جماعة كولن والانتخابات .. قضي الأمر

أخيراً وبعد انتظار طويل، حسمت جماعة الخدمة (كولن) قرارها بخصوص الانتخابات المحلية المزمع عقدها نهاية الشهر الحالي في تركيا، أو لنقل أخرجته أخيراً للعلن. فقد أوصت قيادة الجماعة قاعدتها الجماهيرية، وخاصة الطلاب، بانتخاب الحزب الأقوى في مواجهة العدالة والتنمية في كل دائرة انتخابية على حدة، دون تحديد الحزب أو الاسم.

فمنذ بداية الأزمة الأخيرة في تركيا في 17 من كانون أول/ديسمبر 2013، وتسارع الأحداث يشير إلى طلاق بائن بين الحليفين السابقين، وعلى ذلك فلم يكن التساؤل المطروح عن تصويت الخدمة للعدالة التنمية من عدمه، بل لمن ستصوت وبأي صيغة: تحالف انتخابي مع حزب واحد أم تحالف مع جبهة انتخابية عريضة تضم حزبين أو أكثر؟ لكن الصيغة التي أملتها قيادة الحركة على أتباعها هي، فيما يبدو، أكثر الصيغ تعبيراً عن موقفها من اردوغان وحزبه، إذ أنها تحمل لقاعدتها الشعبية رسالة وحيدة وواضحة: لا يجب أن يفوز العدالة والتنمية في الانتخابات.

ورغم ما يبدو من حدة في القرار، إلا أنه غير مفاجئ ولا مستغرب، بل هو متسق تماماً مع ماضي الجماعة، التي تحالفت في كافة الانتخابات مع مختلف الأحزاب السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بما في ذلك حزب اليسار الديمقراطي بقيادة الراحل بولند أجاويد المعروف بعدائه للإسلاميين وحربه ضد الحجاب. الاستثاء الوحيد لهذه التحالفات والتوافقات الانتخابية كانت أحزاب تيار “الرأي الوطني” المعروفة باسم “ميللي غوروش” التي كان يتزعمها الراحل نجم الدين أربكان رائد الإسلام السياسي في تركيا.

هذا ما دأبت عليه الجماعة منذ عشرات السنين، وكان العدالة والتنمية الاستثناء الوحيد في تاريخها، إذا وضعنا في الاعتبار أن مؤسسيه وقادة صفه الأول أتوا من خلفية إسلامية وكانوا من طلاب أربكان. ذلك أن الجماعة قدّرت وقتها أن هؤلاء خرجوا عن أستاذهم وغيروا نهجهم، إضافة إلى توقع فوز العدالة والتنمية في الانتخابات في حينها، في ظل عجز وتقهقهر الأحزاب الكبيرة الموجودة على الساحة، والجماعة تراهن دائماً على الحصان الرابح.

لكن الاختلافات الكبيرة بين تركيا اليوم والأمس تجعل من اختيار الخدمة مراهنة كبيرة وربما غير محسوبة. ذلك أنها لم تكن تجد صعوبة في إقناع مريديها بعدم التصويت للأحزاب “الإسلامية” التي كان يرأسها أربكان من خلال قائمة طويلة من الذرائع، على رأسها فشل أربكان وعدم امتلاكه القدرة على قيادة دفة الحكم، واستعجاله مما قد يطيح بالمشروع الإسلامي، وعدم لفت الأنظار إلى قوة الإسلاميين في تركيا بينما هم ما زالوا غير جاهزين لحكم البلاد.

أما اليوم فهم أمام نموذج آخر استطاع أن يثبت جدارته خلال 12 عاماً نقل خلالها تركيا من مصاف دول العالم الثالث المستدينة من بنك النقد الدولي، إلى دولة إقليمية عظمى تسعى لدور دولي على كافة الصعد. كما أن دعاوى الخوف على مشروعهم لأنه ما زال في البدايات ولت دون رجعة، إضافة إلى أن الشباب السائر خلف كولن يتابع ولا شك الحرب الإعلامية – القضائية الدائرة في بلده، ويدرك تفاصيل المشهد، على الأقل كثيرون منهم، مما قد يصعب المهمة على قيادة الجماعة هذه المرة، سيما وأن البعض خرج من صفوف الجماعة، والبعض الآخر جاهر برفضه التصويت لغير العدالة والتنمية.

ولذلك فقيادة حركة الخدمة بهذا القرار الأخير أمام امتحان كبير، في ظل أحاديث عن تهديدهم من لا ينفذ القرار بالطرد من مساكنهم ومؤسساتهم، وفي ظل جو عام يوحي بتذمر عدد كبير من طلاب الجماعة من طريقة إدارتها للازمة مع العدالة والتنمية، وعدم اقتناعهم بصوابية القرار بالتصويت لأحزاب علمانية أو قومية في مقابل النموذج القائم، الناجح والأقرب – مؤخراً – لصيغة الحزب الإسلامي، بما يرفعه من شعارات وما يحققه من نجاحات.

لذلك، وفي إثر كل الأحداث التي شهدتها تركيا منذ 3 أشهر، وفي ظل استعار الحرب من قبل وسائل الإعلام الدائرة في فلك الجماعة ضد الحكومة، وتحميل الأخيرة مسؤولية ما تعانيه تركيا حالياً لقيادة الجماعة، وتهديد اردوغان بتصعيد كبير ضدها بعد الانتخابات يصل إلى مستوى اجتثاث تمددها في أجهزة الدولة المختلفة، تصبح الانتخابات القادمة أكثر من مجرد انتخابات بلدية عادية، بل ترقى إلى مستوى انعطافة تاريخية في المشهد التركي، على مستوى العدالة والتنمية وعلى مستوى جماعة الخدمة، وربما تحدد مستقبل أحدهما، في إطار الحرب الصفرية الدائرة حالياً بينهما.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

الثورة والنخبة والشارع .. من يقود من؟

المقالة التالية

ليست مجرد انتخابات بلدية

المنشورات ذات الصلة