حملة محمومة لزيارة القدس بدت وكأنها حمى أصابت بعض الشخصيات العامة بدأت منذ أيام، ويبدو أنها ما زالت مستمرة ولها ما يتبعها.مثلّث الفكرة: من دعا وروّج لها (السلطة – عباس)، ومن احتضنها ورعاها (الأردن – ولي العهد)، ومن سمح بها وحماها (دولة الكيان – الشرطة) وجدوا ضلعاً رابعاً نفذ الزيارة ليكتمل المربّع المستهجن من قبل عموم الأمة.
ورغم كل الاعتراضات الشعبية والرسمية والنخبوية (رجال الدين والأحزاب ورجال الفكر وأصحاب الرأي)، إلا أن أصحاب هذه الحملة ما زالوا يدافعون عنها بثلاثة أسلحة:
الأول: الفتوى، لتبيان جواز (إن لم يكن وجوب) الزيارة، والتأكيد على فضل زيارة القدس والمسجد الأقصى في ديننا الحنيف، استشهاداً بالآيات والأحاديث المختلفة لدعم الفكرة/الحملة بعد نزعها من سياقها وليّ أعناقها. وتصدى لهذه المهمة “المفتي السابق” التميمي، و”وزير الأوقاف” الهبّاش (حتى عباس قال أنه يملك دكتوراة في الشريعة قبل أن يسمع أحد بالعلامة الدكتور القرضاوي).
الثاني: السياسة، اعتماداً على شعار “نصرةً للسجين لا تطبيعاً مع السجان”، ونشط فيها عباس وجوقته من السياسيين والناطقين الإعلاميين إضافة لبعض الأحزاب التي تدور في فلكه (حتى الهباش ألف كتاباً أسماه “زيارة القدس فريضة شرعية وضرورة سياسية”)، للإيهام بأن الزيارة انتصار على الاحتلال وتمت رغماً عن رغبته، مضافاً إليها نفي الجفري وجمعة حصولهما على التأشيرة “الإسرائيلية” بما يلغي شبهة التطبيع.
الثالث: المصلحة، حيث تلبس الزيارة لباس دعم المقدسيين “واقتصادهم” وتثبيتهم في أرضهم، إلى آخر ذلك مما هو غير متحقق ولا مستهدف أصلاً من أمثال تلك الزيارة والزائرين.
هذا الثالوث من الأسلحة الذي يستعمله مربّع الزيارة يتطلب بداهةً رداً ومجابهة وتفنيداً على الجبهات الثلاث، وبشكل متوازٍ ومنسق. وإذا كان كثير من العلماء قد تكلموا كثيراً وفندوا الفتاوى والأدلة التي أتى بها داعموا الزيارة (وفي مقدمتهم الشيخ عكرمة صبري والشيخ رائد صلاح)، وإذا كان السياسيون والإعلاميون قد أسهبوا في نقض مبررات الزيارة والتحذير من أخطارها مروراً بالتطبيع الذي يكتنفها وانتهاءً بمصلحة دولة الكيان منها، فيبقى السلاح الثالث بيد أهلنا في القدس والمسجد الأقصى، لأخذ زمام المبادرة في نفي قناع المصلحة المزيف عن هذه الزيارات، والدور والمسؤولية مناطان بهم في رفض الزيارة والزائرين، وليس ذلك جديداً عليهم أو أكبر من إمكاناتهم، ولنا ولهم في زيارة وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ماهر للمسجد الأقصى خير مثال على ذلك.