تعالوا نحل “الإخوان” ولكن أي “إخوان” منهم؟

لطالما كان من عادات النظم الشمولية والدكتاتورية أن تماهي بين الدولة والنظام في مواجهة المعارضة في الداخل والمنتقدين في الخارج، فتكون قد أسأت لمصر إن انتقدت مبارك، وأهنت سوريا إن تكلمت على الأسد، وهاجمت تونس إن ألمحت إلى أخطاء ابن علي.

وبما أن الفساد السياسي ينتقل بالعدوى والقوة الناعمة إلى سائر قطاعات الدولة، وصولاً إلى فساد المعارضين للفساد أنفسهم دون أن يدروا، باعتبارهم يعيشون تحت هذه المنظومة الفاسدة (التعليم والإعلام كمثال) كما يقول الكواكبي في كتابه البديع “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، فيبدو أن الكيانات المعارضة قد أصيبت بما أصيبت به الأنظمة التي ثارت عليها، فأصبح نقد أحد قياداتها خروجاً على التيار أو الجماعة، وصار التنبيه على الأخطاء هدماً لصرحها ونقضاً لأساسها.

لكن، من ناحية أخرى، يقع الكثير من الناقدين لأداء التيار المناهض للانقلاب – مثلاً في النموذج المصري – في نفس الخطأ ويكررون نفس الخلط. فعلى وقع استمرار الانقلاب لأكثر من سنة ونصف، وتثبيته أركان دولته في الداخل والخارج شيئاً فشيئاً، دون أي إنجازات كبيرة تحسب على التيار المناهض له، تعالت الأصوات مراراً وتكاثرت مؤخراً داعية إلى المراجعات والتقييم، وتشخيص الأخطاء وتقديم العلاج، لكن جزءاً غير يسير منها كان عالي السقف.

فقد قرأنا مؤخراً لأكثر من شاب من شباب جماعة الإخوان مقالات أو كتابات تطالب بحلها، بعد أشهر طويلة من النقد العلني – وبالأسماء – لقيادات بارزة بها. وبغض النظر عن مدى وجاهة الطرح، ومتانة العرض، وأسلوب الكلام، وصفة المتكلم، والحلول البديلة المطروحة، إلا أنني أرى أن هذا التيار من الشباب يخلط بين إخوان وإخوان، فالإخوان بنظري 4 “إخوانات” منفصلة ولكن متداخلة:

فهناك الإخوان الفكرة، وهو التيار الفكري الذي يعبر عن حركة إسلامية وسطية التفكير شاملة المنهج والوسائل تأثر بها الملايين حول العالم، ويعبر عنها البنا قائلاً إنها “روح تسري”.

وهناك الإخوان التنظيم، وهي البنية الهيكلية التي بناها الإخوان منذ البنا وحتى اليوم، بتاريخه، ونظامه الداخلي، وأعماله وإنجازاته وإخفاقاته، وأدبياته ..الخ.

وهناك الإخوان القيادة، وهم أولئك الذين تصدروا المؤسسات القيادية داخل اطر الجماعة، من مجلس شورى إلى مكتب إرشاد إلى تنظيم دولي وصولاً إلى القائمين على أمر الجماعة منذ الانقلاب وحتى اليوم بنتيجة الأمر الواقع (منهم أو من الانقلاب لا يهم).

وهناك الإخوان الأعضاء، وهم عشرات أو مئات الآلاف من المنضوين تحت عباءة التنظيم في مصر، بمختلف رتبهم التنظيمية وأعمالهم ومؤسساتهم ومسؤولياتهم.

ولربما جاز أن نضم إخواناً خامسة، وهم الأنصار والمحبون والمتأثرون بفكرة الإخوان حول العالم، لكنني فضلت ألا أفردهم هنا وحدهم، سيما وأنهم مذكورون ضمناً في الطيف الأول.

وعليه، فيتوجب علينا هنا أن نسأل الشباب الذين نادوا بحل الإخوان، أي إخوان يقصدون؟ الفكرة أم التنظيم أم القيادة أم الأعضاء؟ وبعكس ما قد يخطر على ذهن القارئ لأول وهلة، إلا أن الدافع لهذا السؤال ليس فلسفة فارغة ولا محاولة للإحراج والحشر في زاوية الحوار، بل أمر اكثر خطورة ومحورية من كل هذا.

إن هذا الحراك الساخن والاعتراضات العلنية ودعوات حل الإخوان – خصوصاً حين تأتي من داخل صفها – تنال من رصيد الإخوان كفكرة وكتنظيم، رغم أن المقصود بها – حسبما أفهم – بعض القيادات التي تتقدم المشهد. بل ربما أزعم أن هذا اللغط الحاصل يخصم من رصيد الإخوان في المستقبل ويقلل من الثقة بهم والتعاون معهم، وهكذا سيكون بعض الشباب قد أساؤوا من حيث أرادوا أن يصلحوا.

لا يستطيع أحد إنكار الأخطاء الكبيرة والكبيرة جداً التي اعترت مسيرة الإخوان القصيرة جداً في الحكم، والعوار الذي بدا واضحاً في فكرتهم عن الدولة ومدى استعدادهم لقيادتها، بيد أن حقائق التاريخ والواقع تقول إنهم هم في الغالب من سيقودون مرة اخرى – لوحدهم أو بالمشاركة – المشهد المصري بعد سقوط الانقلاب، قرب ذلك أم بعد أمده. ذلك أن تاريخ الثورات يخبرنا أنها تحتاج لفصيل أو حزب “طليعي” يقودها ويكون قوتها الضاربة تجنباً للفوضى والحرب الأهلية بسبب صعوبة تحقيق التوافق، ومنعاً لإطالة واستدامة فترتها الانتقالية. والإخوان، بأعدادهم وانتشارهم وتواجدهم في الشارع وتقاليدهم الصارمة في التنظيم والانضباط سيكونون في مقدمة المرشحين للعب هذا الدور، بعد استدراك الأخطاء وإصلاحها بلا شك.

وهكذا، يصبح من مصلحة الثورة ومصر (والعالم العربي – أزعم) الحفاظ على قوة وتواجد الإخوان في المشهد، بل وتطويرهم وتقويتهم، وليس هدمهم وحلهم كما يطالب البعض، دون أن يكون لديه أي تصور عن البديل. وعليه، فمن أراد توجيه سهام النقد اللاذعة فليوجهها دزن توفير أو إبطاء، ولكن نحو هدفها ومستحقيها، وبالأسماء إن كان ممكناً، ذلك أننا لا نملك رفاهية تأسيس تيار شعبي قوي يكون الظهر القوي والنواة الصلبة للثورة من الصفر، الأمر الذي سيبدو أصعب وأسخف من إعادة اختراع العجلة أو اكتشاف القارة الأمريكية.

 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

هل عمقت القمة الخليجية من عزلة تركيا؟

المقالة التالية

هل تحترق جماعة كولن بلهيب القضاء الذي أشعلته في وجه الحكومة التركية؟

المنشورات ذات الصلة