تصريحات جاويش أوغلو: هل ستتصالح أنقرة مع دمشق؟

تصريحات جاويش أوغلو: هل ستتصالح أنقرة مع دمشق؟

الجزيرة نت

أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو جدلاً واسعاً بخصوص نظرة بلاده للعلاقة مع النظام السوري من جهة ورؤيتها للحل في سوريا من جهة ثانية.

أول لقاء

وكان تشاووش أوغلو قد قال يوم الخميس الفائت، في معرض رده على سؤال وجه له بخصوص إمكانية حصول اتصال هاتفي بين الرئيس التركي ونظيره السوري، إنه تكلم مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز في تشرين الأول/أوكتوبر من العام الفائت. ورغم أن الوزير التركي نفى وجود قناة دبلومسية بين البلدين وأكد على رفضِ أردوغان فكرة الاتصال الهاتفي مع الأسد وعلى أن اللقاء كان عابراً وقصيراً وغير مرتب له سلفاً وأنه كان “قبل مأدبة الطعام وخلال الحديث مع وزراء آخرين” – في محاولة منه لتقليل حجم الحدث ودلالاته – إلا أن التصريح تسبب بجدل كبير بين السوريين على وجه التحديد.

ومما زاد الجدل بقية تصريحات الوزير التي تحدثت عن ضرورة عمل تركيا على “مصالحة النظام والمعارضة” السوريَّيْن بعدِّها الطريق الوحيدة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية والاستقرار في سوريا.

أثارت التصريحات موجة غضب وانتقادات بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، ورأى فيها الكثيرون إشارة على قرب بدء علاقات سياسية بين تركيا والنظام السوري لا سيما وأنها أتت بعد قمة سوتشي التي جمعت بوتين بأردوغان وقال الأخير إن الرئيس الروسي دعاه خلالها مجدداً لإنشاء علاقات سياسية مع دمشق، وكذلك بعد خبر – لم يتأكد – عن احتمال حصول اتصال هاتفي بين أردوغان والأسد.

رد الفعل الأبرز كان في شمال سوريا حيث نظمت عدة مظاهرات حاشدة ورافضة لفكرة التصالح مع النظام، وقد كان ذلك فيما يبدو ضمن الأسباب التي دفعت الخارجية التركية لإصدار بيان توضيحي حول موقفها من القضية السورية.

البيان الذي صدر في الـ 12 من الشهر الجاري، أي في اليوم التالي لتصريحات تشاووش أوغلو، أكد على أن تركيا مستمرة في تضامن مع الشعب السوري، وأنها ما زالت تدعم حلاً سياسياً للقضية السورية يراعي مطالب الشعب السوري، وحمّل مسؤولية تعثر المسار السياسي للنظام.

معطيات مهمة

في محاولة الإجابة على سؤال احتمالية تغير الموقف التركي من النظام، تبدو السياقات العامة والمعطيات الكبرى أعمق دلالة من التفاصيل. أوَّلُ هذه المعطيات أن مسار المصالحات والتهدئة في المنطقة بُني على عدة أسس في مقدمتها إخفاق “الربيع العربي” في معظم إن لم يكن كل الدول التي شهدته، ما دفع القوى الإقليمية لمحاولة العودة إلى معادلات ما قبله.

والمعطى الثاني أن منع قيام كيان سياسي مرتبط بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية هو الأولوية الأهم لأنقرة في القضية السورية، وبأي وسيلة ممكنة. والثالث أن القضية السورية ولا سيما ما يتعلق بالمقيمين السوريين في تركيا هي إحدى أهم الملفات على أجندة الانتخابات المصيرية المقبلة في البلاد، وهو ما دفع حكومة الرئيس أردوغان للحديث عن مشروع تعمل عليه لإعادة/عودة مليون سوري إلى الشمال السوري قريباً.

والرابع أن هناك قناة استخبارية – وربما عسكرية – بين أنقرة ودمشق بشكل رسمي وعلني، وقد أكد الرئيس التركي نفسه وجود هذه القناة، فضلاً عن التصريحات الأخيرة لوزير خارجيته. وقد دعت روسيا تركيا أكثر من مرة للتواصل السياسي والدبلوماسي مع النظام السوري بشكل مباشر لمعالجة ما تعدُّه أخطاراً وتهديدات لأمنها القومي ولا سيما ما يرتبط بالمنظمات الانفصالية في الشمال السوري. وقد كان رد أنقرة دائماً عدم الحاجة لهذه القناة الدبلوماسية والاكتفاء بالاستخبارية، وهو ما كرره أردوغان خلال عودته من قمة سوتشي الأخيرة مع بوتين.

والمعطى الخامس أن تركيا قد عدلت موقفها من القضية السورية ورؤيتها للحل الأفضل لها على مدى السنوات الماضية وفق التطورات الداخلية في تركيا والميدانية في سوريا والمقاربة الدولية لها، منتقلة من الدعوة للإصلاح لدعم الثورة للمطالبة برحيل الأسد لقبول الحل السياسي مع اشتراط رحيله لقبول فترة انتقالية لا يعود بعدها رئيساً.

