تسويق التطبيع مع إسرائيل باسم الواقعية هل سينجح؟
تتكاثر يوما بعد يوم الأصوات الخليجية الداعية إلى التطبيع مع إسرائيل، بذريعة أن وجودها بات أمرا واقعا، وعدم الاعتراف بهذا الواقع لا يؤثر عليه ولا يغير فيه شيئا، وأفضل سبيل للتعاطي معه هو التطبيع والسلام معها بحسب تلك الأصوات.
وكانت الصحفية السعودية، سهام القحطاني، أثارت مؤخرا جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن اعتبرت الأوصاف التي تقال عادة في وصف التطبيع مع إسرائيل بـ”الفضيحة والعار والجريمة” بأنها “شعارات وجدانية انتهى زمانها”.
وقالت في تغريدة لها مؤخرا على تويتر “إسرائيل واقع.. وعدم اعترافنا بهذا الواقع وجديته وتأثيره علينا لن يغير الواقع”.
من جهته علق الأكاديمي السعودي، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد عليها بالقول “مزيد من السعوديين والسعوديات تتصدّر أسماؤهم الصفحات والمواقع الرسمية الإسرائيلية، هذا عار، و”المطبّعون و”المطبعّات” لا يمثلون الشعب العربي المسلم في السعودية، والذي يفتدي المسجد الأقصى بروحه، ويجري منه حبّ الأرض المباركة مجرى الدم”.
ووفقا للكاتب والمحلل السياسي، الدكتور سعيد الحاج “هناك حرص صهيوني على التطبيع مع العرب والمسلمين دولا وحركات وأفرادا، وهناك حرص صهيوني على إبراز هذه الحالات وادعاء أنها التيار العام في المنطقة”.
ورأى الحاج في حديثه لـ”عربي21″ أنه “لا يمكن اعتبار تلك الأصوات الخليجية الداعية إلى التطبيع مع إسرائيل أنها تعبر عن قناعات ذاتية، في ظل الأنظمة الخليجية التي لا تسمح بأي اختلاف مع الرواية الرسمية، بل باتت لا تتسامح حتى مع حالة الصمت، وتريد من أصحاب الرأي أن يتماهوا تماما مع مواقفها الرسمية”.
وأضاف: “واضح تماما أن تلك الأصوات الخليجية التي باتت تدعو علانية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبعضها بات يتفاخر بذلك، إنما تصدر عن توجهات رسمية في هذا الشأن، وثمة إشارات تدل على ما هو أبعد من ذلك، فبحسب مصادر مختلفة ثمة خطوات عملية تمت بهذا الاتجاه تمثلت بقيام أكاديميين ومسؤولين خليجيين سابقين بزيارة الكيان الصهيوني وعقد اجتماعات وحضور مؤتمرات مع الصهاينة.
وتابع: “واللافت أننا لم نسمع أي تكذيب لتلك الأخبار من أي عاصمة خليجية، وتحديدا من عاصمتين بارزتين لهما حظ كبير من تلك الأخبار، مع أن بعض تلك الأخبار موثقة بالصورة والصوت لزيارة وفود أكاديمية واقتصادية لتل أبيب، ولقاءات ومؤتمرات في أمريكا وبعض الدول الأوروبية”.
وردا على سؤال حول مدى نجاح سياسة تسويق التطبيع مع إسرائيل بذريعة الواقعية، استحضر الحاج حالتين سابقتين في هذا السياق، ألا وهما مصر والأردن فبعد عشرات السنوات من عقد اتفاقيات السلام بينهما وبين إسرائيل، لم نجد انتشارا واسعا للتطبيع الشعبي، وما زال ينظر شعبيا لكل من يقدم على ذلك بعين الخيانة وارتكاب جريمة وطنية”.
من جهته، وصف الكاتب والأكاديمي الكويتي، الدكتور فهد راشد المطيري، “دعوات التطبيع مع إسرائيل بأنها مجرد جس نبض لردة فعل الشارع العربي، ومحاولة لهذا التطبيع الذي أصبح مع الأسف ملموسا بشكل واضح في الآونة الأخيرة، ولا يمكن لهذه الشخصيات الأكاديمية والإعلامية أن تمتلك إرادة حرة في دعواتها للتطبيع”.
وأضاف في تصريحاته لـ”عربي21“: “حتى الأنظمة نفسها مغلوبة على أمرها في هذه المسألة”، متسائلا “فما بالك بمن يأتمرون بأمر تلك الأنظمة؟”.
وعن توقعاته بشأن مدى تأثير سياسة تسويق التطبيع مع إسرائيل على اختراق أسوار الممانعة العربية الشعبية، لفت المطيري إلى أنه “في ظل افتقار الشعوب لإرادة سياسية حقيقية، وفي ظل جيل عربي جديد لم تعد تشغل باله قضية فلسطين، لا نستطيع أن نُعول كثيرا على الممانعة الشعبية العربية”.
وواصل حديثه بالقول “هناك بالطبع محاولات جادة لإبقاء القضية حية في وعي الشعوب العربية، لكن صدى هذه الدعوات مع الأسف لا يكاد يسمع في ظل هيمنة السلطة على مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام”.
وفي الأثناء أشار الداعية والأكاديمي السعودي، الدكتور، سعيد بن ناصر الغامدي، إلى أن “ما يعلنه دعاة التطبيع قادم من جهتين، أولهما: العلمنة، فحقيقة الأمر ما قاله المسيري بما فحواه أنه لا يكاد يوجد متغرب إلا ولديه القابلية للتعايش مع الصهاينة، بسبب المرجعية التي يؤمن بها”.
أما الجهة الثانية، فهي بحسب الغامدي، تتمثل في التوجهات السياسية من ساسة فقدوا قدرتهم على إدارة بلدانهم بحكمة وعدل، وقيم وهوية، فلجأوا إلى العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا للاحتماء بهما بذرائع عديدة، ومسميات تبريرية كالواقعية السياسية، والمصلحة الوطنية والسلم أهم من العدل، وبعض الرتوش الدينية من علماء مغفلين أو أدوات يستخدمها السياسي كما يشاء”.
وردا على سؤال “عربي21“، حول مدى صمود الممانعة الشعبية في مواجهة تلك الحملات الداعية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، أوضح الغامدي أن “الممانعة الشعبية تقوم على عدة مرتكزات من أهمها الدين وقيم الرجولة والشهامة ومصلحة البلاد والعباد”.
وأضاف: “لكن حلف الفجار يعمل على تحطيم تلك المرتكزات والقيم وفق أجندة “خلوة العزم” التي عقدت في جدة وأبو ظبي عدة مرات.. ووفق اتفاقيات مع كوشنر وترامب ونتنياهو والسيسي” على حد قوله.
وختم الغامدي حديثه بالقول: “لذا فإن تلك الأنظمة تسعى لاختراق حصون الممانعة الشعبية عبر ممارساتها القمعية ضد كل من لا يقبل بالتطبيع بشتى الوسائل سجنا وتضييقا وقتلا”، متوقعا: “بقاء الممانعة الشعبية قوية ومتماسكة ما دام العمل الدعوي قائما، وتعليم العلم الشرعي متاحا، ولن تنطفئ جذوتها وإن خفتت لبعض الوقت”.