادية والتجارية على هذه الزيارة.
كما أن هذه الزيارة الثانية لم تشمل الرياض كسابقتها، وهي دلالة على جانب من الأهمية لا يخفى على متابع، ولعل لذلك علاقة بتطورات المشهد السعودي الداخلي من جهة، وعدم رضى السعودية عن الموقف التركي من الأزمة الخليجية من جهة أخرى، وانزعاج أنقرة من موقف الرياض من الملف الكردي في كل من سوريا والعراق من جهة ثالثة.
أكثر من ذلك، فقد غاب اسم الإمارات عن تصريح اردوغان الذي ذكر بأن “المملكة العربية السعودية وقطر والكويت وعمان والبحرين وكافة دول الخليج شقيقة لنا”، وهو ما يرجّح أنها قد تكون المقصودة في قوله “نشهد منذ فترة سياسة الإيقاع بين الاخوة، ونحن نعلم جيداً من وراء هذه السياسة”، ما يعزز فكرة الانزعاج التركي من سياسات أبوة ظبي الإقليمية بما فيها ما شاع عن دور لها في دعم المحاولة الانقلابية الفاشلة.
الترحيب الكويتي باردوغان كان واضحاً وجلياً، تبدى في بعض الأبراج التي تزينت بالعلم التركي، وبالسعادة البادية على وجه أمير الكويت، وبالاتفاقات التي وقعت بين الطرفين في الرياضة والاستثمار والعلم والتكنولوجيا، وفق المعلن. وهي زيارة تأتي بعد أسبوعين من زيارة نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك للكويت، وبعد شهرين من زيارة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح لأنقرة، ولعل وتيرة الزيارات والاتفاقات الموقعة بين الطرفين – سيما الأمنية والعسكرية – منها تحمل رسالة واضحة ذات علاقة بالأزمة الخليجية.
وأما قطر فلا شك أنها سعيدة جداً بالزيارة التي تعمق العلاقات والشراكة مع أنقرة ومساحات التعاون معها، ولكن ما هو أهم أنها توصل رسالة أنها لم تعد محصورةَ التفكير في الجوانب العسكرية والأمنية الدفاعية بفعل الأزمة الخليجية بل تخطتها للحديث في التنمية والاقتصاد والاستقرار.
وهي الرسالة التي حملتها تشكيلة الوفد التركي الواسعة، فقد رافق الرئيس التركي وعقليته والمتحدث باسمه رئيسا أركان الجيش وجهاز الاستخبارات ووزراء الدفاع، والخارجية، والاقتصاد، والطاقة والموارد الطبيعية، والعدل، والمواصلات والاتصالات والنقل البحري، والشباب والرياضة، والسياحة والثقافة، والغابات والثروة المائية، والغذاء والزارعة والثروة الحيوانية.
وإذا كانت لغة الأرقام واضحة في الكويت حيث كانت القمة هي الرابعة التي جمعت الرئيس التركي بأمير الكويت، فقد كانت أوضح في الدوحة حيث كانت القمة التي جمعت اردوغان بأمير قطر الثالثة بعد الأزمة والرابعة خلال هذا العام والـ 15 منذ تولي اردوغان الرئاسة في آب/أغسطس 2014، وقد نتج عنها 14 اتفاقاً في مختلف المجالات.
لغة الأرقام هذه لها علاقة بمناسبة الزيارة وهي الدورة الثالثة لاجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا بين الجانبين، لكنها أيضاً ذات علاقة بمستوى التعاون والتنسيق بين الطرفين، ويحمل توقيتها رسالة واضحة في ظل عودة الحديث عن احتمالات الحل العسكري ضد قطر، وهنا لا يجب قراءة زيارة اردوغان لجنوده في قاعدة الريان العسكرية على أنها مجرد زيارة روتينية أو بروتوكولية.
يقول الإعلامي القطري المعروف جابر الحرمي إن “تركيا أثبتت أنها الصديق الصدوق في الأيام السوداء”، ويبدو أن الكويت مؤخراً التقطت هذا المعنى وبنت عليه. فإذا كانت قطر قد وقعت اتفاقية التعاون العسكري مع تركيا بعد أزمة 2014 مع دول الخليج الثلاث، وقررت أنقرة نشر جنودها على الأراضي القطرية وفقاً لهذه الاتفاقية بعد الأزمة الأخيرة، فينبغي الالتفات لاتفاقية “تعليم وتدريب قوات الدرك” الموقعّة بين تركيا والكويت خلال زيارة رئيس وزراء الأخيرة في أيلول/سبتمبر الفائت على أنها خطوة على نفس الطريق في ظل تسريبات حول سعيها لاتفاقية مشابهة مستقبلاً.
إن السياسات الخاطئة في الخليج، والمبنية على رؤى ومعلومات وأدوات مغلوطة، تؤتي أكلها بالاتجاه المعاكس. لم يؤد الحصار لإخضاع قطر بل دفعها للبحث عن الخيارات والبدائل والتحالفات، كما لن يقنع الخطاب المحرض على الكويت قيادتها بموقف الرياض وأبو ظبي والمنامة، والنتيجة هي شلُّ عمل مجلس التعاون الخليجي وتقسيم دوله بين محورين.
تدفع هذه السياسات قطر والكويت وربما عُمان إلى الموازن الإقليمي المتمثل اليوم في تركيا وبدرجة أقل إيران، اللتين كسرتا الحصار على قطر ووازنتا الضغط الخليجي والمصري واللتين تملكان إمكانية منع أو مواجهة بعض السيناريوهات المزعجة. ولا شك أن مسار التقارب الأخير بين أنقرة وطهران سيدعم خياراً كهذا، أي بداية تشكل محور أو تحالف غير معلن بين تركيا وإيران والدول الخليجية الثلاث في مواجهة محور السعودية والإمارات والبحرين، بغض النظر عن مدى انخراط إيران والدور الذي يمكن أن تلعبه.