خطوة جديدة على طريق السلم الأهلي

في خطوة مهمة ضمن الجهود التركية الرامية لإنهاء “المشكلة” الكردية سلمياً، يناقش مجلس الأمة التركي منذ أيام مشروع قانون “إنهاء الإرهاب وتمتين الوحدة المجتمعية”، الذي يهدف إلى إنهاء العمليات المسلحة لحزب العمال الكردستاني (المصنف منظمة إرهابية في تركيا) وتثبيت جو الأمان في البلاد، عبر صيانة وتقوية النسيج الاجتماعي للشعب.

ويعكس كسر المجلس لمواعيده الثابتة في العمل والإجازات، وتمديده العمل بشكل إضافي حتى نهاية شهر تموز/يوليو القادم أهمية القانون والأولوية التي يحظى بها هذا الملف، خصوصاً لدى الحكومة والحزب الحاكم.

يأتي هذا القانون – الذي سيناقشه المجلس لما يقرب من شهر من الزمان – ضمن مشروع “السلام والأخوة الوطني” الذي بدأته الحكومة التركية عام 2009، ويهدف إلى إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح وإيقافه العمليات العسكرية، في مقابل إصلاحات سياسية وديمقراطية وقانونية في تركيا تعترف بالحقوق السياسية والثقافية الكردية وترسخها. وقد لقي المشروع تجاوباً من حزب العمال الكردستاني، تمثل في رسائل واضحة المضمون من زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان بإلقاء السلاح ومغادرة بعض المسلحين للأراضي التركية (وقد تم ذلك جزئياً)، ثم توقف سيل الدماء منذ أكثر من 19 شهراً، بعد عشرات السنوات من العمليات العسكرية أدت إلى أكثر من 30 ألف ضحية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي قدرت بمئات المليارات من الدولارات.

يذكر أن هذا المشروع تتويج لخطوات متلاحقة ومتدرجة من الحكومات التركية المتعاقبة منذ وصول العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، تمثلت بالاعتراف بالهوية الثقافية المستقلة للطيف الكردي من الشعب التركي، بما يشمل السماح بالتعلم والتعليم باللغة الكردية، إضافة لحرية النشر وحتى الدعاية السياسية بها، وإعادة تسمية بعض القرى بأسمائها الكردية السابقة (ما قبل إعلان الجمهورية التركية)، بالتوازي مع المشروعات الاقتصادية والتنموية التي رفعت من مستوى منطقة جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية.

ويتضمن مشروع القانون الذي قدم لمجلس الأمة لمناقشته تفويضاً للحكومة التركية باتخاذ الإجراءات الضرورية ضمن مشروع “إنهاء الإرهاب وتمتين الوحدة المجتمعية”، وإخلاء المسؤولية الجنائية للمشاركين فيه. أما في تفاصيله، فقد أوكلت للمجلس الوزاري عدة مهمات ضمن مشروع القانون، منها:

-تحديد الخطوات المطلوب اتخاذها في المجالات السياسية، الحقوقية، المجتمعية، الاقتصادية، النفسية، الثقافية،حقوق الانسان، الأمن، إلقاء السلاح، والمواضيع المتعلقة بهذه المجالات.

-اتخاذ القرار بالتواصل، اللقاء، الحوار وما شابه مع أشخاص وهيئات ومؤسسات داخل وخارج تركيا، وتعيين الأشخاص والهيئات والمؤسسات التي ستقوم بذلك، متى ما دعت الضرورة.

-اتخاذ الإجراءات الضرورية لعودة من يلقي السلاح لبيته ومشاركته في الحياة المجتمعية.

-تأمين إطلاع الرأي العام بشكل صحيح وفي الوقت المناسب على التدابير والإجراءات المتخذة.

-متابعة نتائج الإجراءات المطبقة، وتأمين التنسيق بين الهيئات والمؤسسات ذات العلاقة.

-الإجراءات القانونية (سن القوانين) المطلوبة لإنجاح المشروع.

 

هكذا، تسعى تركيا لرفع المظلومية التاريخية التي لحقت بالأكراد مع إعلان الجمهورية، من خلال العمل الجاد على تطبيع أوضاعهم القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتنموية، تمهيداً لتقنين كل هذه الإصلاحات بشكل مستقر وراسخ من خلال صياغة الدستور الجديد، الذي تم تأجيل ملفه لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ولئن قابلت الأحزاب الكردية مسودة القانون بالترحاب بما يزيد من جو التفاؤل، إلا أن الأهم هو ما سينتج عن مناقشات مجلس الأمة للقانون، بما يشجع أكثر على المضي قدماً في عملية السلام، البديل المنشود للصراع العسكري وسفك الدماء، الأمر الذي سيزيد الجبهة الداخلية التركية تماسكاً ومتانة، كخطوة مهمة على طريق تحقيق رؤية العدالة والتنمية لأهداف “تركيا الكبيرة” الخاصة بعام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

أكمل الدين إحسان أوغلو .. مرشح من للرئاسة؟

المقالة التالية

الانتخابات الرئاسية التركية مرشح المعارضة وخيارات العدالة والتنمية

المنشورات ذات الصلة