حدود العقوبات الأمريكية المحتملة على تركيا
TRT عربي
لم تنجح تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا بثني الأخيرة عن إتمام صفقة S400 الروسية، فقد بدأت قبل أيام باستلام قطعها.
ما زالت أنقرة تعمل على تجنُّب العقوبات الأمريكية من خلال عدة مسارات، منها التواصل الدبلوماسي وإبداء الاهتمام بشراء صواريخ باتريوت والإصرار على مقترح تشكيل لجنة عمل مشتركة للتثبت من وجود أي مخاطر من الصفقة على الأسلحة الأمريكية. إلا أن كل ذلك مضافاً له حديث ترمب الإيجابي خلال قمة العشرين لا يطمئن أنقرة على أي حال، إذ أعقب هذا الحديثَ تصريحاتٌ للمتحدثة باسم الخارجية مورغان أورتاغوس أكدت على أن مضي تركيا في الصفقة “سيكون له نتائج جدية وسلبية، وبما يشمل مشروع طائرات F35″، وهو ما تم بالفعل عندما علقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا بمشروع الطائرة التي تعد الأكثر تطوراً في العالم.
ويمكن ربط تأخر الإعلان الأمريكي عن العقوبات على تركيا برغبتها في تمرير ذكرى الانقلاب الفاشل في تركيا لتجنب ربطها به مرة أخرى وانتظار تعيين وزير دفاع جديد إضافة للمسار القانوني لبعض العقوبات المتوقعة. وقد بدا أن واشنطن لن تمرر الصفقة دون ردة فعل تحذيرية و/أو عقابية لأنقرة، لأن المخاوف الأمريكية الحقيقية ليست انكشاف أسرار أسلحتها ولا احتمالية استهدافها من قبل المنظومة فقط، وإنما في المقام الأول انتشار المنظومة الروسية وتعدد مريديها في السوق العالمي، خصوصاً وأن تركيا هي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي.
ليس من المرجح أن تصدر العقوبات على أنقرة من الناتو، إذ رغم بعض التصريحات المنتقدة للصفقة إلا أن الموقف الرسمي للحلف يؤكد على حق تركيا في شراء المنظومة وعدم انتهاكها نظامه الداخلي، ما يعني أن العقوبات ستكون أمريكية محضة، فما هي؟
يمكن القول إن هناك مسارين للعقوبات الأمريكية المحتملة، عام ويمكن تطبيقه مباشرة وخاص قد تحتاج خطواته القانونية لبعض الوقت. الأول يتضمن عقوبات أمريكية مباشرة اقتصادية و/أو سياسية و/أو عسكرية كما حصل خلال الصيف الماضي، بما قد يشمل تجميد أو إلغاء مشاركة تركيا في مشروع طائرات إف 35 المقاتلة. لكن الشق الأكثر إثارة لقلق أنقرة سيكون العقوبات الاقتصادية لا سيما وأن البلاد لم تتعاف بعدُ تماماً من الأزمة الاقتصادية التي ساهمت فيها العقوبات الأمريكية السابقة.
وأما المسار الخاص فهو “قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات” أو قانون CAATSA الذي أصدره الكونغرس ووقعه ترمب عام 2017 واستخدمته واشنطن حتى الآن ضد كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، حيث يرى الكونغرس في مداولاته مؤخراً بأن أنقرة قد انتهكت إحدى مواد القانون وبذلك تستحق العقوبات.
يشمل القانون 12 بنداً يتيح للرئيس أن يختار 5 منهم على الأقل لتطبيقهم، على شكل عقوبات للشخصيات والمؤسسات التي تتعاون مع “أعداء الولايات المتحدة” في عدد من القطاعات في مقدمتها الأمن والدفاع والغاز والنفط، مع منحه صلاحية التأجيل أو التمهل قبل ذلك.
وعليه، قد تشمل العقوبات تحت بند القانون المذكور حظر التعامل مع الشركات التركية العاملة في قطاع الصناعات الدفاعية وتشديدات مالية عليها ما قد يشكل تحدياً حقيقياً لها، لكنها كذلك قد تكتفي بعقوبات رمزية مثل تحديد عدد من المسؤولين وتجميد أموالهم في المصارف الأمريكية أو منع التأشيرات عن بعضهم وما إلى ذلك.
في كل الأحوال، يبقى القرار النهائي للرئيس الأمريكي، لكنه يقع بالتأكيد تحت ضغط مؤسسات أخرى لا سيما البنتاغون الذي يحمل موقفاً سلبياً من تركيا فيما يبدو. كلام ترمب خلال لقائه مع اردوغان في قمة العشرين لقي صدى إيجابياً لدى أنقرة في حينه، لكنه لم يكن جازماً ولا نهائياً فضلاً عن أن ترمب نفسه بات مشهوراً بتقلباته ومواقفه المتذبذبة وتأثره بضغوط المؤسسات الأمريكية.
يمكن لأنقرة تحمل عقوبات متعلقة بمشروع F35 لا سيما وإن كانت مؤقتة، كما أن أي عقوبات أخرى رمزية أو متوسطة المستوى يمكن لها امتصاصها وفي الغالب لن تحول الأمر لأزمة مع واشنطن. إلا أن عقوبات حقيقية وذات آثار دراماتيكية على الاقتصاد التركي ستكون اختباراً صعباً للعلاقات الثنائية بين البلدين.
ما يطمئن تركيا نسبياً في هذه المرحلة ويرجح لديها أن تكون عقوبات واشنطن رمزية أو بسيطة ومؤقتة هو عدم رغبة الولايات المتحدة في إحداث قطيعة معها قد تدفعها تماماً للحضن الروسي إضافة لحاجة الولايات المتحدة لها في هذه الفترة التي ترفع فيها من حدة خطابها وعقوباتها ضد إيران.
وعليه، سيكون من المنطقي توقع ردة فعل أمريكية على الصفقة وأن تفرض على أنقرة عقوبات ما، لكن سياق العلاقات الثنائية وعديد الملفات ذات الاهتمام المشترك التي تحتاج واشنطن في معظمها لتعاون أنقرة فضلاً عن العضوية المشتركة في الناتو والتطورات الإقليمية المختلفة، كلها عوامل تستبعد أزمة عميقة بين البلدين ما يرجح ألا تكون العقوبات الأمريكية المحتملة حادة جداً ولا دائمة وأن تحمل صفة ردة الفعل وإثبات الموقف أكثر من معنى المواجهة مع تركيا والإضرار بها، لكن ترمب لا تؤمن مواقفه.