وأخيراً، من المفيد التذكير بالدعوات المنتشرة في تركيا للتعاون مع نظام الأسد من باب المصالح المشتركة المتمثلة بمنع قيام كيان “كردي” في الشمال السوري وعودة اللاجئين، وهي دعوات من المعارضة التركية في الأساس ولكن تشاركها فيه أوساط سياسية وإعلامية وبحثية مقربة من الحزب الحاكم نفسه. ومما يزيد في أثر هذه الدعوات والنقاشات استمرار التجاهل الأمريكي للمصالح التركية من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية، وشعور أنقرة بضرورة ترتيب أوراقها في هذا الملف المهم مع موسكو.

مصالحة؟

فهل تعني تصريحات وزير الخارجية التركي بأن بلاده تسير نحو مصالحة مع النظام السوري وفتح قناة سياسية مباشرة مع دمشق؟ باعتقادنا أن الأمر يحتاج نقاشاً في مسارين مختلفين ولكن مرتبطين إلى حد ما.

المسار الأول هو مصالحة بين دمشق وأنقرة، وهو أمر لا يبدو وشيكاً ولا تقوم على وقوعه قريباً قرينةٌ حقيقية. صحيح أن كل ما سبق من سياقات ومعطيات تدفع بهذا الاتجاه، ويدعم هذه الفرضية رفض روسيا وإيران العملية التي لوحت بها أنقرة في الشمال السوري وحاجة الحكومة التركية لتقديم إنجاز في هذا الإطار ودفع موسكو لتحقيق أهداف العملية (إبعاد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية 30 كلم عن الحدود) من خلال النظام وليس عبر عملية عسكرية.

هذا صحيح، لكن من جهة أخرى تدرك أنقرة أن تطبيع علاقاتها مع النظام – بما يشمل الاعتراف به – قد يكون مقدمة لمطالبته إياها بسحب قواتها من الأراضي السورية. وهو أمر يدفع لاستبعاد هذا الاحتمال مرحلياً، وتوقعه فقط في حالة حصول صفقة متكاملة بين الطرفين بوساطة روسية، بحيث يشمل ذلك حل مسألة اللاجئين وبقاء القوات التركية في سوريا مؤقتاً مع تطوير اتفاق أضنة.

أما المسار الثاني والمتعلق بالتصالح بين النظام والمعارضة أو بالأحرى الرؤية تجاه حل القضية السورية فهو يحتمل تطوراً في الموقف التركي أكثر من الأول. دولياً وإقليمياً لم يعد هناك من يدعو لإسقاط نظام الأسد، ومحلياً لم يعد هناك الكثير ممن يقاتلونه. صحيح أن المقبول دولياً وتركياً وفق ما هو معلن حلٌّ سياسي وفق القرار 2254، ولكن غياب الأدوات التي يمكن أن تفرض هذا الحل، وتجمد المسار السياسي عند عقدة اللجنة الدستورية، والأوضاع الميدانية في سوريا، وأوراق القوة التي تمتلكها موسكو في الملف السوري، وغيرها من العوامل لا تحيل لتطبيق القرار في نهاية المطاف وإنما إلى حل أقرب للرؤية الروسية وهو الإصلاح تحت راية النظام أو إعادة هيكلة الأخير في أفضل الأحوال.

وعليه، فإن تحول أنقرة لقبول حل سياسي يشمل بقاء النظام والعمل على مصالحة بينه وبين المعارضة المدعومة تركياً يبدو أمراً متوقعاً ومتناغماً مع التطورات الميدانية والتصريحات السياسية من المسؤولين الأتراك مؤخراً.

وفي هذا الإطار، لا ينبغي فهم التصريحات التركية على أنها بالونات اختبار تحضيراً لمرحلة قادمة، وإنما تعبيراً عن تغير في التوجهات قد حصل وينتظر التبلور في خطوات ملموسة على أرض الواقع، قريباً أو لاحقاً حسب ما تفرض الظروف.

في الخلاصة، تنظر أنقرة للملف السوري من زاوية الانتخابات المصيرية المقبلة، وتحتاج حكومتها أن تسجل إنجازاً ما فيه قبلها، على صعيد مكافحة مشروع العمال الكردستاني في الشمال السوري من جهة وعودة/إعادة السوريين إليه من جهة ثانية. وفي ظل تعقد الأوضاع الميدانية وتشابك المواقف السياسية الرافضة للعملية التركية، قد تقبل أنقرة تسجيل بعض النقاط وتحقيق بعض الأهداف عن طريق النظام في إطار تفاهمات مع الضامن الروسي، وهو ما تطمح موسكو لأن تحوله إلى قناة دبلوماسية تطور علاقات سياسية بين الجانبين.

يعني ذلك أن أنقرة منفتحة حالياً على دعم خطوات من النظام باتجاه قوات سوريا الديمقراطية تخدم رؤيتها في مواجهة الأخيرة، وهو ما يعني تطوير أو رفع سقف التواصل بين أنقرة ودمشق بمساهمة روسية. وفي ظل عدم وجود معارضة حقيقية ومؤثرة للأمر داخل تركيا، سيكون قرار أنقرة مستقبلاً بخصوص العلاقة مع النظام السوري مرتبطاً إلى حد كبير بما يقدمه الأخير وروسيا لها في الملف الأهم لها وهو مكافحة الامتدادات السورية للعمال الكردستاني وبما يضمن عدم الإضرار بها على المدى البعيد فضلاً عن مسار الحل السياسي الداخلي.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

العدوان على غزة من زاوية إبران: توضيح الواضحات 

المقالة التالية

أربع خلاصات رئيسة من التصعيد الأخير في غزة

المنشورات ذات الصلة