كل شيء وارد
ما هي خيارات الأكراد في المنطقة خلال 2018؟
تقرير – ساسة بوست
عد أن تجاهلتهم الاتفاقات الدولية إبان الاستعمار في بداية القرن العشرين، سعى الأكراد من خلال محاولاتٍ عديدة لإقامة دولة قومية لهم، كانت أوج حلمهم بعد أن انهارت الإمبراطورية العثمانية؛ حيث كان للأكراد فرصة كبيرة في تأسيس دولة قومية، لكن حلمهم لم يدم طويلا، إثر انتصار مصطفى كمال أتاتورك واضطرار الحلفاء للتراجع عن معاهدة «سيفر» لصالح معاهدة «لوزان» في عام 1923 والتي قسمت الشعب الكردي بين دول أربع شرق أوسطية هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، لكنّ حلمهم لم يدم طويلًا.
ويبلغ عدد الأكراد في منطق الشرق الأوسط حوالي 32 مليون نسمة موزّعين بين تركيا التي تضم نحو 15 مليون نسمة، تليها إيران التي يقدر أعداد الأكراد فيها بين 8 إلى 10 مليون نسمة، ثم العراق بواقع 5 مليون نسمة، ثم سوريا التي يصل عدد الأكراد فيها إلى 2 مليون.
آخر محاولات الأكراد لإقامة دولة لهم في العراق كانت في سبتمبر (أيلول) الماضي؛ إذ أجرى أكراد العراق استفتاءً من أجل تقرير المصير ونيل الاستقلال، لكن جهودهم لم تفلح بعد أن حالت الظروف الجيوسياسية دون تحقيق ما يصبون إليه. في السطور التالية نقرأ خيارات الأكراد في الشرق الأوسط خلال عام 2018.
اقرأ أيضا: ما حققوه في 14 عامًا فقدوه في 14 يومًا! هكذا أصبح «حلم دولة الأكراد» شبه مستحيل
ما هي خيارات أكراد العراق بعد أزمة الاستفتاء؟
يعدُّ أكراد العراق أفضل حالًا بكثير من أقرانهم في دول الجوار؛ فمنذ عام 1991 وهم يحقِّقون مكاسب كبيرة؛ إذ تمكّنوا من إنشاء إقليم تحت الحماية الأمريكية والأممية؛ ليحكموا أنفسهم منذ ذلك الحين، وتجلت هذه المكاسب بعد عام 2003 بسيطرتهم على مساحاتٍ واسعة من الأراضي في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، فضلًا عن تحكُّمهم في الحدود والمنافذ الدولية، كالمطارات والمعابر البرية، مع تركيا وإيران.
في الوقت نفسه الذي كان النظام السوري يعدّ الأكراد من مواطني الدرجة الثانية، فضلًا عن عدم منحهم الجنسية السورية، ولا يختلف الحال كثيرًا في تركيا وإيران، لكن حال أكراد العراق تبدل بعد الاستفتاء الأخير في سبتمبر 2017، يقول الصحافي العراقي، علي الحيالي لـ«ساسة بوست»: «لو بقي الاكراد على حالهم قبل الاستفتاء لكان خيرًا لهم، كانوا يعيشون في حالة قريبة من الدولة»، مضيفًا أن «الحكومة العراقية الآن استطاعت تحييد كثير من هذه المكتسبات كردّ فعل على الاستفتاء»، ويرى الحيالي أن ما حققه الأكراد في 14 عامًا خسروا جزءًا كبيرًا منه في 14 يومًا، وهو التاريخ الممتد من 15 أكتوبر (تشرين الأول)، موعد بدء العمليات العسكرية في كركوك، ومع تجديد الحكومة في بغداد قرار حظر الطيران الدولي على مطارات الإقليم يكون وضع الإقليم متأرجحًا في انتظار انفراجة قد تحدث قبيل الانتخابات في مايو (أيار) 2018، بحسب الحيالي.
وعن الخيارات المتاحة أمام الأكراد في عام 2018، يرى الدكتور علي أغوان الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية أن كلًّا من الحكومة العراقية وإقليم كردستان الآن في خضم مفاوضات برعاية أمريكية، وأن هذه المفاوضات تتمحور حول ملف النفط والمعابر والموازنة ومن سيدير المناطق المتنازع عليها، فيما إذا كانت مشتركة بين بغداد وأربيل أم بيد بغداد فقط. ويضيف أغوان لـ«ساسة بوست»: أن هذه الملفات العالقة قد تشهد حلا خلال الأشهر القادمة قبيل الانتخابات المرتقبة في مايو القادم، عازيًا ذلك إلى قرب الاستحقاق الانتخابي وتشكيل تحالفات جديدة.
