-
حسابات زعيم المعارضة للترشح ضد أردوغان
عربي 21
قبل أيام، تحدى زعيمُ المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو الرئيسَ أردوغان أن “يترشح مقابله” في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ورغم أن كليتشدار أوغلو عاد وقال إن منطلق كلامه أن الانتخابات “سيتنافس فيها رؤساء الأحزاب بمعنى أو بآخر”، إلا أن الدوائر السياسية والإعلامية في البلاد أخذت التصريح على محمل الجد بعدِّه إعلاناً صريحاً منه لنيته الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
حديث كليتشدار أوغلو أتي في معرض تعليقه على الجدل الدائر بخصوصية مدى قانونية ترشح أردوغان في الانتخابات المقبلة، حيث ترى المعارضة أنه حكم دورتين وبالتالي لا يحق له دستورياً الترشح مرة ثالثة، بينما يقول التحالف الحاكم إنه حكم دورة واحدة وفق النظام الرئاسي الذي عدَّلَ اسم الرئيس وتوصيفه وصلاحياته، وبالتالي ما زال يحق له الترشح لدورة ثانية وفق هذا النظام، بغض النظر عن أنه كان رئيساً لدورة قبله.
قال كليتشدار أوغلو إن حزبه “لا مانع لديه” من ترشح أردوغان لدورة ثالثة، لكن تعقيبه سبَّبَ جدلاً واستثار اعتراضات وتحفظات حتى من داخل حزبه، فعاد واستدرك أنه قصد حق أردوغان في الترشح “في حال قرر البرلمان الذهاب لانتخابات مبكرة”.
ومناط المفاجأة في تصريح زعيم المعارضة أنه إعلان يستبق قرار تحالف “الشعب” المعارض الذي يبدو أنه يشهد خلافات داخلية بخصوص اسم مرشحه التوافقي للرئاسيات. كما أن كليتشدار أوغلو نفسه كان ضد ترشح زعماء الأحزاب للرئاسة وامتنع هو نفسه عن ذلك في الانتخابات السابقة، قبل أن يغير رأيه قبل مدة قائلاً إنه قد يرشح نفسه إن قدمه تحالف المعارضة مرشحاً توافقياً وإن ذلك “شرف كبير” له أو لمن يستقر الرأي عليه.
فما هي حسابات رئيس حزب المعارضة الأكبر في البلاد في الإعلان عن ترشيح نفسه أولاً، والإعلان عنه بهذه الطريقة ثانياً، وقبل التشاور مع حلفائه في المعارضة ثالثاً؟
يبدو أن تغيير كليتشدار أوغلو لموقفه من الترشح مدفوع بتقدير سائد أن الانتخابات المقبلة ستكون أصعب على الرئيس التركي من سابقاتها وأن المعارضة لها فرصة أكبر هذه المرة في المنافسة والفوز من الاستحقاقات السابقة، لا سيما إذا ما جمعت كل قوتها خلف مرشح توافقي تخوص بها المعركة الانتخابية. وفي هذا السياق، أي احتمال الفوز هذه المرة، نجد لدى كليتشدار أوغلو هذه المرة الرغبة في خوض المعركة بعد أن تمنّع عن ذلك أكثر من مرة رغم المطالبات من داخل حزبه وخارجه.
من جهة ثانية، تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد لا تحسم في الجولة الأولى بل في جولة إعادة بين أكثر مرشحَيْن حصلا على أصوات. ويدرك كليتشدار أوغلو، رئيس حزب المعارضة الأكبر في تركيا، بذلك أنه صاحب الحظ الأوفر في الوصول لمرحلة الإعادة مع أردوغان ويسعى في ظل ذلك للحصول على دعم كل أحزاب المعارضة التي لا تريد لأردوغان أن يستمر في الرئاسة.
ثالثاً، يحاول الرجل هنا أن يقطع الطريق على فكرة ترشيح شخصية أخرى من داخل الحزب ولا سيما رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، لا سيما وأن الأول يحظى بدعم غير خافٍ من الحزب الجيد (تكيلُ له رئيسة الحزب الجيد المديح وتلقبه بـ”الفاتح”) وكذلك من دوائر خارجية تبدت في اللقاءات التي جمعته بالسفيرين البريطاني والأمريكي مؤخراً.
