لا يختلف اثنان أن جماعة كولن أو حركة الخدمة كانت الخاسر الأكبر في الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا. فالحرب التي أعلنتها على الحكومة لإسقاطها لم تسفر عن شيء، وخرج العدالة والتنمية (بحسب نتائج غير رسمية) بفوز عريض تخطى نسبته في الانتخابات المحلية السابقة عام 2009 بما يقرب من 7% من الأصوات.
لكن خسارة الجماعة ليست مقتصرة على البعد الانتخابي فقط، بل تجلت خسارتها في المجالات التالية:
أولاً، خسرت الجماعة كما ذكرنا رهانها على إسقاط الحكومة، عبر تشويه صورتها بحملة من التسريبات.
ثانياً، بات واضحاً للعيان أن الكتلة التصويتية للجماعة غير مؤثرة، ولم ترجح كفة العارضة على الحزب الحاكم في أي مدينة كبيرة.
ثالثاً، أما الاحتمال الثاني الذي لا يقل عنه سوءاً فهو أن تكون الجماعة قد عجزت عن إقناع قاعدتها الشعبية بالتصويت ضد العدالة والتنمية.
رابعاً، انكشف تحيز وعدم مهنية وسائل الإعلام التابعة للجماعة، ومنها صحيفة الزمان وتلفزيون صامانيولو، وأخيراً وكالة جيهان للأنباء، التي أصرت حتى اللحظة الأخيرة على تزييف بعض النتائج لتوحي بفوز المعارضة أو بحصول تزوير، أملاً في تحريك الشارع ضد الحكومة.
خامساً، وجدت الحركة نفسها وسط حلبة السياسة وبأسوأ الوسائل والأساليب، بعد أن ادعت لعشرات السنين أنها خارج هذه الدائرة مرددة شعارها: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والسياسة”.
سادساً، ظهر بطلان ادعاء الجماعة أنها وراء نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة، وأنها قادرة على إسقاطه.
سابعاً، لذلك كله، كانت خسارة الجماعة الأبرز هي ثقة الشعب التركي بها، والهالة التي كانت محاطة بها، وبذلك تحطمت أسطورة جماعة كولن في عيون أبنائها قبل خصومها.
غير أن ما واجهته الحركة من هزيمة ليس سوى شارة البدء – على ما يبدو – بحرب لا هوادة فيها أعطى ملامحها رئيس الوزراء اردوغان في حملاته الانتحابية وأكدها في خطابه بعد الانتخابات، ويبدو أن الأسوأ ما زال في رحم المستقبل القريب. ولعل الجماعة نفسها تدرك هذه الحقيقة، ولذلك تجلت ردة فعلها بعد الانتخابات – حتى الآن – بتحركين يحملان دلالات مهمة:
الأول، هرب العديد من الصحافيين ورجال الأعمال المحسوبين على الجماعة خارج البلاد قبيل وبعد الانتخابات.
الثاني، مقالات يكتبها بعض كبار كتابها، يمكن اعتبارها مراجعات لرهان الجماعة الخاسر، أو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتخفيف حدة اللهجة ضد الحكومة لاستعطافها وتخفيف ردة فعلها إن أمكن.
غير أن الكثير من المراقبين يرون أن الحكومة قد حسمت قرارها بكشف ومحاسبة كل من تخطى القانون في موضوع التنصت وتسريب تسجيلات تضر بالأمن القومي، وربما تصل بعض الاتهامات إلى مستوى الخيانة العظمى للبلاد.
ورغم أن الحملة لا يتوقع لها أن تكون شاملة ضد الجماعة وكل أتباعها، إلا أن الأذرع الاقتصادية والإعلامية للجماعة لن تكون بعيدة عن الاستهداف، مما ينبئ باحتمال انهيار الامبراطورية المالية والإعلامية التي بنتها الجماعة على مدى أربعين سنة، إضافة إلى تطهير مؤسسات الدولة المختلفة من أعضائها المتغلغلين فيها، والتي ثبت أن ولاءهم فيها لم يكن للبلاد بل لمسؤولي جماعتهم.
أما والمشهد كذلك، فالجماعة أمام مفترق طرق، وقد تكون مضطرة لاتخاذ قرارات حاسمة وصعبة لتجنب حرب الاجتثاث وانهيار البناء ككل، لكن المفارقة ستكون أن الجماعة التي كانت الوحيدة من بين كل الجماعات الدينية التي سلمت من كل الانقلابات باتت تحت تهديد التفكيك والانهيار تحت قبضة حكومة مدنية منتخبة، حين تخطت حدودها وظنت أنها أكبر وأقوى من الدولة.