اقرأ أيضا: القصة الكاملة.. 5 أسئلة تشرح لك كيف خسر الأكراد كركوك بدون قتال
أكراد سوريا بين مطرقة أمريكا وسندان روسيا وإيران
ينتشر أكراد سوريا في ثلاث مناطق رئيسة منفصلة، هي: الحسكة، وكوباني «عين العرب»، وعفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، ويعد هذا التوزيع الجغرافي غير المتصل، إضافة إلى وجود مُكوّنات إثنية وقومية أخرى في ريف الحسكة، وغياب الطبيعة الجبلية في المناطق ذات الغالبية الكردية كما في تركيا، وجبال قنديل في العراق، من العوامل التي حالت دون قيام الأكراد بأي أعمال تمرد ضد النظام السوري قبل الانتفاضة السورية في عام 2011. لكن وبعد الانتفاضة تغير الحال كثيرًا، وبات الأكراد الآن متمثلين بقوات سوريا الديمقراطية، ويسيطرون حاليًا على مساحة تقارب 25% من سوريا.
ووفق ما يراه رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما الأمريكية جوشوا لانديز، فإن الأكراد كانوا أحد أهم الأسباب التي غيرت من شكل التحالفات الدولية المنخرطة في سوريا، بالرغم من عدم وضوح ما ينوي الأمريكيون فعله تجاه أكراد سوريا؛ فالأمريكيُّون يصرِّحون بأنهم لن يغادروا سوريا فور هزيمة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وسيدعمون الأكراد في تجربة الإدارة الذاتية، وهذا ما يسعد الأكراد، لكنه في ذات الوقت سيئ لسوريا؛ فهذا يعني أن أمريكا ستقف على النقيض من الموقف التركي، وبالتالي سيعزز هذا الموقف تحول السياسة الخارجية التركية نحو المحور الروسي الإيراني.
من جانب آخر، يقول الباحث في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج لـ«ساسة بوست»: إن «الأكراد حملوا أحلامهم معهم، وأن فرصة تاريخية سانحة لهم لتأسيس دولتهم، مستغلين ضعف الحكومة السورية»، وأضاف الحاج: أن «الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا واضح وواسع، لكنه لا نهائي بالضرورة، وأن على الاكراد أن يدركوا أن أكبر الدروس التي يمكن أن تستشف، هي درس إقليم كردستان العراق؛ الذي تفاجأ بأن الدعم الدولي ليس مفتوحًا»، ويرى الحاج أيضًا: «أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الأكراد في سوريا قريبًا؛ لأنها تعتبرهم حلفاء لها، ولا زالت بحاجة لهم»، لكنه عاد وقال: «إن الدعم لن يكون مطلقًا أو بدون سقف زمني، وأن هذا الدعم والرهان مرتبط بالموقف الميداني لما يجري على الأرض، وأن تفاصيل الحل في الملف السوري هو الذي سيحدد إلى أي مدى ستكون العلاقة بين واشنطن والفصائل الكردية المسلحة».
اقرأ أيضا: المال عصب الدولة.. هل يمتلك إقليم كردستان المقومات الاقتصادية للاستقلال؟
تركيا والأكراد.. حكاية قديمة لا تنتهي
مشكلة الأكراد مع الدولة التركية قديمة، ويمتد الصراع بين الجانبين لعقود خلت، إذ بدأ غبن الأكراد في تركيا منذ 29 أكتوبر عام 1923؛ تاريخ إعلان قيام الجمهورية التركية التي كان مصطفى كمال أوّل رئيس لها، والذي تبنت سياسته القومية شعارات: «أيها المواطن، تكلم التركية» و«هنيئًا لمن يقول أنا تركي»؛ مما يُعد إنكارا شاملا للهوية الكردية، من ثقافة ولغة وعادات وتقاليد.
خريطة توضح حدود كل من العراق وسوريا وإيران وتركيا
مما ألجأ الأكراد في تركيا إلى رفض سياسات الدولة التركية المتنكرة لهويتهم، ونتيجة لذلك اندلعت 17 انتفاضة بين عامي 1925-1938، واستمر الحال بين الحكومة التركية والأكراد على ما هو عليه حتى بعد وفاة أتاتورك، ولم يشهد الموقف تحركًا فعليًا تجاه حل حقيقي للأزمة، إلا في عهد حزب «العدالة والتنمية».
يقول الباحث في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج لـ«ساسة بوست»: إن «حزب العدالة والتنمية اعترف بالمظلومية الكردية، وبنى على أثره مسارًا لحل الأزمة الكردية؛ إذ بدأ ذلك في خطاب شهير لأردوغان عام 2005، في معقل الأكراد في تركيا في مدينة ديار بكر، أعقب ذلك خطوات تدريجية إصلاحية في بنية الدولة القانونية والثقافية والاجتماعية»، وأوضح الحاج أن ذلك رافقه تنمية اقتصادية في المناطق الكردية، وصولًا إلى السماح باللغة الكردية، وإنشاء مدارس وجامعات تُدَرِّس باللغة الكردية.