كما أنه قد تقصد فيما يبدو استباق اللقاء بخصوص الإعداد للعودة للنظام البرلماني والذي كان سيجمع رؤساء ستة أحزاب معارضة، الأحزاب الأربعة التي كانت شكّلت تحالف الشعب المعارض إضافة لحزبَيْ المستقبل برئاسة داود أوغلو والتقدم والديمقراطية برئاسة باباجان، القياديان السابقان في العدالة والتنمية الحاكم.
ذلك أن هذه الأحزاب كانت قد استبقت اللقاء باشتراطات تعلقت ببروتوكولات اللقاء من طريقة الجلوس لإدارة النقاش ..الخ، وهي أمور تعامل معها كليتشدار أوغلو بمرونة، حيث عقد اللقاء يوم السبت الفائت حول “طاولة مستديرة” لا رأس فيها ولا تمايز بين رؤساء الأحزاب. كما أن اللقاء كان سيعني احتمالية توسع التحالف المعارض مستقبلاً ليضم ستة أحزاب، ما كان سيعقّد الحوار والتفاوض لاختيار مرشح توافقي له، ولذلك كان استباق اللقاء بهذا الإعلان المبطّن.
وعليه، أراد كليتشدار أوغلو أن يقول للأحزاب التي اجتمع مع رؤسائها إن مرونته وتقديمه التنازلات لا تعني أنه ضعيف أو أنه سيخضع للمساومات بخصوص زعامته للمعارضة وترشحه للانتخابات أو فرض مرشح بعينه عليه وعلى رئاسة حزبه. صحيح أنه يدرك تماماً أنه غير قادر على الفوز بدون دعم أحزاب التحالف، الحالية والمحتملة مستقبلاً، لكنه يراهن على إدراكها هي أيضاً أنه الشخصية الأقوى في التحالف المعارض ورئيس الحزب الأكبر وصاحب الحاضنة الشعبية الأوسع فيه. فضلاً عن أنه صاحب القرار الأول والأخير في حزبه بخصوص اختيار مرشحه للرئاسيات وفق قانون الأحزاب الساري في البلاد.
سيخضع الرجل بلا شك لتحفظات وضغوط، من داخل حزبه ومن داخل التحالف المعارض ولا سيما الحزب الجيد وكذلك من أطراف خارجية، لكنه يراهن على أنه يستطيع مقاومة هذه الضغوط والإبقاء على نفسه مرشحاً لحزبه على أقل تقدير. فإن وافق التحالف على تقديمه مرشحاً توافقياً فبها ونعمت، وإن رفض فسيكون أقوى المرشحين بعد أردوغان وصاحب فرصة في الوصول لجولة الإعادة الحاسمة، وحينها سيضع أحزاب المعارضة أمام مسؤولياتها، إذ سيكون عليها الاختيار بين أردوغان الذي تعارضه وكليتشدار أوغلو الذي تتحالف معه.
ورغم كل ما سبق، ثمة فارق كبير وجليٌّ بين فرصتَيْ الترشح والفوز. ذلك أن الكل – بمن فيهم كليتشدار أوغلو – يدرك أن فرصة الأخير في منافسة أردوغان أقل من فرص شخصيات أخرى مثل إمام أوغلو أو يافاش، فضلاً عن شخصية مثل الرئيس الأسبق عبدالله غل على سبيل المثال. فـ”زعيم المعارضة” يفتقر بشكل واضح لمهارات الزعامة من كاريزما ورؤية وشعبية، كما أنه لن يكون مقبولاً من الشريحة المحافظة في المجتمع.
ولذلك، يبدو تصريح كليتشدار أوغلو محاولة استباقية لأي ترشيحات أخرى من داخل حزبه، وهو قادر على ذلك، وبالتالي تقوية أوراق تفاوضه مع أركان التحالف المعارض الحاليين والأحزاب المرشّحة ولو نظرياً للانضمام له لاحقاً. ورغم أن هذا الإعلان ليس رسمياً ولا مباشراً وبالتالي يحمل إمكانية الرجوع عنه لاحقاً، إلا أن الرجل يبدو مُصِرَّاً هذه المرة على رأيه وأقدَرَ على إنفاذه. وبالتالي ما لم تحصل مفاجأة كبرى حتى موعد الانتخابات، فإن كمال كليتشدار أوغلو سيكون أحد المرشحين في مواجهة أردوغان، بغض النظر أكان مرشحاً لحزبه فقط أم توافقياً لتحالف الشعب المعارض.