وعن الهدنة التي كانت بين الجانبين، يقول الحاج: إن «الهدنة التي استمرت لعامين (2013-2015) بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني انتهت على أثر تطورات الأزمة السورية والانتخابات البرلمانية التي تراجع فيها العدالة والتنمية، وهذا ما أعطى شعورًا للعمال الكردستاني بأنه يمكن أن يحقق مزيدًا من المكاسب من خلال الإدارات الذاتية في المناطق الكردية، فكسر الحزب الهدنة من جانب واحد، وعاد إلى العمل المسلح».
وعما سيكون عليه وضع الأكراد في تركيا، خلال عام 2018، يقول الحاج: إن «التصعيد بين الجانبين لم يعد كما كان إثر الضربات المتتالية من الحكومة»، ويضيف: أن «المستقبل القريب يحمل حلولًا، خاصة مع التراجع العسكري للعمال الكردستاني، وتراجع التأييد الشعبي الكبير لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي المنضوي تحت قبة البرلمان التركي؛ مما قد يدفع باتجاه الحل».
وعن استراتيجية الحكومة التركية في الحل، يرى الحاج أن الحكومة التركية تدرك أن حل القضية الكردية مشروع استراتيجي يحصن المجتمع ضد التدخلات الخارجية، ويوفر عليها الخسائر البشرية والاقتصادية، وفي السياق ذاته أوضح الحاج: «أن الحكومة قد لا تذهب إلى مصالحة معينة مع العمال الكردستاني قبل انتخابات 2019 ودخول الدستور الجديد حيز التطبيق، وحتى ذلك الوقت تحتاج الحكومة التركية إلى التعاون السياسي مع حزب الحركة القومية الرافض تمامًا لهذه العملية السياسية والشريك للعدالة والتنمية في الحكم الآن، فضلًا عن أن الحكومة التركية لن تقدم على أية مصالحة قبل أن تكسر شوكة حزب العمال الكردستاني عسكريًا وتجعله غير قادر على التصعيد مجددًا».
أكراد إيران.. من اضطهاد الشاه إلى قمع الملالي
يعد أكراد إيران أنفسهم الأقل حظًا بين أقرانهم في دول الجوار، فعلى مدى تاريخ إيران الحديث، لم تعترف الحكومات الإيرانية المتعاقبة بحق الأكراد أو اعتبارهم عرقية معترفًا بها في البلاد؛ ما دفعهم إلى مساعي الانفصال وتحقيق حلمهم بالاستقلال، فكانت لهم «جمهورية مهاباد» عام 1946، لكنها لم تدم سوى 11 شهرًا، وتمكن شاه إيران محمد رضا بهلوي من القضاء عليها. ويتواجد الأكراد في إيران في محافظات كردستان وكرمانشاه وأذربيجان الغربية وإيلام، التي تقع في الشمال الغربي من إيران.
وتجدر الإشارة إلى أن حال الأكراد لم يتغير بعد الثورة التي دعموها، واستمر حالهم كما هو عليه، ولا يزالون محرومينمن تعلم لغتهم أو ممارستها في المدارس العامة. ومشكلة الأكراد في إيران مع الحكومة الإيرانية لا تقف عند القومية أو العرق فقط، بل تمتد إلى المذهب أيضًا، حيث إن الدستور الإيراني يعتمد المذهب الشيعي مذهبًا رسميًا للدولة، ووظيفته حماية المذهب والعمل على نشره، بينما يتخذ معظم أكراد إيران المذهب السني، وبالتالي مشكلتهم تجمع بين العرق والمذهب في آن معًا.
يقول مدير تحرير مجلة «إيران بوست» شريف عبد الحميد في حديث لـ «ساسة بوست»: إن «النظام الإيراني عاش لفترات طويلة خائفًا من إيقاظ الحركات الانفصالية في المحافظات الكردية؛ لأن ذلك سيشكل خطر وجود قوة سنية في المنطقة تقاوم نظام الملالي في إيران، وهذا ما يفسر رد الفعل العنيف من إيران إزاء استفتاء إقليم كردستان العراق، وأن استفتاء العراق أظهر خوف إيران من شبح جمهورية مهاباد البائدة»، بحسب وصفه.
ويرى عبد الحميد أن تنصّل الخميني إبان الثورة الإيرانية، من الاتفاق الذي عقده مع «أحمد مفتي زاده» أحد أبرز المفكرين الأكراد، وكان ينص على أن يطرد الأخير القادة الأكراد الشيوعيين والقوميين من محافظاتهم مقابل حكم ذاتي للأكراد في مناطقهم، كان المحرك الذي شجع أكراد إيران على الحراك ضد الحكومة الإيرانية بعد أن كان الأمل يحدوهم في تبدل حالهم إثر الخلاص من الشاه.
وعن خيارات أكراد إيران وتحركاتهم في إيران مستقبلًا، يقول عبد الحميد: إنه «ونتيجة الأزمة التي تبعت استفتاء أكراد العراق، فإن حراك أكراد إيران سوف يتوقف قليلًا؛ حتى يقل الضغط عن أكراد العراق، وأن أكراد ايران الآن هم أسرى الوضع في كردستان العراق».